الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الاتجار بالبشر .. جريمة وافدة تتحمل الدولة كلفتها الأخلاقية والمالية

الاتجار بالبشر .. جريمة وافدة تتحمل الدولة كلفتها الأخلاقية والمالية
16 فبراير 2013 17:21
ينقل ملايين الأشخاص قسراً سنوياً عبر قارات العالم للسخرة أو الاستغلال الجنسي، في تجارة تعد ثاني أربح تجارة غير مشروعة بعد الاتجار بالمخدرات، حيث قدرت منظمات أممية حجم هذه التجارة في عام 2003 بما بين 5 - 9 مليارات دولار. ومنذ دخول برتوكول الاتجار بالبشر حيز النفاذ في 25 ديسمبر عام 2003، تبذل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعد دولة متأثرة بالجريمة وليست مصدراً لها، جهوداً مضنية لمكافحة هذه الجريمة، لتستهل هذه الجهود بإصدار القانون الاتحادي رقم 51 عام 2006 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر الذي يعد الأول من نوعه عربياً. وترصد “الاتحاد” في تحقيقها الذي ينشر على حلقتين آراء عدد من ضحايا جرائم الاتجار بالبشر، وموقف مؤسسات الدولة تجاه هذه الجرائم، وتقييم الأمم المتحدة للجهود الإماراتية في محاربة هذه الجريمة محلياً وإقليمياً ودولياً. (أبوظبي، دبي) - صنفت مؤسسات دولية دولة الإمارات في طليعة الدول الفاعلة التي تعمل بحزم على محاربة جرائم الاتجار بالبشر في العالم، ودعم حقوق الإنسان. وتجلى هذا التقدير الدولي لدور الدولة بحصولها على أعلى الأصوات حين فازت في نوفمبر الماضي بعضوية مجلس حقوق الإنسان. وأكدت هذه المؤسسات العالمية أن ما تحقق من مبادرات إماراتية على صعيد مكافحة الاتجار بالبشر وضع جهود الإمارات في موقع ريادي ضمن الجهود العالمية وهو مؤشر قوي على مدى حرص وتصميم قيادة البلاد الرشيدة على مكافحة هذه الآفة وتوفير عوامل ومقومات النجاح اللازمة للقضاء على هذه الجرائم التي ترفضها القيم الإنسانية والأخلاقية. ووفق مراقبين، أفرزت المآسي الإنسانية الناجمة عن جرائم الاتجار بالبشر صرخة إنسانية إماراتية ملأت أصداؤها كل بقاع العالم، وسارعت الإمارات إلى صياغة استراتيجية وطنية إماراتية محلية وإقليمية وعالمية لمحاربة جرائم الاتجار بالبشر من خلال وضعها هذه الجريمة “البشعة” وكل أشكالها وصنوفها تحت منظار مؤسساتها المختلفة، بهدف منعها في وقت عملت بكل جهد وإيثار لإنشاء مراكز لإيواء الضحايا الذين أحضروا إلى الدولة من وراء البحار ينتمون إلى شرائح فقيرة تارة بالخداع والاستدراج، وتارة بالإغراءات المالية الشخصية من قبل “مافيات” هذا النوع من الجريمة. ومضت الدولة بأعلى قياداتها السياسية بكل عزم منذ وقت مبكر بمحاربة جرائم الاتجار بالبشر، مؤكدة أنه لا تهاون مع هذه الجريمة، لتعارضها مع الدين الإسلامي الحنيف، وأخلاق المجتمع وقوانين الدولة، وأبسط مبادئ الإنسانية، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حينما دوّن في منتصف يناير الماضي على صفحتيه في موقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك» هذا الموقف، مشيراً إلى أن هذه الجرائم تمثل ظاهرة عالمية تستوجب التعاون الدولي. وعلى الرغم من أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن جرائم الاتجار بالبشر لم ترتق في الدولة إلى حد الظاهرة وبقيت في حدود المشكلة، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد القضايا المضبوطة في الإمارات تراوح بين 40 - 50 قضية في العام، في وقت تشهد فيه دول كبرى كالولايات المتحدة الأميركية 500 - 600 قضية من هذا النوع سنوياً، بحسب تقرير رسمي أميركي، إلا أن الدولة استمرت