الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات خلف كل باب

حكايات خلف كل باب
17 فبراير 2011 20:19
نورا محمد (القاهرة) - أعلنت الإضراب والمقاطعة التامة لفكرة الزواج ولا أحوم حولها من قريب أو من بعيد، وكفى ما لقيت وما كان وعانيت بعد تجربة أستطيع أن أقول إنها قاسية ولا أُلقي بمسؤولية فشلها على أحد وإنما القسمة والنصيب وإرادة الله. لم أكن شاباً مراهقاً يعيش في أحلام اليقظة، ويحلق بعيداً عن الواقع، ولم أجر وراء أوهام وأمنيات، بل بلغت السابعة والعشرين من عمري وأعمل في وظيفة معقولة الدخل، ارتبطت بشابة تعرَّفتُ عليها من خلال ترددي على خالتي والتي كالت لها من المديح ما جعلني أندفع نحوها وأطلب يدها، وقد كان بيننا تفاهم كبير في البداية سرعان ما تحول إلى حُب جارف ذاع صيته وانتشر في المنطقة. كانت نقاط الاتفاق بيننا لا تحصى، أو لا توجد بيننا اختلافات على الأقل في الفكر ووجهات النظر والرؤية المستقبلية لحياتنا الزوجية، وما نود أن تكون حتى وإن بالغنا في ذلك قليلاً، وتعدى الحوار ذلك ووصل إلى اختيار أسماء الأبناء، وتتملكنا السعادة الغامرة، إذ لا نُصدِّق أن كُلاً منا كان النصف الآخر لصاحبه الذي يحلم به ويتمناه. بدأنا مناقشة اختيار مكان شقة الزوجية، وأثاث عشنا، والأجهزة الكهربائية وغيرها من جهاز واحتياجات العروسين، ووجدت أباها يطلب المستحيلات، كل ما ذكره كان تعجيزياً بمعنى الكلمة ولولا أنه رحّب بي بشدة ووافق من البداية لقلت إنها وسيلة لرفضي، أما المفاجأة الكبرى فإن خطيبتي تؤيد كل ما قاله أبوها قلباً وقالباً، بل وتصر عليه بحجة أنها ليست أقل من أُختها الكبرى وابنة عمها وبنات عائلتها. حاولت أن أناقش معها ومع أسرتها الأمر فإذا بي كأني في سوق فيه بضاعة تباع وتشترى، ولا سبيل للمشاعر الإنسانية والأحوال ولا نظر للظروف، وليس عندهم شيء اسمه الإمكانات فإذا بها تصدمني بما لا أتوقعه، ولا يرد لعاقل على بال وطلبت مني أن أحصل على ميراثي من أبي، وهو على قيد الحياة فانتفضت كما ينتفض العصفور المبلل بالماء واستنكرت مقالتها، فالميراث لا يكون ميراثاً إلا إذا توفى صاحبه، وكيف أحكم على أبي بالموت وأواجهه بذلك المطلب البعيد عن الأدب والأخلاق والتربية، لم ولن أفعل حتى لو انتهى المطاف بي إلى عدم الزواج كلية، فأبي رجل كريم ولم يقصر يوماً نحونا أنا وإخوتي وأدى دوره على أفضل وجه، ولا يدخر جهداً لإسعادنا، وفي نفس الوقت هو على أتم استعداد لمساعدتي مع الحفاظ على ما يساعد بقية إخوتي وأنا لستُ أنانياً لكي أطلب لنفسي كل شيء وأترك أسرتي. انتهت المفاوضات الصعبة مع خطيبتي وأسرتها وباءت جميع محاولات تقريب وجهات النظر بالفشل بعدما وضعت إمكاناتي أمامهم على الطاولة، قررت أن يكون لي أنا الآخر موقفي ولا أقبل إملاءات أو ضغوطا، ورأيت بعد مشورة بعض الحكماء من كبار السن وأصحاب التجارب أن أنهي الأمر عند هذا الحد، ولن تكون هُناك خسارة، بل يكفي أنني