الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس بين مواجهة الإرهاب ومراعاة حقوق الإنسان

23 فبراير 2014 00:18
تواجه الديمقراطية الوليدة في تونس معضلة صعبة لكنها مألوفة: كيف تواجه «الإرهاب» بدون التعدي على حقوق الإنسان والعودة إلى الممارسات القمعية للنظام السابق؟ هذا الاختبار يعتبر صعباً، لاسيما بالنسبة لتونس التي ما زالت تحاول الانتقال من الدولة البوليسية، التي تسيطر عليها قوات الأمن التي لديها تفويضاً مطلقا للتصرف وتتمتع بحصانة، إلى دولة تحترم سيادة القانون، وتسعى إلى مواءمة نفسها مع العالم الحر، وضمان حقوق الإنسان للجميع، حتى للمشتبهين بالإرهاب. وفي العام الماضي، أدى التصعيد الكبير للأنشطة المسلحة في تونس إلى القيام بحملة قاسية على المتطرفين الدينيين والمتهمين الإرهابيين. وقد هزت البلاد عمليتا اغتيال سياسي، وقعت أولاهما في فبراير 2013، عندما قتل السياسي اليساري شكري بلعيد بالرصاص أمام منزله. أما الثانية فوقعت بعد مرور أشهر قليلة، وكان ضحيتها البرلماني المعارض محمد براهيمي. وفي العام الماضي كذلك، قامت بعض الميليشيات الدينية بقتل عناصر أمنية في سلسلة من الهجمات. وقدم التونسيون تعازيهم لأسر الشهداء الذين قتلوا أثناء حماية الدولة من خطر الإرهاب. إن جهود مكافحة الإرهاب في تونس لا يجب أن تتطلب من الحكومة إلغاء أي قوانين أو تجريد أي شخص من حقوقه الدستورية، لكن ما بدأ العام الماضي من «حرب على الإرهاب» يبدو وكأنه يتحول إلى حملة عشوائية ليس فقط ضد المتطرفين الدينيين، وإنما أيضاً ضد كثير من التوانسة. ويستخدم «الإرهاب» على نحو متزايد كمبرر لتقليص الحريات الشخصية. فمؤخراً أصدرت وزارة الداخلية بياناً لإبلاغ التونسيين بأن الشرطة سوف تشدد تدابير الكشف عن الهوية بالنسبة لأي شخص يرتدي نقاباً، وذلك نظراً لأنه يحدث أحياناً أن مجرماً قد يلجأ لارتداء النقاب للهروب من الشرطة. لكن الأمر الأكثر صدمة هو أن التونسيين في الواقع رحبوا بالإجراءات الجديدة، وزار العديد منهم صفحة وزارة الداخلية على الفيسبوك للتعليق على البيان، وقال أحد الأشخاص إن «الأمن يأتي فوق حرية الملبس، وحتى حرية الطعام، إذا لزم الأمر، فلتحيا تونس». وقالت إيمان تريكي، وهي ناشطة ومحامية وترأس جماعة «الحرية والعدالة»، إن ردود الأفعال العاطفية هذه سوف تشجع قوات الأمن وتمهد الطريق للعودة إلى ممارسات النظام السابق. وأضافت قائلة إن الحريات الشخصية وحقوق الإنسان تتقلص، وإن هذا أتاح لقوات الأمن أن تسيء للتونسيين باستخدام حصانتها. وقالت تريكي إن «بعض الناس تم اعتقالهم بسبب الطريقة التي يبدون بها». لقد كان جهاز الأمن الخاص بالدكتاتور السابق، بن علي، والذي لم يمس حتى الآن، سيئ السمعة بسبب قسوته وعدم احترامه لحقوق الإنسان. ونفس الأشخاص يقومون اليوم بحملات قمعية وأيديهم ملطخة بدماء ضحايا القمع خلال المرحلة الماضية. وقد أصدرت جماعة تريكي