السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيرة الرسول مع الناس نموذجاً للُطف والسماحة والعطف

سيرة الرسول مع الناس نموذجاً للُطف والسماحة والعطف
17 فبراير 2012
الحمدلله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد، يقول الله تعالى في كتابه الكريم (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ...)، «سورة الفتح، الآية 29». يقول الشيخ الصابوني في تفسير الآية: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ) أي هذا الرسول المسمَّى محمداً هو رسولُ الله حقاً لا كما يقول المشركون (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) أي وأصحابه الأبرار الأخيار غلاظٌ على الكفار متراحمون فيما بينهم كقوله تعالى (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) «صفوة التفاسير للصابوني 3/227-228». وعند دراستنا للسيرة النبوية نجد أنه صلى الله عليه وسلم قد حثنا على خلق الرحمة بقوله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) «أخرجه البيهقي». شخصية النبي وقد بلغت الرحمة نسقها الأعلى في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فكانت سيرته مع الناس نموذجاً للرقة واللطف، والسماحة والعطف: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)، «سورة آل عمران، الآية 159»، وقد جاء في الحديث الشريف: (إن أبعد الناس من الله تعالى القاسي القلب) «أخرجه الترمذي». والإسلام رسالة خير وسلام للناس جميعاً كما قال الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، «سورة الأنبياء، الآية 107»، وسور القرآن الكريم مفتتحة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (جعل الله الرحمة مائة جزء، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) «أخرجه البخاري». إن ديننا الإسلامي الحنيف يحث على التراحم والمحبة والإخاء، والمودة والصفاء، دين يرشد إلى مكارم الأخلاق، وإلى الألفة والتعاون، فيقول، عليه الصلاة والسلام،»مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، (أخرجه أصحاب السنن)، كما وحرم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إيذاء المسلم لغيره بالقول والفعل، فقال عليه الصلاة والسلام -: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، عرضه وماله ودمه» (أخرجه الترمذي والنسائي). لذلك لا يجوز للمسلم أن يلعن المسلم أو أن يصفه بالكفر، فقد جعل الإسلام ذلك من أبشع الجرائم، حتى جعل ذلك مساوياً لقتل النفس المؤمنة، فيقول - عليه الصلاة والسلام: «من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمناً فهو كقتله، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله، (أخرجه البخاري). ألفاظ لا تجوز فاللعنة جريمة استهان بعض الناس بها، وسرعان ما يقولون لفلان: «لعنة الله عليك» أو «فلان لعنه الله» إلى غير ذلك من الألفاظ الشنيعة، مع أنه لا يجوز لعن المؤمن أبداً، فاللعن معناه الطرد من رحمة الله، ومن الذي يملك خزائن رحمة الله حتى يطرد الناس منها، كما لا يجوز أن يُكَفِّر مسلم مسلماً، فهذه داهية الدواهي كما يُقال، بل على المرء أن يتعفف عن الألفاظ البذيئة، كما لا يجوز لمسلم أن يخاطب أخاه المسلم قائلاً: اذهب يا فلان فلن يغفر الله لك، ولن تدخل الجنة أبدأ، للحديث الذي يرويه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه: «من ذا الذي يتأَلَّى علىَّ أن لا أغفر لفلان، قد غفرت لفلان، وأحبطت عمل فلان»، (أخرجه البخاري). لذلك لو رأينا إنساناً مخطئاً أو مقصراً، فعلينا أن ننصحه بالحسنى وبالكلمة الطيبة كما كان يفعل الرحمة المهداة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم-، فقد جاء في الحديث الذي يرويه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: (أن رجلاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسُمهُ عبدَالله وكان يلقب حماراً، وكان يُضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأُتى به يوماً فَأَمَر به فَجُلِد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يُؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم-: (لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)، «أخرجه البخاري». انظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم (لا تلعنوه) فهو ينهى - عليه الصلاة والسلام - أصحابه الكرام -رضي الله عنهم أجمعين عن لعنه، لأن اللعن طرد من رحمة أرحم الراحمين، والمؤمن إذا ما تاب توبة صادقة فإن الله غفور رحيم، وقد يقول قائل: كيف يحب الله ورسوله مع أنه يشرب الخمر؟! الحقيقة أن هناك أناساً ابتلاهم الله، فهذا رجل يشرب الدخان مثلاً، وتجده مريضاً ويعاني من آلام شديدة، فتجد الطبيب ينصحه بالإقلاع عن التدخين وربما يأمره بتركه لأن ضرره على الصحة كبير، ومع ذلك ومع حاجة المريض للشفاء تجده في بعض الأحيان يتوسل للطبيب بأن يدخن سيجارة ولو واحدة. الرحمة والرأفة هذا الصنف من الناس بحاجة إلى الرحمة والرأفة وأن نأخذ بيده إلى بَرِّ الأمان لأنه مبتلى، فقد ورد أن سيدنا عيسى - عليه الصلاة والسلام - قال: «الناس قسمان: مبتلى ومعافى، أما المبتلى فادعو الله له، وأما المعافى فليحمد الله على فضله»، (أخرجه مالك في الموطأ) فهذا لو لَعَنَّاه قد يزداد تمسكاً بالمعاصي، لكن ادعوا الله له، ما أجملها من عبارة! وما أفضلها! اللهم اهده، اللهم أنر قلبه بالإيمان، اللهم اغفر ذنبه، فلعل الله سبحانه وتعالى يستجيب لذلك ويصبح هذا التائب من أحباء الله وأصفيائه، لأن هذا الإنسان إن تاب توبة صادقة وأقلع عن الذنب وندم على ما فات وعقد العزم على عدم العودة، فإن الله يغفر له، بل ويتحول ذلك الرصيد الضخم من السيئات إلى حسنات كما في قوله تعالى: (إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، «سورة الفرقان، الآية 7»، وقد يقول قائل وهل يجدي هذا الأسلوب اللين؟ أقول نعم، فالله غفور رحيم، وديننا الإسلامي دين الرحمة واليسر كما جاء في الحديث «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»، (أخرجه البخاري) فهذا هو المنهج النبوي، منهج النبي القدوة والأسوة الصالحة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، «سورة الأحزاب، الآية 21». السيرة النبوية ومن خلال دراستنا للسيرة النبوية الشريفة نجد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لَيِّنَ الجانب، نقيّ السريرة، حسن المعاملة، يُرغّب الناس في رحمة الله، ويوم أن خرج من مكة متوجهاً إلى الطائف، وهناك رجمه سفهاؤهم وشتموه حتى سال دمه الشريف، فقال له الملك: «أأطبق عليهم الأخشبين»، فقال عليه الصلاة والسلام: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» وفي رواية «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله»، وفعلاً استجاب الله دعاء نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم-، وخرج من أصلاب الكفرة الفجرة أناس يعرفون الله حق المعرفة، فقد خرج من صُلب أبي جهل عدو الله اللدود الصحابي الجليل عكرمة، وخرج من صُلب أمية بن خلف الصحابي الجليل صفوان، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة سيف الإسلام خالد، فهذا هو منهج الرحمة المهداة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم - في دعوة الناس إلى الحق وإلى الصراط المستقيم. الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yo sefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©