الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخال وابن الأخت

10 ابريل 2008 02:13
صلوا على محمد.. اللهم صلّي وسلم عليه.. كان يا مكان، في قديم الزمان، في إحدى البلدان ربان مشهور يعمل في مهنة الغوص، وكان ربانا حكيما خبيرا بأمور الحياة وملما بشؤون البحر، لكن الله لم يرزقه بأولاد فقد كان عقيما، لذا فقد كان يعتمد على ابن اخته ويعتبره كأنه ابنه، وكان ابن الأخت ذاك مخلصا لخاله أشد الإخلاص، وكان الربان في المقابل يعامل ابن أخته معاملة خاصة، ويثق به ثقة عمياء ليس لها حدود· مرت الأيام والسنون والربان وابن أخته يعملان بجد واجتهاد، وفي سنة من السنين جاء موسم الغوص كعادته، وأعدت السفن لهذه المناسبة العظيمة، كما استعد البحارة من غواصين ومساعديهم لتلك الرحلة الطويلة الشاقة، ومثل ما هو معروف فإن في كل إمارة أو مدينة تخرج قافلة بحرية كبيرة من السفن تسمى هذه القافلة (سنيار) وكل سنيار كان له قائد يسمى (سردال) و السردال هو ربان الربابنة (مصطلح السردال يشتهر في الخليج وشرق أفريقية وهو مصطلح سواحيلي)· خرج سنيار المدينة التي بها رباننا الحكيم الذي سافر كالعادة ومعه ابن أخته المخلص، ومضوا في طريقهم يشقون عباب البحر ورذاذ الماء يرسم أحلاما جميلة لكل من على ظهر السفينة· بعد مرور نصف يوم من سفرهم اكتشفوا أنهم نسوا أداة مهمة من أدوات الغوص ألا وهي (المفالق) مفردها (مفلقة) وهي أداة فتح محار اللؤلؤ، وبدونها لا يمكن تمضية موسم الغوص واستثمار وقته الثمين، فهي الأداة التي تمكن طاقم السفينة من معرفة جدوى الغوص في كل (هير) والهير هي تسمية الخليجيين لمغاصات اللؤلؤ، فبمعرفة مقدار اللؤلؤ في كل مغاص يحدد الربابنة مدة بقائهم فيه، لذا فقد قرر الربان العودة إلى البر لجلب المفالق ومفارقة السنيار الذي هو فيه، وبالفعل عادوا إلى البر، واستغرقت عودتهم ذات المدة التي قضوها في الذهاب وهي نصف يوم أيضا، أي أن المدة كلها في الذهاب والعودة استغرقت ما يزيد على مقدار اليوم تقريبا، ولم يكن ليظن أحد في المدينة أن سفينة من سفن السنيار في مدينتهم سوف تعود لأي سبب كان· وصلت السفينة الكبيرة الى مشارف المدينة، وعلى مقربة من الشاطئ توقفت، فأمر الربان ابن أخته بالنزول من السفينة والعوم حتى الشاطئ ثم الذهاب الى بيت الربان ويأتي بشوال المفالق ويعود بأقصى سرعة للسفينة ليتموا الرحلة ويلحقوا بالسنيار· عمل ابن الأخت ما أُمر به وتوجه إلى البيت لأخذ المفالق، وبالطبع لم يطرق الباب الخارجي للبيت لأنه يعتبر نفسه من أهل البيت فقد تربى فيه وترعرع، فدخل البيت بدون استأذان، لكنه فوجئ بأمر رهيب فقد لاحظ رجل غريب يجلس في البيت مع زوجة خاله الربان· لم يأت ابن الأخت بأي تصرف ليستنكر ما رأى بل أخذ شوال المفالق وانسحب بكل هدوء من البيت، مع علمه بأن زوجة خاله قد رأته بوضوح وعلمت بأنه رآها مع الرجل الغريب· عاد ابن الأخت إلى السفينة من فوره، وسلم المفالق إلى فريق العمل الذي سيستخدمها على ظهر السفينة دون أن ينطق ببنت شفة أو يحدث بما رأى· انطلقت السفينة ولحقت بالسنيار على أول (هير) أو مغاص للؤلؤ وشاركوا الآخرين في غوصهم واستمروا على هذا الحال لمدة خمسة أيام تقريبا· في الحقيقة طوال هذه الفترة كان ابن الأخت يحاول إيجاد طريقة هادئة ومناسبة لإخبار خاله بالموضوع، دون أن يجرح شعوره أو يخدش كبريائه، لكن الحيرة كانت تصيبه، ثم راودته فكرة رأى بأنها قد تكون مناسبة، ألا وهي أن يخبر خاله بما