الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نابليون العاشق.. وجوزفين الإمبراطورة

نابليون العاشق.. وجوزفين الإمبراطورة
24 مارس 2010 21:14
هذه هي الحلقة الثانية في سلسلة نقتطف فيها بعض، أو أجزاء من، الخطابات الغرامية لأولئك الرجال والنساء الذين صنعوا التاريخ بشكل أو آخر سواء في كراسي الحكم أو الأدب أو الفنون أو العلوم عبر العصور. ورغم وصف هذه الخطابات بأنها غرامية، فهي ليست بالضرورة سيلاً من الغزل والشكوى من لهيب الحب على شاكلة قصائد الملوح في العامرية. وقد تجنح في أحايين لتناول أشياء دنيوية، مثل حال البريد أو المعايش عموماً أو السخط على المرسل اليه نفسه. لكنها تبقى في آخر المطاف وصفاً للعشق واستنجاداً من كاتبها بحبيبه في وحدته وتوسل لقائه، وهذا هو ما سنركز عليه في هذه المقتطفات. ونخصص هذه الحلقة لأربعة خطابات من الامبراطور نابليون بونابارت الذي اشتهر بعلاقته العاصفة مع جوزيفين دوبوارني مثلما اشتهر بأنه بين أعظم القادة العسكريين في التاريخ. ولد هذا القائد الفذ بجزيرة كورسيكا في 1769 بعد عام من انضمامها لفرنسا. وكان سليل أسرة من النبلاء الإيطاليين، وهذا هو سبب نطقه للفرنسية بلكنة إيطالية. التحق نابليون وهو في التاسعة من عمره بمدرسة عسكرية فرنسية، وتخرج منها العام 1784 ليدخل الكلية الحربية الملكية في باريس حيث أنهى دراسته في عام واحد بدلاً من عامين نظراً لنبوغه وذكائه الحاد. وهكذا بدأ حياته العملية وهو في السادسة عشرة من عمره. وكان لنابليون أعداء كثيرون يكنون له عظيم الاحترام في ذات الوقت. فعندما سئل الدوق ويلينغتون القائد الإنجليزي الذي أنهى مجد نابليون بهزيمته في معركة واترلو الشهيرة عن أعظم جنرال في وقته، قال إن أعظمهم في الماضي والحاضر والمستقبل وكل وقت هو نابليون بونابارت. تزوج نابليون في العام 1796 من جوزيفين دوبوارني (وأسماؤها الأولى الحقيقية هي ماري ـ جوزيف روز لكن نابليون كان يسميها جوزيفين). وكانت ارستقراطية في حالة من الحاجة والعوز، أتت الى باريس مهاجرة من المستعمرة الفرنسية جزر المارتنيك مع طفلين لها من زواج سابق. والخطابات التالية كتبها لها نابليون وكانت ثلاثة منها بعيد زواجهما عندما أصبح قائداً للقوات الفرنسية في ايطاليا، والرابع من ميدان القتال في ساحة الحرب النمساوية العام 1805. ويصور نابليون نفسه في كل هذه الخطابات عاشقاً مولّها تحت رحمة زوجته الجميلة التي بلغ بها عدم الاكتراث بعشقه حد مخاطبته أحياناً بصيغة vo s الرسمية المتبادلة بين الغرباء بدلًا من t الشخصية الحميمة. كما تظهره هذه الرسائل، وهو الخبير العسكري والقائد الحربي، كاتبا أديباً في وصف عذابات قلبه. ولكن، كما اتضح للزوجين في وقت لاحق، فقد كان كلا منهما خائناً لعهد الزوجية. وقد حدا هذا ـ إضافة الى غرق جوزيفين في حياة البذخ وحقيقة أنها كانت عاجزة عن منح زوجها ولداً يرث عرشه ـ بنابليون لطلاقها في 1810 وزواجه من الأرشدوقة النمساوية ماري لويز التي أنجبت له فعلاً ولداً واحداً صار لاحقاً “نابليون الثاني ملك روما”. وبعد طلاقها عاشت جوزيفين في مقر خصصه لها نابليون بالقرب من باريس، وجمعت بينهما صداقة عميقة حتى مماتها في 1814. الخطاب الأول إلى جوزيفين - في ميلانو مرسل من فيرونا في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1796 ما عدت أحبك. بالعكس، فأنا أمقتك. أنت شقية سيئة الطباع وصغيرة العقل لأنك لا تبادلين زوجك الحب ولا تكتبين له، برغم علمك أي ملذّة تأتي بها كلمات إليه. فلم لا تخط يدك ستة أسطر اليه وإن كانت بلا معنى؟ ماذا تفعلين بيومك إذن يا مدام؟ ما هو ذلك الشيء المهم الذي يستحوذ على وقتك ويمنعك من الكتابة لمحبوبك الحقيقي؟ أي مشاعر أخرى تخنق وتزيح جانباً الحب الرقيق الدائم الذي وعدتيه به يوماً ما؟ ترى من يكون ذلك المحبوب الجديد الذي يسرق لحظات حياتك ويحكم أيامك كالطاغية، ويمنعك منعاً باتاً من العطف على زوجك؟ احذري، جوزيفين، فذات ليلة سينكسر مصراعا الباب وسأكون أنا هناك... واقع الأمر أنني قلق، صديقتي الحبيبة، إزاء غياب الأخبار من طرفك. هيا.. سارعي الى كتابة أربع صفحات من تلك الكلمات التي تملأ قلبي بالسعادة والحبور. امنيتي أن احتويك قريباً بين ذراعيّ وأمطرك بمليون قبلة في حرارة شمس المدار. بونابارت الخطاب الثاني إلى جوزيفين ـ في جنوة مرسل من ميلانو في 27 نوفمبر 1796 ـ الساعة الثالثة ظهراً أصل إلى ميلانو. أهرع الى شقتك. أترك كل شيء بيدي لاحتويك بين ذراعي... ولكن أين أنت؟ إنك تركضين لحضور الاحتفالات في المدن الأوروبية، فلا أجدك لدى وصولي. ما عدت تهتمين البتة بنابليونك العزيز. أمزجتك المتغيرة هي التي أوقعت بك في غرامه. وتبدل الولاء هو الذي يجعلك غير آبهة به الآن. وأنا خبير بالأخطار وطبيب لكل علل الحياة وهمومها. لكن هذا الشقاء الذي يجتاحني أكبر من كل شيء ومن حقي ألا أقع فريسة له. سأمكث هنا حتى مساء التاسع من الشهر. فلا يحرمنّك شيء من مسرّاتك. ذلك أن السعادة خلقت من أجلك، والعالم بأجمعه على استعداد لإرضائك. فقط زوجك هو التعيس الى أبعد حدود التعاسة. بونابارت الخطاب الثالث إلى جوزيفين ـ 1796 لا يمر عليّ يوم واحد وأنا لا أحبك. ولا تمر عليّ ليلة واحدة وأنا لا احتضنك. ولم أفعل شيئاً ـ مثل مجرد احتسائي كوباً من الشاي ـ بدون أن أصب جام لعناتي على الفخار والطموح اللذين يجبرانني على البعد عن روح حياتي الوقّادة. وحتى في غمرة واجباتي الرسمية ـ سواء كنت على رأس جيشي أو أتفقد معسكرات الجنود ـ تقف حبيبتي جوزيفين وحدها في قلبي وتشغل خاطري وتستحود على أفكاري. وإذا كنت ابتعد عنك بالسرعة التي يبتعد بها التيار على نهر الرون، فلأن هذا هو ما سيعجل بلقائي بك. وإذا أقمت الليل في العمل، فبسبب أن هذا قد يقلل، ولو لبضعة أيام، وقت انتظاري لرؤيتك محبوبتي. ومع كل هذا فأنت تخاطبينني في خطابيك الأخيرين بكلمة «vo s». وأنا أقول لك: «vo s في عينك»! كيف تسنى لك كتابة شيء كهذا؟ ثم أنك أمضيت أربعة أيام بين الثالث والعشرين والسادس والعشرين بدون رسالة واحدة الى زوجك. آه من تلك الـ«vo s» ومن تلك الأيام الأربعة. إنها تجعلني أتوق الى لامبالاتي السابقة، وويل للمسؤول عن هذا! فليذق ما أذوقه أنا الآن عقاباً له. الجحيم لا يملك عذابات أكبر، وإلاهات الانتقام الثلاث لا يملكن ما يكفي من الثعابين على رؤوسهن. «vo s»! آه من هذه الكلمة! روحي مثقلة وقلبي في الأصفاد والتخيلات والأوهام تفزعني. فهيامك قد انحسر. لكنك ستجتازين هذه الخسارة، حتى يأتي عليك يوم تتخلين فيه عن حبك لي بأكمله. على الأقل، اخبريني فأعلم أنني أصبحت في مقام من يستحق كل هذا الشقاء. وداعاً زوجتي وعذابي وبهجتي وأملي وروحي الوقّادة التي أحب وأخشى... التي تفيض داخلي عواطف رقيقة وتجرني الى أقرب مكان الى الطبيعة بدفعات أعنف من تكسر البرق والرعد.لا أطلب منك الحب الأبدي أو الإخلاص، وإنما الحقيقة ببساطة وبكل الأمانة. ويوم تقولين لي: “ما عدت أحبك مثلما كان الحب” سيكون آخر عهد حبي لك لأنه سيكون آخر أيام حياتي. لو أن قلبي صار يحب ولا يُحب فسأقطّعه إربا. جوزيفين... جوزيفين: تذكّري ما قلته لك ذات يوم: لقد حبتني الطبيعة بالفحولة والحسم حين حبتك أنت برقة الحرير. أما عدت تحبينني؟ اغفري لي يا هوى حياتي، فروحي تتقاذفها قوى متضاربة لا قبل لي بها. وقلبي المسكون بك يمتلئ بخوف يمددني على بساط الشقاء ويمنعني من أن اناديك بالاسم. سأنتظر حتى أراه مكتوياً بخط يدك اليّ. وداعاً... آه وداعاً! إذا ما عدت تحبينني مثلما كان الحب، فأنت لم تحبيني في أول مقام، وما أزراني في هذا الحال! بونابارت الخطاب الرابع إلى جوزيفين ـ في ميونيخ 19 ديسمبر 1805 إلى الامبراطورة العظيمة لا خطاب منك منذ سفرك الى سترسبورغ. وقد مر رحلك ببادين وشتوتغارت وميونيخ، ولكن بلا كلمة منك إلى شخصي. وهذا لا يورث الرضاء ولا رقّة فيه. مازلت في برون. رحل الروس ولديّ هدنة الآن. سأقرر في الأيام القليلة المقبلة ما يتوجب عليّ فعله. تفضلي من علياء عظمتك بإلقاء نظرة سريعة على عبيدك الصغار. بونابارت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©