الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عرس العجوز ومأتمها

عرس العجوز ومأتمها
17 فبراير 2012
(القاهرة) - صفارات سيارات الشرطة تنطلق متتابعة وأضواؤها الملونة بالأزرق والأحمر تثير الخوف في النفس لأنها تنبئ بأن أمراً جللاً قد وقع، ويزداد الخوف ولا أحد يعرف درجة خطورة الحدث الذي انتقلوا من أجله ويهرولون إلى مكانه هُناك عند الطريق على حافة المجرى المائي الصغير، توقفت السيارات التي استمرت وتواصلت إنذاراتها وأضواؤها فتجمع المارة من المترجلين ومن أصحاب السيارات وخلال دقائق زاد عددهم على المئة بكثير فكونوا جمعاً غفيراً زاد من سخونة الموقف ووضع رجال الشرطة حواجز لمنع الآخرين من الاقتراب أكثر إذ إنهم يحاولون التدافع لاكتشاف الأمر. كانت هناك لفافة عبارة عن غطاء سيارة بداخله جثة محترقة لامرأة عجوز ملامحها تؤكد أنها تجاوزت السبعين وتأكد ذلك من بطاقة هويتها التي لم تصل إليها النيران وسهلت على رجال الشرطة مهمة البحث عن شخصيتها والمؤكد أن هُناك جريمة وأن القاتل أحرق الجثَّة بعد أن وجه إليها عدة طعنات، ثم حاول أن يحرقها لإخفاء معالمها وألقى بها هنا في هذا المكان على أطراف المنطقة السكانية محاولاً إبعاد الشبهة عنه. القتيلة سيدة ثرية تقيم بمفردها كانت خلال الأسابيع الماضية حديث الحي، فهي أرملة توفى زوجها ولم تنجب وورثت عنه مصانع وأموالاً طائلة تترك إدارتها للموظفين المختصين، لأنها لا تملك أي خبرة ولا تجيد حتى القراءة والكتابة وتقيم في شقة فسيحة في أحد المباني العتيقة تكفي لعدد من الأسر ومن حولها يحقدون عليها ويتندرون فيما بينهم في الحديث عنها ويتمنى الكبار قبل الصغار أن تتبناهم وبعضهم لا يمانع في أن يعمل لديها طمعاً في مالها وفيما ستتركه خاصة وأنها بلا وريث، فكما يبدو أنها لا تستقبل أحداً في مسكنها طوال هذه السنين، لكن ما حدث مؤخراً جعلهم يقطعون الأمل في هذا كله ويتحول حقدهم إلى ذلك الشاب الذي فاز بالجمل بما حمل، تزوجها رغم أنه في عمر أحفادها لو كانت أنجبت، وازداد حقدهم عليه عندما علموا بالحادثة وأنها لقيت حتفها وسيرث كل أملاكها بعد زواج لم يدم أكثر من أسبوعين ويرون أنه محظوظ. لكن الشاب زوج القتيلة رجل غامض حضر للإقامة هنا منذ حوالي عام، ويبدو من هيئته أنه موظف محدود الدخل يقيم في غرفة بالبناية المقابلة لشقة العجوز ولا توجد أي علاقة بينه وبين أحد من السكان لا هنا ولا هناك لأنه دائماً عابس ويعود في وقت متأخر من الليل ولا أحد يعرف وظيفته ولا أين يذهب أو يعمل. ولا يأتي إلى مسكنه المتواضع إلا للنوم فقط، وقبل ثلاثة أشهر ظهرت عليه آثار النعمة والثراء الفاحش يرتدي الملابس الأنيقة ويأتي ويروح بسيارة حمراء جديدة من أحدث وأشهر الماركات العالمية المعروفة ولفت التغير الكبير أنظار الجميع وجعلهم يتساءلون بإلحاح عن هذا الرجل من يكون إلا أنهم لعدم وجود علاقات سابقة لم يستطع أي منهم أن يصل إلى