الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتقام أرملة

انتقام أرملة
17 فبراير 2011 20:19
أحمد محمد (القاهرة) - في الفجر طرق الشرطي باب شقتي، كان يبدو من طريقته أنه في عجلة، وأنه جاء لأمر جلل لم أتوقعه حتى أنني لم أستطع أن أرتدي ملابس الخروج المحتشمة ولففت نفسي بملاءة وخرجت إليه وضربات قلبي تتسارع خوفاً من هذا القادم المجهول، وما إن فتحت الباب حتى وجدته أمامي، إنه بالزي الرسمي ألقى في وجهي بالقنبلة التي أفقدتني الوعي والتركيز، إنه قد عثر على زوجي جُثَّة هامدة مقتولاً، ولم يعرف بعد من الذي ارتكب هذه الجريمة البشعة وحرمني منه إلى الأبد. خرجت معه في سيارة الشرطة إلى منطقة زراعية على مقربة من مسكننا، هُناك ومع الظلام رأيت زوجي وسط بركة من الدماء، المشهد قاسٍ وصعب لا يمكن أن تصفه ولا تُعبِّر عنه الكلمات مهما كانت بلاغتها واختيارها بدقة، إنني أُصاب برعشة تهزني من أعماقي عندما أتذكر الموقف، وأُحاول أن أهرب منه بسرعة لأنني أكاد أصاب بالجنون، ارتميت على جثته احتضنه وأنا أصرخ صرخات مُتصلة، كدت أفقد الوعي إلى أن ساعدوني على الوقوف. توجهت إلى النيابة للإدلاء بأقوالي عن اللحظات الأخيرة في حياته، لقد عاد من عمله في المساء كالمعتاد، وتناول الغداء معي ومع أطفالنا الثلاثة، وقبل أن يحتسي الشاي طرق الباب شاب يدعى «طه» من سكان المنطقة طلبه للخروج معه لأمر مهم، فنصحت زوجي بعدم الذهاب معه لأنني أعرفه، فهو لا أخلاق له وتعرَّض لي عدة مرات في الطريق، وقد راودني عن نفسي بالترهيب والترغيب، وعندما صددته بشدة واستنكرت تصرفاته، هددني بقتل زوجي إن لم أستجب له، إلاَّ أن زوجي حاول أن يطمئنني وأنه يجب أن يعرف منه ماذا يريد لينهي الأمر، ولم أتوقع أن يصل تصرفه إلى هذا الحد من الانتقام. انشغلت بشؤون المنزل والأطفال وأنا أعتقد أنه سيعود، وقد انتهت المشكلة، وتمّ وضع حد لها، وبعد منتصف الليل بدأ القلق يساورني خشية تطور النقاش إلى خلاف وشقاق، حتى وصلنا إلى هذه النهاية وتيتَّم أطفالي الصغار، وحملت لقب أرملة قبل أن يصل عمري إلى السابعة والعشرين، وفقد أبنائي أباهم، وهو في شبابه إذ لم يتجاوز الثلاثين، ونحن في أشد الحاجة إليه وتحملت مسؤوليتهم وحدي. اتشحت بالسواد والأحزان تملأ قلبي ومن شِدَّة الصدمة المفاجئة ترنحت كثيراً خوفاً مما هو آت، وحاولت أن أُلملِم شتاتي وأقوم بمهام الأب والأم في وقت واحد مع قليل من الإمكانيات المادية المحدودة وتفرغت لتربية أبنائي واتخذت قراري بأن أغلق بابي وأضعهم في عيني ولن يُشاركهم شيء في جهودي. كثيراً ما أختلي بنفسي أو كلما خلدت إلى النوم أو فعلتُ شيئاً أتذكر مصيبتي وكسر قلبي وقصم ظهري، وأعود إلى الخلف، أنني من أُسرة بسيطة الحال كثيرة العدد تُكافح من أجل لُقمة العيش حصلت على مؤهل متوسط بعد معاناة مادية وحياتية. تقدم لي «موسى» طالباً يدي ربما يكون دافعه الأساسي هو جمالي المميز وفورة شبابي وخِفة دمي وروحي، فبجانب أخلاقي التي يشهد بها ولها الجميع ليست لديَّ إمكانيات أخرى تجذب الخطاب إليّ وبصعوبة بالغة تم تدبير مسكن الزوجية وتأثيثه بقطع رمزية بسيطة، وليس كما يفعل كل العرسان فكل ما استطعنا أن نشتريه هو الأجهزة الكهربائية الضرورية جداً، وغرفة نوم من الدرجة الثانية، ومع ذلك كُنا سعداء وراضين بعشنا الجديد ونحن نحلم بمستقبل أفضل. عشرة أشهر كاملة مضت، لم أنس ما حدث، ولكن رُبما اتخذت خطوة بعيداً عنه في محاولة فاشلة لم أستطع بها أن أعود إلى بعض حياتي الطبيعية، إلى أن جاءني مندوب المحكمة يطلب مني الحضور للإدلاء بشهادتي في القضية أثناء محاكمة قاتل زوجي فتجددت كل أحزاني وآلامي ولظروف إجرائية عُدت إلى منزلي بعد أن تمَّ تأجيل القضية شهراً، سألت المحامي يا ترى ما هو الحكم المتوقع الذي سيعاقب به المتهم؟ فأجابني بأنه طِبقاً لمواد الاتهام، فإن العقوبة ستكون الحبس من ثلاث إلى خمس سنوات كحد أقصى فالاتهام جناية ضرب أفضى إلى موت لأن زوجي لم يمت على الفور وإنما بعد مضي وقت ما من ارتكاب الجريمة. وجدت صدري يتحوَّل إلى مرجل يغلي إذ أن دم زوجي الذي راح هدراً لا يُساوي أكثر من السجن خمس سنوات، وأنا لا يكفيني إعدامه بكل الوسائل وحتى هذا لا يشفي غليلي، ولا يجفف دموعي، ولن يعوضني أنا وأطفالي عن فقد عائلنا الوحيد والصدر الحنون والجناح الذي يضمنا، وقد ضاع مستقبلنا أو في طريقه إلى الضياع. تغيَّرت حالي وتبدلت وبدأت أتخذ منحى جديداً في التفكير وخلال شهر كامل منذ يوم نظر القضية وحتى اليوم المحدد لاستئناف المحاكمة وأنا لا يسيطر على رأسي إلاّ كيفية الحصول على حقوقنا، خاصة دم رفيق حياتي. في صباح يوم الجلسة ارتديت ملابسي السوداء التي اعتدتها مُنذ أن فقدت زوجي وتوجهت إلى المحكمة وجلست في الصف الثاني من المقاعد المخصصة للشهود خلف المحامين وأنا أتذكر كل ما حدث وفشلت في السيطرة على دموعي التي تنساب رغم أنفي، ولم تتوقف إلا بعد أن جاء الحراس بالمتهم وفي يده القيود الحديدية وأودعوه قفص الاتهام، وحتى الآن لا أجد سبباً ولا أعرف لماذا توقفت دموعي في تلك اللحظة. لا أدري كم من الوقت مضى على حالتي تلك، ربما يكون ساعة أو أقل قليلاً، نادى الحاجب بصوته الجهوري «محكمة»، فاستفقت ووقفت كما وقف الجميع وعدت إلى مقعدي وأمر رئيس المحكمة بفتح الجلسة لنظر القضية، طلب مني أن أتقدم إلى المنصة لأُدلي بشهادتي والتي لا تعدو أن تكون حول مضايقات المتهم لي قبل ارتكابه الجريمة، خاصة أنني لم أر الحادث، ولم أكن شاهد عيان عليه، ولم يستغرق ذلك إلاَّ بضع دقائق. وسمحت المحكمة للمتهم بالخروج من القفص الحديدي ووقف أيضاً أمام منصَّة العدالة على مقربة مني، وهو يُحاول أن يبدو وديعاً ويُدافع عن نفسه، بل ويؤكد أنه بريء، وأيضاً يقوم محاميه بالمطالبة ببراءته وينفي أنه ارتكب الجريمة لأنها وقعت في الليل وليس هُناك شهود عليها. لم أدر بنفسي إلاَّ وأنا أنفذ قراري الذي اتخذته وحسمته خلال الشهر الماضي، وفي أقل من ثانية أخرجت السكين الذي أدسه في طيَّات ملابسي وانهلت عليه بالطعنات السريعة المتلاحقة التي لا أعرف عددها ولم أتوقف حتى بعدما سقط على الأرض تنفجر منه الدماء وسقط يترنح حتى أصبح جُثَّة هامدة وفارق الحياة، هو نفس المشهد الذي رأيت عليه زوجي عندما ذهبت لأراه وألقي عليه نظرة لم أكن أبداً أتوقعها يوماً وستظل محفورة في داخلي ما حييت. أُلقي القبض عليَّ واعترفت بكل التفاصيل وأؤكد أنني مصرة عليها ولن أحاول الإنكار، بل انه لو عاد الى الحياة مئة مرة لعدت لقتله كل مرة بطريقة مختلفة، لا يهمني ما سيفعلونه بي ولا اهتم بالحكم الذي سيصدر ضدي حتى لو كان الإعدام، يكفي أنني شفيت غليلي وانتقمت وثأرت لزوجي الذي فقد حياته بلا ذنب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©