السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب الكونجو ومعضلة «تعويض المتضررين»

حرب الكونجو ومعضلة «تعويض المتضررين»
9 مايو 2009 01:14
"انظروا إلى حالتي، لقد أصبحت عاجزاً عن القتال"، بهذه العبارات يلخص "موكالاي سينجا"، الجندي الكونجولي الذي أقعدته الإصابة في الفراش وضعه المزري بعد انفجار قذيفة هاون بالقرب من رجله اليمنى، مضيفاً: "بالمبلغ القليل الذي تلقيته من الحكومة لم أستطع حتى دفع الرسوم الدراسية لأبنائي، واليوم لا أعرف كيف سأعول أسرتي". والحقيقة أن تجربة "سينجا" القاسية ليست الوحيدة بين جنود الحكومة الكونجولية الذين تعرض العديد منهم للإصابة خلال العمليات الأخيرة التي تقوم بها القوات الحكومية ضد ميلشيات "الهوتو" المتطرفة المعروفة باسم "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، لكن "سينجا" كان محظوظاً أكثر من غيره عندما نُقل جواً إلى مستشفى تابع للأمم المتحدة في مدينة جوما وتسلم تعويضاته المالية. وتكمن المشكلة في عدم تلقي الجنود الذين يقاتلون في الجبهة رواتبهم لشهور متوالية حتى في ظل رعاية الأمم المتحدة للحملة التي أطلقتها الحكومة الكونجولية ضد مقاتلي الهوتو الذين هربوا من رواندا إلى الأراضي الكونجولية المجاورة. فبعد العملية العسكرية المشتركة بين الجيش الكونجولي والقوات الرواندية إثر توصل البلدين إلى اتفاق مفاجئ باتت الميلشيات التابعة للقوات الديمقراطية لتحرير رواندا محاصرة فلجأت عناصرها المحبطة إلى ترهيب القبائل المحلية التي عاشت بجوارها في سلام قبل اندلاع المعارك الأخيرة، وعمدت إلى قتل وتهجير عشرات الآلاف من المدنيين. وتتنامى مخاوف المسؤولين الأمنيين والدبلوماسيين وموظفي الإغاثة من تأثير انقطاع رواتب الجنود من التأثير السلبي على المعنويات المتدنية سلفاً للجنود وتعطيل التقدم الذي أحرز مؤخراً لاجتثاث ميلشيات الهوتو. ورغم هذه الصعوبات يتوقع من الجنود الكونجوليين مواجهة مقاتلي "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" بتنظيمها المحكم وتكتيكاتها العنيفة، والتي أقامت لنفسها معقلاً قوياً في المناطق الشرقية للكونجو عقب فرارها من رواندا قبل 15 عاماً، حيث تورط بعض مقاتليها في المجازر التي شهدتها رواندا في العام 1994 وخلفت أكثر من 800 ألف قتيل من التوتسي والهوتو المعتدلين. وتسيطر الميلشيات المتمردة على الموراد الطبيعية التي تزخر بها المنطقة، لا سيما مناجم الذهب، ما يغري عناصرها الذين تبقى منهم خمسة آلاف مقاتل بالاستقرار في الأراضي الكونجولية والاستفادة من المغانم. وقد بدأت معالم الوهن تتبدى على الجيش الكونجولي الذي يخشى المراقبون من أن يفقد الزخم الذي تشكل بعد تدخل القوات الرواندية إلى جانبه في المعارك الشرسة، إذ مقارنة بعدد المتمردين الذين تم ترحيلهم إلى رواندا في شهر فبراير الماضي والبالغ عددهم 586، تقلص ذلك الرقم في شهر أبريل الجاري إلى مجرد 105 متمردين، ناهيك عن التقدم الميداني الذي بدأت تحرزه "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا". وفي هذا الإطار، يقول "أنيك فان وندربورج"، الباحث في الشؤون الأفريقية بمنظمة هيومن رايتس ووتش: "رغم فرار العديد من عناصر الميلشيات ومغادرتهم لقواعدهم العسكرية إثر الحملة العسكرية الحكومية، فإن العديد منهم رجعوا في الآونة الأخيرة، أو ظلوا بالقرب من مواقعهم القديمة"، وتشمل المناطق التي يتمركز فيها المتمردون "واليكالي" الغنية بالذهب والقصدير، و"لوبيرو" التي تتوافر على أكثر من مائة منجم للذهب. وأمام زحف القوات الحكومية إلى جانب الجيش الرواندي المشارك في العمليات، يبدو أن ميلشيات الهوتو بدأت تعتمد استراتيجية جديدة تقوم على العنف والقتل، لا سيما في منطقة لوبيرو، حيث تعيش عرقية "ناندي"، وهو ما يؤكده "وندربورج" قائلاً: "رغم الماضي المخزي للقوات الديمقراطية لتحرير رواندا، فإننا لم نشهد هذا المستوى من العنف منذ سنوات، فهم يتعمدون استهداف المدنيين انتقاماً من العمليات الحكومية". وقـــــد دفــــع هذا العنف الموجه ضد المدنيين الكثيرين إلى التساؤل عن احتمال تخفيف الحكومة الكونجولية والأمم المتحدة من حلمتهما العسكرية على عناصر الميلشيات حتى لا تُستفز لقتل المزيد من المدنيين والانتقام منهم، لا سيما بعد تصريح العقيد "ديتريتش" في القوات الأممية قائلاً: "إن حماية المدنيين هي في مقدمة أولوياتنا، لكننا أيضاً منخرطون في العمليات ضد الميلشيات ودعم الجيش الكونجولي". لكن مـــع ذلـــك لم تمنع هذه المشاكل الجيش الكونجولي والأمم المتحدة من فتح جبهة جديدة، ففيما كانت العمليات العسكرية مقتصرة على منطقة كيفو الشمالية وهي إحدى المحافظتين الغنيتين بالمعادن والتي تتخدها الميلشيات مقراً لها انتقل التركيز اليوم إلى محافظة كيفو الجنوبية بعد حشد الحكومة لعشرة آلاف من جنودها. وتسعى الأمم المتحدة من جهتها قبل البدء في العمليات الجديدة إلى ضمان تلقي الجنود لرواتبهم، وهو ما يؤكده العقيد "ديتريتش" قائلاً: "في الماضي كان القادة العسكريون يوزعون الرواتب على الجنود لأنهم يعرفونهم بالاسم، لكن اليوم يتعين على الجنود الحصول على بطاقة هوية ومن تم تسهل عملية توزيع الرواتب". المشكلة أن هناك شكوكاً تحوم حول قدرة الحكومة الكونجولية على الاستمرار في تمويل الجيش، لا سيما أن "الاقتصاد الكونجولي"، كما تقول "ليزا ليوين"، الباحثة الاقتصادية بلندن "كان الأكثر تضرراً بالأزمة العالمية من بين الاقتصادات الأفريقية، وأعتقد أن البلاد ستدخل فترة ركود خلال العام الجاري بسبب تراجع الطلب العالمي على السلع". فالكونجو تعتمد في مواردها بشكل أساسي على تصدير النحاس، الذي وإن كان قد استعاد قيمته مؤخراً، إلا أنه ما زال يُباع بأقل من نصف سعره مقارنة بشهر يوليو الماضي، وهو ما يصعب من مهمة دفع الحكومة لرواتب الجنود. دونكان وودسايد - الكونجو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©