بجهودها لمحاربة هذه الجريمة بكل حزم محلياً وإقليمياً ودولياً. وكان لتبرع الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بمبلغ 15 مليون دولار لإطلاق الأمم المتحدة المبادرة العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر دور كبير في تقوية الجهود الدولية بمكافحة هذه الجريمة. انتقادات غير دقيقة وتشير الوقائع العملية بأن دولة الإمارات فندت المغالطات التي وردت في تقرير الخارجية الأميركية في العام 2009 حول جهودها بمكافحة الاتجار بالبشر، وأوضحت أنها انتقادات غير دقيقة وغير موضوعية، قبل أن تعود الخارجية الأميركية إلى الإشادة بالجهود الإماراتية في هذا المجال وذلك في تقريرها للعام 2010. وكانت الدولة سارعت منذ البداية بالتعبير العملي عن التزامها بمنع وحظر الاتجار بالبشر انطلاقاً من أن جرائم الاتجار بالبشر بعيدة عن قيم المجتمع الإماراتي التي عرفت بالنبل والإيثار والقيم الفاضلة، واستهلت الدولة حملتها الواسعة ضد جرائم الاتجار بالبشر في عام 2006 بإصدار القانون الاتحادي رقم 51 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر الذي يعد الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي. وجاء القانون الإماراتي بمحاربة جرائم الاتجار بالبشر متسقاً مع القوانين الاتحادية النافذة والمتعلقة بدخول وإقامة الأجانب وتنظيم علاقات العمل وتنظيم المشاركة في رياضة سباق الهجن والإجراءات الجزائية وقانون العقوبات، فيما غطى كل أشكال الاتجار بالبشر من حيث تجنيد أشخاص أو نقلهم أو ترحيلهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال حالة الضعف. ويشمل الاستغلال جميع أشكال الاستغلال الجنسي أو استغلال دعارة الغير أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. ونص القانون المكون من 16 مادة على تطبيق عقوبات صارمة ضد كل من ارتكب أياً من جرائم الاتجار بالبشر وتتراوح عقوبات السجن بين العام الواحد والسجن المؤبد كما تتراوح الغرامات المالية بين 100 ألف درهم ومليون درهم. مبادرات وخطوات ومنذ العام 2006، تتالت الخطوات والمبادرات الإماراتية الرامية إلى وضع خطط عملية وفاعلة لمكافحة هذه الجريمة مع تأسيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في العام 2007 التي ركزت عملها على الجوانب القانونية والتشريعية وتنظيم وتنسيق ومتابعة جهود الدولة في مكافحة الاتجار بالبشر. وعلاوة على إصدار قانونها “الصارم” لمكافحة الاتجار بالبشر وإيجاد الآليات المناسبة لتطبيقها، لم تغفل الإمارات الاهتمام بالجانب الإنساني لهذه المسألة، وحرصت على أن يكون منهجها الشامل في هذا الخصوص إطلاق مبادرات مهمة تركز على الضحايا وتحدد طريقة تعامل ضباط الشرطة والعاملين في الجهات الحكومية المعنية معهم إلى جانب توسيع برامج الدعم والرعاية وتوفيرها لهم بشكل سريع وعادل. وبحسب مسؤولين، فقد انطلقت الإمارات بكل جهودها في هذا المضمار من نظرتها بأن من يتعرضون للاستغلال الجنسي ما هم إلا ضحايا يحتاجون إلى توفير الحماية والدعم لهم من خلال برامج الإرشاد وإعادة التأهيل، في وقت تستوجب معاقبة كل من يجبر المجني عليه على ممارسة الدعارة أو العمل القسري وفقاً للقوانين السائدة في الإمارات. وشهدت أروقة المحاكم الإماراتية طوال السنوات الماضية صدور أحكام مشددة ضد العديد ممن تمت إدانتهم قضائياً بجرائم الاتجار بالبشر. وأظهرت القوانين والتدابير والإجراءات التي اتخذتها الدولة في هذا السياق إيمان الإمارات بأن الاتجار بالبشر جريمة استغلال وقهر يتم فيها تسخير المقهورين