جواب على السؤال المحير. لم تستمر هذه الأحوال كثيراً وبعد شهر من هذا التغير المفاجئ بدأ يعود إلى ما كان عليه وهذه المرة لا يخرج كثيراً ويظل في الشرفة بلا كلام ويبدو عليه الحزن كأنه فقد عزيزاً أو خسر كل أمواله وأهله مما جعل الحيرة تزداد والسؤال لا يجد أي تفسير أو إجابة، لكن الجديد هذه المرة هو لغة العيون وإشارات الصم والبكم التي بدأت بينه وبين جارته العجوز وما لبثت أن تحولت إلى لقاءات وزيارات لها في شقتها التي لا تسمح لأحد بالدخول فيها لأنها تقيم وحدها إلا أن هذا هو الشيء الوحيد الذي وصلوا إلى تفسير له لأنه كان ظاهراً فبعد أيام أعلنا زفافهما حتى يقطعا الطريق عن القيل والقال وتحافظ العجوز على سمعتها ويعلم الجميع أنهما زوجان على سنة الله ورسوله وفي العلن الآن يقيم معها في شقتها ويستمتع بأموالها التي لا تحصى وها هي قد رحلت وسيرثها كلها وحده. البوليس يبحث عن العريس لإبلاغه أن عروسه العجوز قد عثر عليها مقتولة وليحضر لاتخاذ إجراءات الدفن واستكمال التحقيق لمعرفة ملابسات الحادث وكشف مرتكبه وأين كان هو وعروسه في اللحظات والساعات الأخيرة قبل الجريمة، لكن المفاجأة أنه اختفى ولم يعثر له على أثر وغرفته القديمة مغلقة على محتوياتها التي لا تساوي فلساً، وهي مجرد ملابس بالية وأثاث متهالك، وكذلك لا أثر له في بيت «العروس» الذي كانت محتوياته مبعثرة وربما تكون أشياء ثمينة قد سرقت منه ولا يمكن الجزم بذلك إلا بعد مراجعة الزوج لأنه بعد موت القتيلة لا أحد غيره يعرف محتويات البيت وأيضاً في عمله لم يكن موجوداً لأن المفاجأة الثانية أنه تم فصله لسوء سلوكه ولم يعد له علاقة بالشركة التي كان موظفاً بها. كل هذه المقدمات أشارت بأصابع الاتهام إلى أن العريس وراء مقتل عروسه العجوز المتصابية وبدأت الألغاز تجد حلولاً من النقطة الأخيرة التي كانت طرف الخيط وهي عمله، فقد كشفت الأوراق عن أنه موظف بسيط ولعبت أحلام الثراء برأسه وخاصة أنه اقترب من الثلاثين ولم يتزوج بعد وليس لديه أي إمكانات ولا أقل القليل من متطلبات ومصروفات الزواج ولجأ إلى طريق الغواية والضلال وعرف سبيل الجريمة الناعمة واستطاع أن يحتال على أحد رجال الأعمال ويحصل منه على أكثر من نصف مليون دولار بحجة مساعدته في الحصول على خط إنتاج من الشركة التي يعمل بها بما يمكنه من احتكار هذا النوع من المنتج وحده والتحكم في السوق وتحقيق أرباح طائلة على مدى سنوات طويلة وقدم للرجل أوراقاً مزورة نسبها للمسؤولين في الشركة، لكن بمجرد أن تقدم بها تم اكتشاف تزويرها. كان الأمر بين خيارين في حضور الأطراف الثلاثة مدير الشركة ورجل الأعمال والمحتال وحتى يضمن الجميع أقل قدر من الخسائر ويحصل الرجل على أمواله وينجو المتهم من السجن وتحافظ الشركة على سمعتها تم التوصل إلى الحلول الودية بأن تقوم الشركة بفصل الموظف الذي يتعهد برد أموال الرجل ورأى الجميع في ذلك قبولاً، وكان لذلك دوره في