اكتشفتهم قبل التورط في الزواج. لا أدعي أنني كنت أكبر من المشكلة، وإنما تأثرت كثيراً، ووصلت عندي إلى حد الأزمة وفقدت الثقة بكل الناس، وتأكدت من صحة المقولة إن الناس معادن، وإنك لا تعرف الإنسان إلا إذا تعاملت معه بالدرهم والدينار، ساءت حالتي النفسية، وجافاني النوم وعرفت الأرق والسهد، صحيح أنني لست حزيناً على فقدها، ولكنني أسفت لما وصلت إليه أحوال البشر وأنني كنت حسن الظن بهم، وبدأت أراجع حساباتي في التعامل مع كل الناس. بعد أشهر قليلة وأنا في خضم هذه الظروف ظهرت في حياتي فتاة كأن القدر ألقى بها في طريقي، مع أنها زميلتي في العمل، إلاّ أنني كما لو كنت فوجئت بوجودها، غاية في الالتزام والحشمة والأخلاق، استطاعت أن تدخل حياتي بشيء من السحر النسائي الذي يتمثل في الرقة ومشاركتي حالتي النفسية، ولم أخف عنها ما أمر به من آلام وخروجي من مشكلة عاطفية أفقدتني الثقة ببنات حواء، وللحقيقة كانت مخاوفي وعدم شفائي من الصدمة أكبر من جهودها، حتى بعدما صارحتني بحبها وأنها ستصبر سنوات إلى أن أتخذ قراري بكامل إرادتي ومن دون أي تأثير منها أو شروط مسبقة، كنت صريحاً معها إلى حد القسوة ورفضت عرضها الذي رأيت أنه نوع من العطف مع أنه ليس كذلك بالمرة، وأعلم صدق نواياها وأنها لا تساوم ولا تراوغ. عامان كاملان مرا من دون أن تقطع صلتها بي أو تحاول أن تؤثر على قراري بأي شكل معتبرة أن ما بيننا مشاعر طيبة هي أكبر من الصداقة وزمالة العمل، بدأت أُراجع نفسي وموقفي وقراراتي، فلن أظل هكذا إلى نهاية العمر ولو أن كل شاب تعرض لمشكلة أو أزمة عاطفية أضرب عن الزواج ما تزوج أي إنسان على وجه الأرض، وقد لا أجد أفضل من زميلتي تلك لتضمد جروح الماضي، خاصة أنها تنازلت وليس عندها أي عيوب مما كان عند خطيبتي السابقة. ولأنني أعرف عزة نفسها وحفاظها على كرامتها كان لابد أن أخطو أنا الخطوة الأولى وأعلن طلب يدها، لكن ليس قبل أن يتم الاتفاق على كل التفاصيل الصغيرة منها قبل الكبيرة، لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ولم تكن هُناك أي مناقشات أو مفاوضات ولا خلافات، بل كان الأمر أيسر مما قالت وتعهدت به من قبل، وزادت على ذلك بأنها تنازلت عن كثير من الضروريات مما جعلني أحاول أن أحقق لها أفضل حال وأكثر مما تريد، وأن يكون الإحسان هو جزاء الإحسان. ما كان يدور برأسي قبل أو بعد الزواج، وما أعرفه أن الحياة الزوجية لا تخلو من مشاكل وخلافات، ولكن أسبابها تختلف من بيت لآخر حسب طبيعة العلاقة بين الزوجين، وبالنسبة لي فطالما أنني أحسنت الاختيار فلا مجال لهذه الخلافات، خاصة ما يتبادر إلى أذهاننا من مشكلات من العيار الثقيل مثل تأخر الإنجاب، أو الخيانة، أو الصعوبات المادية، أو مشاكل الفراش، فضلاً عن المنغصات التي تقع نتيجة تدخل الأهل في حياة الزوجين. يبدو أنني كُنت محقاً في تقدير ذلك، لكن لم أكن مصيباً في معرفة أن المشاكل الصغيرة أكثر خطورة على الاستقرار