عبر تقديم “آمال عريضة” لهم سرعان ما تضيع سدى، ليتم تجريدهم من حقوقهم وكرامتهم من خلال إكراههم على البغاء أو على أي شكل من أشكال الإكراه. وبحسب ما هو راسـخ في أدبيات أجهزة الدولة كافة، فإن مواقف الإمارات الفاعلة بمحاربة الاتجار بالبشر في الفضاء المحلي والإقليمي والدولي، تنبع من إدراكها لخطورة هذه الجريمة على الأمن والسلم المجتمعي الدولي، ومن إدراكها أن جرائـم الاتجـار بالبشر تكثـر في الدول الفقيرة باعتبار أن الفقر أرغم كثيراً من الناس للبحث عن لقمة العيش بوسائل غير شرعية، فسارعت الدولة إلى تحصين قوانينها وتشريعاتها بما يحفظ الكرامة الإنسانية لجميع قاصدي الدولة للعمل والإقامة. خطة متكاملة وعملت الدولة على منع وحظر جريمة الاتجار بالبشر في إطار خطة وطنية متكاملة تشمل على أربعة محاور وهي التشريع والتنفيذ ومساندة الضحايا والانضمام إلى الاتفاقيات الثنائية والشراكات الدولية وبما يتماشى مع خطة الأمم المتحدة الثلاثية الأبعاد “المنع والوقاية والمتابعة”. كما أعلنت الدولة استعدادها للاستفادة من خبرات الدول في بناء قدراتها الوطنية في هذا المجال. وفيما لم تغفل الدولة تحصين قوانينها وإجراءاتها المتعلقة بالعاملة الوافدة وإنشاء قسم خاص لمكافحة الاتجار بالبشر في وزارة العمل لرصد المؤشرات الدالة على وجود أو احتمال وجود أعمال تنطوي على جريمة اتجار بالبشر ضد العاملين الذين تطبق عليهم علاقات العمل والقرارات الصادرة، عملت الإمارات كذلك بجهد ملموس محلياً وإقليميا ودوليا على بث ونشر التوعية من هذه الجرائم لإيمانها بأن قلة وعي بعض الفئات يجعلهم ضحايا لمرتكبي جريمة الاتجار بالبشر، حيث إن كثيراً من البشر يهاجرون للعمل للدول الأخرى، وهم لا يدركون المشاكل التي قد تنجم في حال وقوعهم بأيدي ممارسي هذه الجريمة. التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء تضمنت التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء منتصف يناير الماضي على بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006 الذي يختص بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، عدداً من الأحكام الجديدة والمهمة التي تضمن حقوق ضحايا هذه الجرائم مثل عرض الضحية على أية جهة طبية لتلقي العلاج النفسي أو العضوي وتوفير مراكز التأهيل الطبي أو النفسي أو أي جهة أخرى معتمدة لإيواء الضحايا وتوفير الحماية الأمنية اللازمة للضحية أو الشاهد في حال حاجته إليها والسماح للضحية أو الشاهد بالبقاء في الدولة إذا اقتضى التحقيق أو المحاكمة، ذلك إضافة لتوفير محام للضحية وفق إجراءات المحاكم في الدولة. كما تضمنت التعديلات الجديدة في القانون عقوبة على كل من نشر بإحدى طرائق العلانية أسماء وصور الضحايا في جرائم الاتجار بالبشر. مراكز إيواء النساء والأطفال مراكز إيواء النساء والأطفال من ضحايا الاتجار بالبشر مؤسسة غير ربحية تأسست عام 2008 بموجب القانون الاتحادي رقم (51) لسنة 2006 الذي يعتبر الاتجار بالبشر جريمة يعاقب عليها القانون. وأنشئت المراكز تحت مظلة هيئة الهلال الأحمر الإماراتي وبالتعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، لتوفير النساء والأطفال ضحايا جرائم الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي، بملاذ آمن ومؤقت إلى جانب تقديم الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية اللازمة لهم. ويتسع المركز المتكامل في أبوظبي لأكثر من 60 امرأة وطفل في آن واحد، ويتبعه مركز رأس الخيمة الذي افتتح عام 2010 ومركز الشارقة الذي افتتح