الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدماغ مصنع قرار الوقوع في الحب واستدامة جذوة العشق

الدماغ مصنع قرار الوقوع في الحب واستدامة جذوة العشق
17 فبراير 2012
رغم مرور ثلاثة أيام على “عيد الحب”، ما زالت أجواء “الفالنتاين” تخيم على المراكز التجارية ومحلات الزهور والشوكولاته وبطاقات التهنئة ومتاجر الذهب والمجوهرات، فشكل الزينة الرئيس يتحول إلى قلوب حمراء، بل وحتى محلات بيع الملابس والأزياء تحطم أرقاماً قياسيةً في بيع الملابس الحمراء في منتصف فبراير بفضل العم “فالنتاين” في مختلف أنحاء عالمنا المعولم. انتشار مظاهر التعبير عن الحب في هذا الشهر البارد من كل عام استفز بعض الباحثين، وصار بعضهم يتساءل عن ماهية هذا الشعور الأزلي: الحب. ما الذي يجعل الرجل ينجذب إلى امرأة بعينها ولا يُبالي بأخرى، أو العكس؟ هل هو جمال الوجه والقوام؟ هل هو خفة الدم وطيبة النفس؟ هل هو الرومانسية؟ هل هو القدَر؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه استجابة الجسد لما يتلقاه من رسائل وإشارات من مصنع الأفكار ومركز تقرير مصيره: الدماغ؟ يعتقد البعض أن الحب من النظرة الأولى يحدث نتيجة “كيمياء” خاصة تجعل الشخص ينجذب إلى “توأم روحه” ويشعر تجاهه بإحساس خاص يعجز هو نفسه عن تفسيره. لكن بيولوجيا الجسم الأساسية تلعب دوراً قوياً في نشوء بذرة الحب وتبرعمها في القلب وترعرعها، تماماً كما يحدث عندما تُسهم العوامل الاجتماعية والبيئية والمصيرية وغيرها في جمع قلبين. ويقول توم شيرمان من كلية الطب بجامعة جورج تاون “نحن البشر يستهوينا الشعور بأننا نتصرف باستقلالية عن أنظمة الدماغ التي تنظم عاداتنا على مستوى إنشاء العلاقات، لكن الحقيقة غير ذلك. فأحدث دراسة عن هذا الموضوع تُشير إلى أن بعض سلوكياتنا بالغة التعقيد والتركيب مثل الحب تخضع بدورها لتنظيم من نوع ما من قبل الدماغ عبر مجموعة من الخلايا العصبية الكيميائية. ثلاثة أنظمة تعرف باحثون إلى ثلاثة أنظمة دماغية تؤطر السلوكيات ذات الصلة بالحب وممارسة الحب. فالرغبة يسبقها إفراز هورمونات التستوستيرون، والحب الرومانسي يسبقه هورمون الدوبامين، وهو ناقل عصبي يتحكم في مراكز الشعور باللذة والجزاء، وهو ينتج عن تركيز الانتباه على شخص معين والاهتمام به بشكل شبقي، والارتباط يسبقه إفراز هرمونات “أوكسيتوسين” و”فازوبريسين”، وهما يرتبطان بالإحساس بالأمان والتعلق الذي تستشعره الزوجة عندما تقضي وقتاً طويلاً مع زوجها، أو العكس. وهو ما يُعبر عنه أحياناً بتلك المقولة “طول العشرة تُولد المحبة”. وتختلف هذه الأنظمة من شخص إلى آخر، كما تعمل وظائفها خلسةً مع بعضها أو باستخدام جميع أنواع التوليفات المتاحة لها، كما تقول الباحثة هيلين فيشر، عالمة أحياء وأنثربولوجيا في جامعة روتجرز، ومؤلفة كتاب “لماذا نحب؟ طبيعة وكيمياء الحب الرومانسي”. وتقول فيشر “لهذا السبب يمكنك الشعور بارتباط عميق بشخص واحد تعتقد أنك لن تُحب غيره، ثم تجد نفسك بعد فترة قد مالت إلى شخص آخر”. وتُضيف فيشر بالقول إن الأدوار التي تلعبها أنظمتنا الدماغية المسؤولة عن الحب والناقل العصبي “سيروتونين” تؤدي بوضوح إلى حدوث تقلبات عدة على مستوى المزاج، ما يُساعد في شرح سبب وقوعك في حب شخص بجنون دون مئات الأشخاص الآخرين في محيطك. وتمضي فيشر شارحةً “الواقع أن لدى كل واحد منا مركزاً دماغياً قوياً جداً مسؤول عن الحب الرومانسي، وهذا المركز يمكنه أن يتقد ويتوهج في أية لحظة، لكنه لا يؤدي إلى الوقوع في حب كل من ينجذب إليه أو يقع في طريقه. فلكل شخص اختياراته، وهذه الاختيارات لها صلة وثيقة بالطريقة التي بُني بها دماغنا وكيفية عمله”. وعلى الرغم من هذا، فإن دارات الكيمياء العصبية لأدمغتنا تلعب دوراً كبيراً في الوقوع في الحب وإنشاء العلاقات. وفي هذا الصدد، تقول ليزا دايموند، أستاذة مشاركة في جامعة علم النفس ودراسات الجندر بجامعة يوتا، “من الصعب فصل السوسيولوجي عن البيولوجي، فبالأحرى تحديد نسبة كل واحد منهما. فنحن نعلم أن هناك اختلافات ثقافية ضخمة في الطريقة التي يتعامل بها كل رجل مع امرأة في أي مجتمع، سواءً تعلق الأمر بالحب أو مجرد علاقات صداقة. وتُشير