الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معنى العفاف

معنى العفاف
10 يناير 2008 01:35
من الفروق الدقيقة التي فطن لها المشتغلون بالأدب منذ القدم أن الشعر يجوز فيه مالايجوز في النثر، لا من الناحية اللغوية وإنما من الوجهة الأخلاقية، فكبار الشيوخ يتغزلون في أشعارهم وقد يتجاوزون ذلك إلى شيء من فحش القول بينما لا ينبغي لهم الاقتراب من ذلك في النثر حفاظا على ضرورة التصوّن والاحترام· ويبدو أن هذه الرخصة الفنية مرتبطة بفكرة الخيال التي يعتمد عليها الشعر· فالخيال مثل الأحلام ليس موضعا للمساءلة الجدية· ولنأخذ نموذجا لذلك بعض أبيات الغزل الواردة في ''حماسة الظرفاء'' للزوزني، وهي الأبيات ذاتها التي نجدها لأبي عبدالله إبراهيم نفطويه في زهر الآداب وهو من كبار العلماء إذ يقول في معنى العفاف: كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني منه الحياء وخوف الله والحذر وكم خلوت بمن أهوى فيقنعني منه الفكاهة والتقبيل والنظر أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم وليس لي فيهمُ في ريبة وطرُ كذلك الحب لاإتيان فاحشة لاخير في لذة من بعدها سقر ولأن الشاعر دائما يعبر بضمير المتكلم فهو يبدو كأنما يتحدث عن نفسه في لون من الاعتراف المباشر، وقد تفنن النقد الحديث في محاولة الفصل بين صوت القصيدة من ناحية وشخصية الشاعر ذاته من ناحية ثانية، فافترض أن ضمير المتكلم يعني شخصيا معنويا هو الذي يتلبس بالحالة الشعرية كاتبا وقارئا، دون أن يتحد بذوات الكاتب والقارئ فهو يعبر عن تجربة موضوعية وليست خاصة، وإن توهم بعض من لاخبرة له في فنون القول بغير ذلك، المهم أن صوت القصيدة - أو المقطوعة الشعرية - يحكي مايحدث له مع محبوبته التي يظفر بها خلسة فيمنعه منها ثلاثة أشياء، أولها الحياء الشخصي المفطور عليه وثانيها مراقبة الخالق المطلع على الأسرار وثالثها مراقبة الناس، وهذه التشكيلة من الموانع لاتخرج عنها أشكال الرقابة الذاتية والدينية والاجتماعية، لكنه يعيد المشهد لكي يعترف بما يأتيه ومايتركه في صحبة المحبوب، فيستحل لنفسه المرح والدعابة، والتقبيل واللمس ويجعل النظر وإمتاع الرؤية في نهاية المطاف بحكم القافية، والطريف أن ذلك لا يقتصر على محبوب واحد، بل يشمل جميع الحسان اللائي يُتَحن له، فهو يهوى الجميلات والملاح ويهوى مجالستهن والائتناس بصحبتهن، وليس له وطر مريب في ذلك، فإذا تساءلت عن الريبة في تقديره كانت هي الفاحشة فحسب، وهي اللذة المحرمة التي يمنعه خوف الجحيم من الاستمتاع بها، فانظر إلى أي حد كان مشايخنا يتمتعون بها من حرية يعبرون عنه صراحة في أشعارهم ويجاهرون بعشق الجمال في كل أشكاله ومطارحته الغزل الحسيّ الصريح·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©