عام 2011، مع وجود خطة لافتتاح المزيد من المراكز على مستوى الدولة لتوسيع مهمته الإنسانية. وانطلقت مبادرة مراكز إيواء النساء والأطفال ضحايا الاتجار بالبشر في الدولة من مفهوم الارتقاء بالمجتمع وحفظ كرامة الإنسان لتكون ركيزة أساسية للعمل باتجاه تحقيق الإغاثة والرعاية لضحايا جرائم الاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي في دولة الإمارات مع العمل على تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر هذه الآفة وضرورة الوقاية منها. شهيل: «إيواء» ثمرة جهد إنساني إماراتي يحترم إنسانية الضحايا أكدت سارة شهيل المديرة التنفيذية لمراكز إيواء النساء والأطفال أن حماية ضحايا الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي من النساء والأطفال في مختلف الإمارات تحتل رأس أولويات الدولة بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، لافتة إلى التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء مؤخراً على القانون الاتحادي بشأن مكافحة الاتجار بالبشر. وقالت في الحوار الذي أجرته معها “الاتحاد” إن القيادة الرشيدة للدولة تشدد على ضرورة احترام إنسانية ضحايا جرائم الاتجار بالبشر عبر تأمين مأوى آمن لهن، لافتة إلى أن الدولة وضعت نصب عينها أن تكون مراكز الإيواء للضحايا مثالاً يحتذى به عالمياً. واعتبرت شهيل أن الدولة عززت من جهودها بمكافحة الاتجار بالبشر من خلال إنشاء مراكز الإيواء، لافتة إلى أن مراكز إيواء تلتزم بالقوانين الدولية والوطنية والخاصة بعدم التمييز في العمل وتوفير الخدمات بحيث لا يتم التعامل مع الضحية على أساس الجنسية أو العمر أو النسب أو العقيدة أو الدين أو الإعاقة العقلية أو الجسدية أو الميول الجنسية أو الانتماءات السياسية، وهي تطبق هذه المحددات كذلك في عملية قبول الضحايا وتقديم الخدمات المقدمة لهن أو في البرامج والنشاطات التي تلتزم فيها المراكز بمراعاة طبيعة الأنثى والأطفال الحساسة. وثمنت شهيل الدعم المادي والعيني واللوجستي الذي تقدمه قيادة الدولة الرشيدة لمراكز الإيواء، منوهة بجهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في مجال مكافحة العنف ضد المرأة حيث تحظى مراكز الإيواء برعاية ومتابعة دائمة من سموها من خلال زيارتها الشخصية للمركز، ودور سموها في سن التشريعات اللازمة وتبرعها بقطعة أرض في أبوظبي يقام عليها المركز تكفلت ببنائه وتجهيزه ليكون ملاذاً آمناً للنساء والأطفال ضحايا الاتجار بالبشر، علاوة على تبرعها بمبلغ 1,5 مليون درهم في عام 2011 لمساعدة الضحايا ومد يد العون لهن لاستعادة حياتهن الطبيعية من جديد. وقالت إن مراكز إيواء استطاعت خلال فترة قصيرة منذ تأسيسها قطع شوط كبير في تحقيق رؤيتها التي تتكامل مع الرؤية الشاملة لدولة الإمارات العربية المتحدة عموماً بتعزيز جميع أدوات استقرار المجتمع وأمنه واحترام حقوق البشر وصونها، حيث كرّست المراكز نفسها كإحدى الأدوات الرئيسية لتحقيق هذه الرؤية التي استمدت حيويتها ودوافعها من رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه الذي أكد دوماً على حقوق البشر في العيش الكريم دون مهانة أو استغلال من أحد. وأكدت أن المراكز تبنت أفضل الممارسات في هذا الجانب الحيوي وعززت شراكتها مع عدد من المنظمات الدولية والإقليمية المختصة وعززت قدراتها وطورت برامجها حتى أصبحت مرجعاً للمهتمين بقضايا الاتجار بالبشر في المنطقة العربية وإقليم الخليج. وكشفت شهيل إن المركز خصص مكاناً سرياً لرعاية الضحايا وإعادة تأهيلهن، لضمان حمايتهن من أفراد