ليزا إلى أن الدراسات تُظهر أن هرمونَيْ “أوكسيتوسين” و”فازوبريسين” يعملان بشكل مختلف لدى الأنثى والذكر، وهنا لا نتحدث عن البشر فقط وإنما عن الحيوانات أيضاً. الشيء الذي قاد بعض العلماء إلى إصدار نظريات تفيد بأن هذه الهرمونات هي التي تُحدد الاختلافات والتمايزات بين طريقة تصرف الأنثى والذكر في أية علاقة تنشأ بينهما. لكن هذا الأمر يبقى إلى الآن فرضيةً مرجحةً تحتاج إلى دراسات أعمق لتأكيدها”. خلايا كيميائية يرى الدكتور شيرمان أن العلم توصل في الوقت الراهن إلى وجود دليل أولي على التأثير القوي للخلايا الحيوية-الكيميائية على المشاعر والعلاقات. ويفيد شيرمان أيضاً أن دراسات سابقة أُجريت على نوع من الفئران أظهرت وجود مستويات متباينة من حساسية الدماغ تُجاه تأثير هرمون “فازوبريسين” الذي ينشئ لدى القوارض الذكور القدرة على اختيار الإناث التي تتزاوج معها. ويضيف شيرمان إن بحثاً أُجري على الهرمون المحفز للرغبة في الاحتضان والعناق لدى الإنسان يجد صدى له في هذه الدراسات، فقد وجد هذا البحث أن الرجال الذين لديهم مستقبلات ضعيفة لهرمون “فازوبريسين” تكون لديهم رغبة أقل في الزواج، وقابلية أكثر إلى إفشال أي علاقة. ويقول شيرمان “إن هذا النوع من البيانات يُشير إلى أن جزءاً من الطريقة التي يتجاوب بها الرجال على مستوى إقامة علاقة من عدمه يخضع لتلك الأنماط المشبكة في أنظمة دماغ كل واحد منهم، والتي تكون مرآةً لشخصيتهم وكينونتهم”. ويذكر شيرمان كذلك أنه لا شيء يمكن أن يغير تصرفات هؤلاء الأشخاص في العلاقات التي تربطهم بالآخرين إلا إذا كانت هناك إمكانية لمناورة مثل هذه الهرمونات. حب دون قلق من بين الأشياء التي أذهلت الباحثين هو أنه على الرغم من كون حدة الشغف والهيام والعشق الرومانسي تبهت وتخف بشكل طبيعي مع الوقت، فإنه يمكن لحدة هذه المشاعر أن تذهب في الاتجاه المعاكس وتتعمق بدلاً من أن تتلاشى، ويمكن لجذوة الحب أن تُحافظ على توهجها. وكانت دراسة نُشرت العام الماضي في مجلة “علم الأعصاب الاجتماعي الإدراكي” وجدت أن الأزواج الذين يُعمر زواجهم لفترة تصل إلى 21 سنةً أو تزيد، والذين تظل جذوة الحب المتبادل متوهجةً في قلوبهم كانت مراكز أدمغتهم المسؤولة عن الحب متقدةً أيضاً عند إخضاع أدمغتهم للفحص، بما فيها نظام الجزاء الغني بهرمونات الدوبامين، حيث كان مستوى ارتفاع إفراز هرمونات الحب لديهم مماثلاً لأولئك الذين وقعوا من تَوهم في حب بعض من العشاق حديثي العهد بالزواج. لكنها كشفت أيضاً إلى وجود بعض الاختلافات المهمة ما بين الفئتين، فأولئك المحبون الذين يمرون بمراحلهم الأولى من الرومانسية ظهر لديهم نشاط كبير في منطقة الدماغ المرتبطة بالقلق والتوتر، بينما ظهر لدى الأزواج الذين عاشوا مع بعضهم 21 سنةً فما فوق نشاط مماثل، لكن في منطقة الدماغ المرتبطة بالهدوء والسكينة. عشق مستدام تقول فيشر تعليقاً على نتائج دراسة العام الماضي المقارنة بين العشاق الجدد والأزواج المتحابين القدامى “هذا يبدو منطقياً لأنه عندما يقع الشخص في الحب للوهلة الأولى، فإنه يشعر بالقلق والتوتر إلى حد ما. لكن عندما يكون الشخص الذي تحبه هو أم أولادك وعشت معه منذ 21 سنةً أو أكثر، فإنك لا تكون قلقاً البتة، لكن تكون ما زالت لديك الرغبة في العودة من العمل والتسامر مع زوجتك وقضاء ليلة حب ممتعة. ما يعني أن الحب قابل حتماً للاستدامة بنفس الدرجة من الحرارة والتوهج، وهذا ليس مجرد تنظير، وإنما شيء أظهرته الفحوص التي تجرى للدماغ”. وأظهرت دراسة تدعم هذه النتائج أن الأزواج الذين يبقون محبين لبعضهم فترةً طويلةً يواصلون بشكل عفوي ممارسة الأنشطة سويةً وتبادل الأحزان والأفراح، وتبادل الدعم النفسي في جميع شؤونهم وشجونهم، كما أنهم يكونون في علاقاتهم الحميمية أكثر رضا وتكون نفسياتهم خالية من التوتر وبواعث القلق، وهذا ينعكس على مستوى شعورهم بالسعادة، وهو خلاف ما يعتقده بعض الشباب الذين يؤمنون بأن كل جديد ومختلف في العلاقات هو أفضل وأكثر إثارةً، حتى إن كان على حساب قيم الوفاء والإخلاص في الحب للمعشوق الأول. هشام أحناش عن “لوس أنجلوس تايمز”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©