تفسير ما حدث من قبل لأن المحتال بعد أن حصل على المبلغ اشترى الملابس والسيارة التي أخذت العقول ولم يكتف بذلك، بل تقدم لخطبة فتاة من أسرة كبيرة وأوهم أسرتها بأنه حصل على مكافأة كبيرة وترقية في عمله، وكذا استطاع أن يخدع الجميع وعندما تم اكتشاف أمره عاد سيرته الأولى في الفقر بسرعة، فقد استرد الشبكة الذهبية التي قدمها لعروسه وتم فسخ الخطبة بعد أن انكشف أمره واضطر لبيع السيارة ليرد أموال ضحيته إلا أنه ما زال مديناً له بمبلغ كبير أسرف في إنفاقه فحرر له شيكات به لحين ميسرة. أما باقي الأحداث الغامضة، فكانت أسرارها معه وتم كشفها بعد أن تم القبض عليه بعد مرور ثلاثة أيام من وقوع الجريمة أثناء قيادته سيارة مستأجرة لم يعدها إلى صاحبها بعد انتهاء فترة الإيجار. كان مستسلماً وهو يقدم يديه ليتم وضعهما في القيود الحديدية وأمام المحقق حاول أن يدس رأسه بين يديه في انتظار السؤال الأول ثم بعد أن أدلى بالمعلومات الأولية بدأ يعترف بباقي التفاصيل قال: اعترف بأن أحلام الثراء والخيال ضيعتني، فقد كنت أحقد على كل صاحب مال لأنهم ينعمون بكل شيء وأنا محروم من كل شيء، ومن هنا كانت واقعة الاحتيال على رجل الأعمال إلا أنها وإن انتهت بعيداً عن العقاب فإنني ذقت معها متعة الثراء لأيام قليلة واستطعت خلالها أن أفعل كل ما أحلم به وما يرد على خاطري وشعرت بأنني شخص آخر، حيث أعيش حياة مختلفة وقد كان لي حق في نظرتي إلى الأغنياء وتبخر هذا كله في لحظة وعدت إلى الفقر والاحتياج. لقد خسرت كثيراً وضاعت وظيفتي وفقدت خطيبتي، ثم أصبحت مديناً ومهدداً بالحبس بسبب الشيكات التي حررتها ولا رصيد لي في أي بنك، وكان لابد من البحث عن مخرج وبقيت حبيس غرفتي إلى أن جاءني الحل على طبق من ذهب، عيون جارتي العجوز تتجه نحوي وتفكيري لم يصل أبداً إلى حد الزواج أو إقامة علاقة معها لأنها قد تخطت ذلك بكثير ومع علمي بأنها تملك أموالاً طائلة قررت أن استغل هذه النظرات حتى لو كانت من قبيل العطف أو الشفقة عليَّ وبسرعة لم أتوقعها كانت إشارتها بالسماح باللقاء وفي الحقيقة صدمت عندما وجدتها ترغب في الزواج لأول وهلة وقررت التراجع، لكن ما عرفته عن ثرائها وأنها تحتفظ بأموالها في بيتها فهي لا تعرف التعامل مع البنوك جعلني أتراجع بسرعة وأوافق على عرضها فلن أخسر شيئاً. تم الزواج سريعاً، لكن اكتشفت أنها تعاملني مثل طفل صغير تعطيني مصروف «جيب» لا يكفي تلميذاً ولا أعرف أين أموالها، فلا يوجد منها إلا القليل وعندما يئست منها فاتحتها صراحة بأنني مدين بمبلغ كبير وبما أنني زوجها فعليها أن تساعدني حتى لا أدخل السجن إلا أنها رفضت بشدة وتأكدت أنها بخيلة إلى حد لا يوصف وهذا ما جعل الرجال يعزفون عنها كل هذه السنين ولم يكن أحد منهم مغفلاً إلا أنا وبدلاً من أن اصطادها اصطادتني وكانت نهايتي على يدها قبل أن تكون نهايتها على يدي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©