الشبكات الإجرامية. وأردفت: “اكتشفنا من خلال عملنا بمراكز الإيواء أن هناك عصابات دولية منظمة في دول منشأ هذه الجريمة لها بعض الأعوان هنا لتهديد الضحايا وإرغامهن على الانصياع لتنفيذ ما مطلوب منها، لافتة إلى أن العصابات تهدد عائلات وذوي الضحايا في بلادهن. وأوضحت أن ضحايا جرائم الاتجار بالبشر غالباً ما يعانين من حالات نفسية جراء الضرب والتهديد الذي يتعرضن له من قبل العصابات لإرغامهن على ممارسة الرذيلة لعشرات المرات في اليوم، وتعرضهن للاغتصاب من قبل أفراد العصابات، كاشفة عن إنقاذ المركز حياة اثنتين من الضحايا بعد أن أقدمتا على الانتحار للتخلص من حياتهما جراء الضغوط النفسية التي مورست عليهما. ولفتت إلى أن عدداً من الضحايا اللائي استقبلهن مركز الإيواء كن يحملن على أجسادهن وشماً هو عبارة عن أسماء زعماء العصابة كدلالة على تملكها لهذه المرأة وغيرها. وبينت أن مراكز إيواء استقبلت منذ العام 2009 وحتى نهاية العام الماضي 183 ضحية، علاوة على 15 طفلاً توزعت هذه الضحايا على 22 جنسية أفريقية وآسيوية وعربية ومن أوروبا الشرقية، لافتة إلى أن المراكز توفر للضحايا كافة خدمات الرعاية الصحية والنفسية والقانونية على يد فريق من المختصين الطبيين والنفسانيين والمستشارين القانونيين لمساعدتهن على تخطي محنتهن واستعادة صحتهن الجسدية والنفسية. الغفلي يؤكد أن الاتجار بالبشر لا يرقى إلى مستوى الظاهرة في الدولة تقرير اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار 2012 يصدر نهاية مارس بحلة جديدة كشف الدكتور سعيد بن محمد الغفلي الوكيل المساعد لوزارة الدولة لشؤون المجلس الاتحادي، مقرر اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار، عن أن التقرير السنوي الخاص بالاتجار بالبشر في دولة الإمارات لسنة 2012- 2013 سيصدر في نهاية مارس المقبل بثوب جديد يواكب التقارير الدولية بحيث سيتضمن آلية جديدة تقوم على خمسة أسس رئيسة هي الوقاية والحماية والمقاضاة والتعاون الدولي والملاحقة الدولية. وقال الغفلي في حوار مع “الاتحاد” إن التقرير في حلته الجديدة سيجدد تأكيد دولة الإمارات على أن لا تهاون مع جرائم الاتجار بالبشر باعتبارها تتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف وأخلاق وقوانين الدولة، لافتاً في هذا السياق إلى التعديلات التي أقرها في الآونة الأخيرة مجلس الوزراء على قانون مكافحة الاتجار بالبشر بتشديد العقوبات وتوفير حماية أكبر للضحايا، فضلاً عما تضمنته تلك التعديلات من أحكام كتوفير العلاج النفسي والعضوي للضحايا عبر مراكز متخصصة، وتوفير المحامين، وحتى الحماية الأمنية للضحايا والشهود. وأوضح الدكتور الغفلي أن التعديلات التي تم إقرارها خطوة مهمة وتلبي ما تطمح إليه الدولة في هذا الجانب، مبيناً أن التعديلات تهدف إلى أن يكون القانون أكثر اتساقاً مع بروتوكول “باليرمو” لمكافحة الاتجار بالبشر، خصوصاً فيما يتعلق بالضحايا من الأطفال والملحق باتفاقية الجريمة المنظمة، من أجل إيجاد وتوفير أدوات حماية أكثر لضحايا الاتجار بالبشر. وأشار إلى أن الخطوة غير المسبوقة على المستوى العربي والإقليمي التي أقدمت عليها الإمارات بإقرار هذه التعديلات جعل من الدولة تتبوأ قيادة ما يعرف بفقه تعديل قانون مكافحة الاتجار بالبشر، بينما لا تزال هناك بعض الدول ليس لديها قوانين مماثلة. وأوضح أن التعديلات شملت زيادة العقوبات إلى أكثر مما هي عليه في القانون الحالي حيث لا تقل العقوبة عن 5 سنوات، وكذلك تعريف جريمة الاتجار بالبشر ليكون التعديل الجديد أكثر