حدث شعرا، فالشعر أقدر على التعبير عن مكنونات الذات بشكل راق ودون المساس بخصوصيات الناس· من المعروف أن الربان يشتاق إلى الغوص بنفسه كنوع من الترفيه أو إدامة الخبرة، وهذه عادة اعتاد مشاهدتها كل البحارة، وحدث أن قرر رباننا في أحد الأيام الغوص بنفسه، هنا وجد ابن الأخت ضالته، لأنه هو الذي سيكلف بمهمة جذب الحبل المخصص لجذب الغواصين من قاع البحر· قفز الخال إلى البحر من ناحية خاصة من نواحي السفينة بها شيء من الخصوصية وابن أخته يمسك بحبلين، حبل جذب الغواص وحبل ''اليدا'' وهو حبل خاص لجذب سلة المحار التي تسمى في الإمارات ''ديين''· غاص الخال عددا من الأشواط، وبعد أن أكمل الشوط الثالث وارتفع مستندا على بعض ألواح السفينة لالتقاط أنفاسه أنشده ابن أخته هذه الأبيات: يالخـال خيـل ايداك أدّبها حمامةٍ فيْ البيت لعْبواْ الصّقور ابهْا ابْشـوف عيني شاهيـنٍ يجالبها وامْغَدّفٍ شاربه عالي شواربها سمع الخال هذه الأبيات وعجب من الأمر، فأمر ابن أخته أن يعيد على مسامعه ما قاله من أبيات، فأعاد ابن الأخت على مسامع خاله ما قال، هنا فهم الخال قصد ابن أخته، فقد عرف مغزى ابن أخته بالرموز التي أطلقها في البيتين اللذين قالهما مثل (الحمامة والصقور والشاهين) وباقي الكلمات· صعد الخال إلى ظهر المركب وأمر بأن يستعد الجميع للعودة، فعاد جميع الغواصين إلى ظهر المركب، وطويت الحبال، ورفع الشراع، هنا استغرب الجميع من هذا الأمر ومنهم أفراد وطاقم السفينة، وباقي السفن في السنيار، فلم يمض على قدومهم أكثر من ثمانية أيام، حتى أن البعض ظن بأن هذا الربان ربما يكون قد حصل على دانة ''أي درة يتيمة كبيرة'' والبعض أوّل الحدث بتأويلات أخرى· بالفعل عاد الربان إلى المدينة وبعد وصولهم الساحل عاد إلى البيت ودخل وسلم على زوجته ثم ذهب إلى الغرف يبحث ويفتش الغرفة تلو الأخرى، ولما لم يجد شيئا، عاد إلى زوجته وقال لها بأنه يتوجب عليها جمع حاجياتها من البيت وأي شيء ترغب في حمله، حيث إنه قرر أن يعيدها إلى بيت ذويها، الزوجة لم تجادله في الأمر فهي تعلم مدى إخلاص ابن أخته له وأنه كان سيبلغه بما رأى لا محالة، وأن الربان يثق ثقة عمياء بابن أخته، أي أن الأمر قد قضي جزاء ذنبها الذي اقترفته· لملمت ما لها في البيت وأخذها الربان بنفسه إلى بيت أهلها، وهو يمشي في الطرقات في المدينة كان الناس ينظرون إليه باستغراب، فهو يجب أن يكون في الغوص، كما أنه يمشي مع زوجته وهي تحمل متاعها وكأنه يأخذها إلى بيت ذويها بغير رجعة، الكثير من الأحاديث كانت تدور هنا وهناك، ولا من إجابة· وصل الربان و زوجته إلى بيت ذويها فدخلا وسلم على أبويها وأودعهم ابنتهما وقال لهما هذه ابنتكما معززة مكرمة خذاها ونفترق ونحن أحبة، وأبوا الزوجة يلفهما الاستغراب وتطويهما الحيرة والحسرة· بعدها عاد الربان إلى السفينة وركب مع البحارة وعادوا إلى السنيار على مغاص اللؤلؤ وهناك بدأت الحكاية تتسرب بين البحارة في ذات السفينة وفي السفن الأخرى، كما بدأ الربان يسرب قصة تصرفه بين الآخرين حتى يعلموا طريقته اللبقة في التصرف، حيث إن زوجته من أناس لهم وزنهم وقدرهم كحاله هو، وأنه مهما حدث بين الأزواج يجب أن يضل الاحترام والتقدير سيد التصرفات جميعها· وهكذا يضرب الأولون أجمل الأمثلة وأرقاها في فنون التعاملات بينهم، كما يضربون أروع الأمثلة في احترام الناس ولو كانوا مذنبين أو على خطأ· والى الملتقى
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©