العام الماضي تقريراً يوثق الانتهاكات العديدة التي ارتكبها جهاز الأمن التونسي. وذكر التقرير أنه أحياناً كانت الشرطة تلجأ إلى القبض على أفراد عائلات المتهمين واحتجازهم كرهائن حتى يسلم المتهمون أنفسهم. وفي السجن اليوم، يخضع المتهمون بالإرهاب لتعذيب ممنهج في السجون، لانتزاع المعلومات منهم، كما ذكرت تريكي. والآن تلجأ قوات الأمن إلى تشخيص الجرائم، وهي ممارسة ستوسع من نطاق الانتهاكات التي يرغبون في ارتكابها. وفي أكتوبر الماضي أطلقت قوات الشرطة الرصاص على أحد الشباب في الرأس بينما كان يقود سيارته تحت تأثير الكحول، لكن بدلا من التحري، فقد تسرعت الشرطة وأطلقت عليه الرصاص لأنه كان ملتحياً. والكارثة أن مثل هذه الحادثة مرت دون أن يلحظها أحد. وقد ذكرت بعض وسائل الإعلام المحلية الحادثة، لكن القصة فشلت في الحصول على الاهتمام أو الإدانة التي تستحقها. وهي بالتأكيد لم تثر نفس الجدل الذي كان من الممكن أن يثار إذا ما وقعت هذه الحادثة في دولة تأخذ سيادة القانون وحقوق الإنسان على محمل الجد. إن قضية «الإرهاب» هي قضية جديدة نسبياً في تونس، ومعظم الناس يميلون إلى الاقتراب منها بطريقة عاطفية – بدءاً من المتحدث باسم وزارة الداخلية الذي يستخدم كلمة «الإرهابي» بصورة روتينية بدلا من عبارة «المشتبه به» عند مناقشة المحاكمات الجارية، إلى وزير الداخلية لطفي بن جدو، الذي وصف مقتل كمال جاد حاجي (المشتبه به الرئيسي في اغتيال بلعيد) بأنه «أفضل هدية للتونسيين». وتلاحظ تريكي أن مثل هذه الأخطاء تنتهك حقوق هؤلاء المشتبه بهم: «بعض الناس يقولون إن الإرهابيين لا حق لديهم في الحياة. بينما الإرهابي، من الناحية القانونية، لديه الحق في الحياة والحق في محاكمة عادلة... وإلا فإن العالم كله سوف يتحول إلى إرهابيين يطاردون إرهابيين، وليس هذا ما نسعى إليه». لكن الأصوات من أمثال إيمان تريكي، نادرة في تونس حالياً. وعندما يحاول شخص التحدث عن وجهة نظر مختلفة، فإنه يتعرض للهجوم والاتهام بتشجيع الإرهاب. ومؤخراً لاقى برنامج تليفزيوني انتقاداً لاذعاً لأنه أظهر أحد الشيوخ السلفيين يعبر عن آراء متعاطفة مع الميليشيات الدينية، ولأنه أجرى لقاءً مع والد «جاد حاجي» الذي أراد -شأنه شأن أي أب- الدفاع عن ابنه. وأصبح مقدم البرنامج، سمير الوافي، هدفاً لنقد لاذع من الإعلاميين. وأصدر اتحاد الصحفيين الذي اتهم الوافي بتقديم الإرهابيين في صورة ضحايا، بياناً قال فيه إنه «ليس هناك حياد عندما يتعلق الأمر بالإرهاب والإرهابيين، أعداء تونس وأعداء الحرية والديمقراطية». وفي نهاية الأمر منع برنامج الوافي من العرض. تقول تريكي: على التونسيين مطالبة حكومتهم باحترام حقوق الإنسان في «حربها على الإرهاب»، أو على الأقل احترام حرية التعبير عند مناقشة القضية. ‎أسماء غريبي مدونة تونسية ومدير التحرير السابق لـ «تونس لايف» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©