وضوحاً وتحددية في قالب مغاير عن التعريف الحالي بعد أن لاحظت اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر أن التعريف الحالي يكتنفه بعض الغموض. وأكد الدكتور الغفلي أن الدولة تولي الضحية أهمية، خاصة ضمن استراتيجيتها في التعامل مع هذا النوع من الجرائم، وذلك بالنظر لخصوصية الضحية وفداحة الجريمة المرتكبة بحقها، وصعوبة التحقيق في هذا النوع من القضايا التي تتخذ أشكالاً متعددة وتختفي تحت كثير من الأقنعة. وقال إن التعديلات تضمنت تجريم نشر أسماء وصور ضحايا الاتجار بالبشر بشكل علني في وسائل الإعلام المختلفة حيث أصبح هذا الفعل مجرماً بنص القانون الأمر الذي يوفر حماية أكثر للضحايا ويحافظ على خصوصيتهم وعدم انتهاكها من قبل البعض، مشيراً إلى أن التعديلات المقترحة تنص على مصادرة الأدوات المستخدمة في عملية الاتجار بالبشر. ورأى أن التعديلات الجديدة ستحسن صورة الدولة بما يتعلق بالاهتمام بالضحايا، لافتاً إلى أن الدولة تضم أربعة مراكز للإيواء معنية برعاية ومساعدة الضحايا. وأكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة جادة تماماً في التعامل مع هذه الجريمة الفادحة بحق الإنسانية وذلك من خلال تسخيرها لكل القنوات التشريعية والتنفيذية وتعميق علاقات التعاون الدولي في هذا الإطار. وأضاف الغفلي أن مسألة الاتجار بالبشر قضية وطنية وتحتل مكانة متقدمة على جدول أولويات القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تبذل جهوداً جبارة لحماية مجتمع الدولة من تداعيات هذه الجريمة العابرة للحدود. وأشار إلى أن الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر عززت من مكانتها على الخارطة العالمية للحد من هذه الآفة الخطيرة، لافتاً إلى انضمام دولة الإمارات إلى مجموعة متحدون وبالي كروسس لمواجهة الاتجار بالبشر حيث تم إرسال طلب توقيع هذه الاتفاقيات مع العديد من دول آسيا. وحول تصنيف جريمة الاتجار بالبشر ما إذا وصلت إلى حد الظاهرة، قال إن هذه الجريمة لم ترتقِ لتصبح ظاهرة في الدولة، بل هي عبارة عن إشكالية، شأنها بذلك شأن الدول العربية والدولية التي تسعى جميعها لتكثيف الجهود الرامية لمكافحة هذه الجريمة المؤرقة. وشدد، في رده على سؤال حول الانتقادات التي تضمنتها تقارير وزارة الخارجية الأميركية للدولة، على أن جريمة الاتجار بالبشر لا تمت من قريب أو بعيد لأخلاق وعادات الإماراتيين، مستدركاً: “ومع هذا تتحمل الدولة عبئاً أخلاقياً ومالياً في هذا الجانب”. وأضاف أن اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر تهتم كثيراً بالملاحظات الصادرة عن المقررين الخاصين التابعين لـ “مجلس حقوق الإنسان” و”مفوضية حقوق الإنسان في جنيف”، لأن التقارير والملاحظات الصادرة عن مثل هذه المنظمات الحقوقية العالمية تعتبر تقارير محايدة وذات مهنية عالية، باختلاف تقارير أخرى نعتبرها تقارير “مسيّسة” ولها خلفيات وأبعاد سياسية يراد منها كل شيء إلا المصداقية وخدمة القضية، إضافة إلى أنها تقارير لا تعرض إلا السلبيات. وأوضح في رد على سؤال أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تنكر يوماً وجود هذه الجريمة العابرة للحدود ولكنها في الوقت نفسه أكدت مراراً أن جريمة الاتجار بالبشر ليست بالحجم الذي يسعى البعض إلى تصويره وتضخيمه لغايات ومآرب أخرى. وقال: هناك حقيقة واضحة للعيان يجب على الجميع الانتباه لها هي أن جرائم الاتجار بالبشر في الإمارات لا يمكنها أن تصل إلى حد الظاهرة، خصوصاً أن أعدادها تتراوح بين 40 - 50 قضية سنوياً، في حين تشهد دول