الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاولة للفتك بالزمن

10 ابريل 2008 02:12
ثمة سؤال طالما دار في ذهني وهو: كيف استطاع المتخيل الأنثوي أن يعكس أجواء القهر والمصادرة في ظل انغماره بهذه الأجواء؟ إذ ان الموقف يحتاج إلى قدر كبير من الجرأة والتحدي فضلاً عن الموهبة الأدبية التي تتقمص فيها المبدعة هذه الذات في تحولاتها المختلفة· هو تساؤل قادتني إليه مجموعة ''الآن عرفت'' للشاعرة صالحة غابش، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، وتحديداً قصيدة (لكأني قصة وهم) إذ تتماهى نبراتها مع نبرات (الأنا) المتحدية التي يسفر صوتها عن استعداد للتضحية والمكابدة إذ نقرأ في مقطع منها: سأصوب كل حضوري نحو خريف يجثم في مخبأ وسأحمل عدة معركتي وأودعكم سأناور هذا البرد ـ رفيقي ـ حتى تذبل وردته الثلجية في رئتي ثمة فضاءان زمنيان متصارعان أحدهما: يضيء حركة باتجاه المستقبل فضحتها الانثيالات الموقعة لسين الاستقبال في (سأصوب + سأجعل + سأناور) وهي تعلن صراحة عن قرار ما تمخضته الذات الرافضة لعبودية الزمن وسلطته· وأما الحركة الأخرى فهي حركة عنيفة ساعية إلى اجتثاث الزمن الملبد بالفتك والمرموز له بالخريف وبرودة الشتاء وثلوجه وقد باح بتفاصيل هذه الحركة عبارة (عدة معركتي)· وتتحرك البنية الشعرية في قصيدة (تتويج) باتجاهات تراوغ أفق القارئ خارقة بهذه الحركة المشاكسة النسق الدلالي للمحمولات اللفظية اللاحقة تعكس تحولات (الأنا) ورفضها الذي يأتينا منذ الاستهلالة: لن ابعث جلدي نحو الشمس لتنضجه لن أبعثه نحو الأقمار تهيل عليه الفضة من سلتها فأنا في الشرق متوجة وبلاطي صوت امرأة تمشي في أثر نبي يستدعي المتخيل الانثوي (الشمس + الاقمار) لتكون فضاءات زمكانية تؤشر أجواء التجربة الساخنة (تنضجه) واللمسة الجمالية المتخمة بالثراء (سلال الفضة)، إلا أن الأنا الشعرية تمتنع واعية عن الحركة باتجاهها وتفلح الانثيالات الموقعة للأداة (لن) في إضاءة الاحتجاج على اللحظة الراهنة والمستقبلية· ويجلي إعلان الشاعرة (انا في الشرق متوجة) مكنون النص وبنيته الغاطسة التي عكستها العنونة (تتويج)· وقد خلق استحضار اللفظين (متوجة + بلاطي) وثاقاً دلالياً إيقاعياً يربط عنوان النص (قبل) ببنيته (بعد) ليضيء تحولات المكان إذ يغدو مملكة تنتشي بحضور الانوثة وتجلي دورها الفاعل بحركة الحياة· وهو في الوقت ذاته يشحذ ذاكرة التلقي لاستدعاء شخصية الملكة السبأية بلقيس· وتضيء قصيدة (شهر زاد أخرى) وجهاً آخر للانوثة المستبلة، أنها الانوثة المتمردة على قاموس القهر، تأمل الآتي: صباحك النائم فوق بنفسجه الهادئ أحلى بكثير من وقت تنفخ نبراته امرأة عتقت في حنجرتها الاسطورة فمالك إذن وتاريخها المثقل برقصتها الذائبة في كؤوس الحكايا ؟!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©