الأسري، صحيح أن بيتنا كان خالياً من المشاكل الكبرى، لكنه لم ينج من المشاكل التافهة التي تثير الضيق والحنق من جانب أي منا، ولا أبريء نفسي منها فلكل إنسان أخطاؤه وتصرفاته التي لا تعجب الآخرين، ومما نختلف عليه جهاز الريموت كنترول الخاص بالتلفاز مثلاً، هي تريد أن تُشاهد كل الأفلام والمسلسلات حتى المعاد منها والمكرر عشرات المرات وليس لديَّ اعتراض على ذلك، وإنما على استغلالها للجهاز والسيطرة عليه ويدب الشقاق عندما تكون هُناك مباراة في كرة القدم، فلا أستطيع مشاهدتها إلاّ بعد أن نتشاكس ونتناحر، فلا هي تريد أن تفوت حلقة من المسلسل التركي الذي سيعاد مرتين في اليوم ولا أنا أريد أن أفوت المباراة لأنها مهمة ولن تعاد، وفي النهاية سواء كانت الغلبة لي أو لها فإن أحدنا يبيت غاضباً ويترتب على ذلك أزمة لعِدة أيام. وإن كنا نتفق على النظافة والنظام فإننا نختلف على الطريقة، وعلى سبيل المثال أنا أحب ثبات الأشياء وقطع الأثاث في أماكنها بينما تُريد هي التغيير والتبديل كأنها لعبة الكراسي الموسيقية، وتختلف رؤيتنا فأنا أشعر باضطراب وانزعاج، بينما ترى هي أنه تجديد، وتعقب وتنتقد بشدة مثلاً طريقة استخدامي لمعجون الحلاقة أو الأسنان، إذ أضغط على العبوة في أي موضع، بينما تريدني أن أضغط عليها من أسفل، وأُعاتبها بأن ذلك لا ضرر منه ففي النهاية سوف أستخدم العبوة بكاملها، وتعطيني محاضرة تربوية حول أهمية الحفاظ على المنزل، ولا مانع من إصدار اتهام وحكم عليَّ بأنني شخصية فوضوية ومهملة، وأسوأ قدوة للأبناء الذين يكتسبون خصالي السيئة لأنني أكرر هذه الجريمة الكبيرة. ومن توافه الخلافات، أنها ترى أن عدم قيامي بملء زجاجات المياه ووضعها في المبرد تثير أعصابها، وتشعرها بأنها أمام مهمة شاقة لا تنتهي خاصة في الصيف، لأننا نشرب الماء بكثرة ونترك لها الزجاجات فارغة، مما يسبب لها ضيقاً شديداً. ومن التصرفات التي قد تبدو سطحية وتافهة، والتي تتسبب في معظم خلافاتنا عدم التزامها بالمواعيد، وتأخرها المتكرر للتزين والوقوف أمام المرآة وقتاً طويلاً، في حين أكون في انتظارها في البيت ثم في السيارة، والجيران يتغامزون عليَّ وأنا بانتظارها، الأمر الذي أدى إلى أنني كرهت الخروج معها لأجنب نفسي ارتفاع ضغط الدم، الناتج عن برود أعصابها. ولأنها كانت تضيق بدخان سجائري وما تخلفه من رائحة كريهة - أعترف بها - فقد كُنت أُداوِم على استخدام السواك والمعجون وغسل فمي وأسناني باستمرار، وحتى بعدما لاحظت أنها تبتعد بسببها لم أتوان في الإقلاع عن التدخين حتى وإن كان ذلك تم بصعوبة ومعاناة لا يعرفها إلاّ المدخنون. في النهاية أرى أنني أتنازل عن أشياء ومواقف، بينما هي تتصلب عند رأيها، ولا تعترف بأنها مخطئة، وتأكدت أن الخلافات حول توافه الأمور لا تقل خطورة عن المشاكل الكبيرة ولولا أنني أعلم أنه لا يوجد بيت بلا مشاكل لانتهت حياتي الزوجية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©