كبيرة وعريقة بعينها مستويات كبيرة من هذا النوع من القضايا تتراوح بين400 -500 قضية سنوياً. وأضاف أن الإمارات سواء كانت بلداً مستقراً أو عبور إلا أنها ليست دولة منشأ لجريمة الاتجار بالبشر. وحول الكلفة الأخلاقية والمالية التي تتحملها الدولة لجريمة عابرة من الخارج إلى أراضيها كمستقر وليس كدولة منشأ، قال إن الدولة عليها التزام دولي بمواجهة هذه الجريمة ومعاقبة المتاجرين ومن هنا ينبثق وجوب تحمل الدولة للكلفة المالية أما الجانب الأخلاقي فهذا موضوع كبير كون هذه الجريمة غريبة عن الإماراتيين. وأردف: “الكلفة المالية في هذا الجانب لا شك أنها تشكل عبئاً مالياً ومن الطبيعي أن تتحمله الدولة”. واستطرد: “صحيح أننا لم نصل إلى الكمال، لكن هذا لا يمكنه تغييب الجهود الجبارة التي تقوم بها الدولة والمؤسسات الإماراتية”، مثنياً على تلك الجهود على المستوى الاتحادي وتقنين الآليات والإجراءات المتبعة في التعامل مع الضحية. وقال إن كل الإنجازات الكبيرة التي حققتها الدولة في هذا المضمار تجسد خلال فترة زمنية بسيطة لا تتعدى ست سنوات، معتبراً أن الدولة نفذت ما عليها في شأن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الاتجار بالبشر. أشاد باهتمام قيادة الدولة بمكافحة الاتجار بالبشر ممثل الأمم المتحدة: الانتقادات تعبر عن وجهة نظر مطلقيها والإمارات تتعرض لهجمات عصابات الاتجار بالبشر وجدت جهود الدولة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر ورعاية الضحايا إشادة دولية من القاضي الدكتور حاتم علي ممثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المنظمة لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي كشف عن أن دولة الإمارات مستهدفة من قبل عصابات هذا النوع من الجريمة في العالم. وأوضح القاضي علي في حديث لـ “الاتحاد” أن الدولة تواجه هجمات خطيرة من عصابات الاتجار بالبشر، بسبب الرخاء الاقتصادي الذي تتمتع به علاوة على سهولة ويسر الوصول إليها والتنقل عبر أراضيها إلى دول أخرى. ورأى أن جريمة الاتجار بالبشر تعد ظاهرة عالمية مقلقة تتطلب استخدام معايير ذكية للوصول إليها ومكافحتها، مؤكداً جاهزية الأمم المتحدة لتقديم الخبرات والدعم للجهود الوطنية الإماراتية في هذا الصدد. وقال إن القيادة السياسية العليا في الدولة تولي مكافحة الاتجار بالبشر على الصعد المحلية والإقليمية والدولية أهمية فائقة، مشيراً إلى أن الإمارات تضطلع بدور رائد في دعم أنشطة الأمم المتحدة الإنسانية في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر. وأعرب الدكتور علي عن تقدير الأمم المتحدة للجهود الإنسانية والمساهمات المادية التي تقدمها الدولة للأمم المتحدة في نشاطها في مكافحة هذه الجريمة النكراء، منوهاً برعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للمبادرة العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر. وبين أن المبادرة مكّنت مكتب الأمم المتحدة من العمل مع العديد من الشركاء من المنظمات الدولية المختلفة ومنظمات الأمم المتحدة وغيرها على وضع المعايير الدولية الأساسية لمكافحة الاتجار بالبشر وسبل التعاون الدولي. واعتبر أن رعاية سمو ولي عهد أبوظبي لهذه المبادرة العالمية تؤكد بوضوح الحزم الإماراتي بمكافحة هذه الجريمة ليس على المستوى الوطني فحسب، بل على المستوى العالمي. وقلل ممثل الأمم المتحدة في رده على سؤال من شأن الانتقادات التي وجهتها بعض التقارير الدولية إلى الدولة، وقال إن هذه التقارير تعبر عن وجهة نظر أصحابها، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة لا تقتنع إلا بالتقارير التي تصدر عنها. وأردف بأن الأمم المتحدة تنظر فقط إلى النصف المليء من الكأس، وتعمل بشراكة وتعاون مع الدول لملء النصف الفارغ. وتابع: لقد وقعت دولة الإمارات غالبية الاتفاقيات الدولية لمكافحة المخدرات والاتجار بالبشر، وتضع منذ توقيعها على الملحق الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر الخطوات الوطنية اللازمة وتسخر جهودها وإرادتها السياسية لمكافحة هذه الجريمة وفقاً للمعايير الدولية. واستطرد: “هناك خطوات عملية نلمسها بشكل عملي في الأمم المتحدة مفادها بأن الدولة تدرك مدى خطورة هذه الجريمة على أمنها الوطني وعلى المجتمع الإماراتي وعلى المستوى الإقليمي والدولي بجميع مستوياتها وأبعادها”. وتابع أن دولة الإمارات لديها رغبة سياسية لمواجهة هذه المشكلة، فضلاً عن انخراطها بشراكة حقيقية مع الأمم المتحدة على تطوير منظومتها بما يتواكب مع المعايير الدولية. وبين أن الدولة تعمل مع الأمم المتحدة على تطوير تشريعاتها في هذا الجانب. وقال: على الرغم من أن قانون الإمارات لمكافحة الاتجار بالبشر يعد قانوناً متطوراً جداً ويستوعب جميع صور وأشكال هذه الجريمة التي وردت بالاتفاقيات الدولية، إلا أن وعي مسؤولي الدولة للمتغيرات التي طرأت على أساليب وطرق ارتكاب هذه الجريمة جعلهم يدركون الحاجة إلى تطوير الأطر التشريعية المتعلقة بهذا الجانب، فضلاً عن إدراكهم للحاجة إلى تطوير أنظمة التعاون الدولي سواء مع الدول المسببة لهذه المشكلة أو دول العبور. وقال إن الإدراك الإماراتي للحاجة إلى التطوير في هذا الجانب لمواكبة المتغيرات العالمية طال أطر تقديم المساعدة لضحايا الاتجار بالبشر من خلال مراكز الإيواء، مشيراً إلى التعديلات التي أقرها مؤخراً مجلس الوزراء على قانون مكافحة الاتجار بالبشر. وتابع: لقد تعرفت دولة الإمارات عن كثب على هذه المشكلة وحجمها وكونت إرادة سياسية لوضع حلول لهذه المشاكل، معرباً عن تقدير الأمم المتحدة لسعي مؤسسات الدولة بشكل دائم لتطوير منظوماتها التشريعية والآليات في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر بما يتواكب مع المعايير الدولية. ولفت إلى أن الدولة مهتمة بوجود خبراء دوليين متخصصين بالتحقيق بجرائم الاتجار بالبشر من العناصر المواطنة، حيث عملت بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة على إلحاق 10 ضباط من وزارة الداخلية بدورة تدريبية دولية لمدة 18 شهراً لتأهيلهم كفريق خبراء دوليين في التحقيق بجرائم البشر. وقال إن الفريق سيكون بعد اجتياز الدورة مؤهلاً للانخراط بالتحقيقات المشتركة مع دول المنشأ والعبور والمستقر لجرائم الاتجار بالبشر بهدف المساعدة على منع وقوع هذه الجريمة وتوخي سبل الوقاية منها. واعتبر أن دولة الإمارات صاغت ووضعت منظومة متطورة لمراكز إيواء ورعاية ضحايا الاتجار بالبشر، لافتاً إلى وجود أربعة مراكز من هذا النوع في كل من أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة. وقال إن هذه المراكز تقدم سبل الرعاية الصحية والاجتماعية لضحايا الاتجار بالبشر وتنسق مع الجهات الرسمية بالدولة من أجل تقديم المساعدة القانونية لهم وتسهيل عودتهم إلى دولهم التي جاؤوا منها. وقال إن مراكز الإيواء الإماراتية تقدم خدماتها لأكبر عدد ممكن من الضحايا في وقت تعمل مع الأمم المتحدة دائماً لتطوير منظومتها لتستطيع استيعاب أكبر عدد ممكن من ضحايا الاتجار بالبشر وفقا للمعايير الدولية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©