الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العين.. حديقة الإمارات الخضراء

العين.. حديقة الإمارات الخضراء
24 مارس 2010 21:15
قبل افتتاح طريق أبوظبي ـ دبي، كان عزاؤنا الوحيد نحن المقيمين في مدينة أبوظبي هو السفر إلى مدينة العين. كانت الطريق معبدة ولم يكن السفر يشكل أي خطورة على المسافر، كما كان الحال في الطرق الرملية التي تحتاج إلى سيارات الدفع الرباعي للسير عليها وتجاوز الصبخة اللينة والتي كانت بمثابة مصيدة حتى للسيارات القوية التي لا يجيد سائقوها التحكم بها. كانت مدينة العين تشكل بالنسبة لنا مدينة سياحية من الطراز الأول؛ فهي غنية بالحدائق ويغطيها اللون الأخضر وفيها فندق هيلتون، في ذلك الوقت كان يعتبر قمة في الفخامة والضخامة. لكننا لم نكن نقيم في ذلك الفندق إلا خلال المهام الرسمية، أما في الإجازات فكانت بيوت الأصدقاء مفتوحة لنا كما كانت بيوتنا في أبوظبي مفتوحة لهم كذلك. كان أمراً عادياً أن ننزل في بيوت أصدقائنا، أنا شخصياً كنت أنزل في بيت الصديق فهمي بيدس ووجيه بيدس. كان الأخ فهمي بيدس يقيم في شقة في عمارة قريبة من دوار الساعة، ودوار الساعة كان أهم معالم العين، وعنواناً لا يضيع عنه أحد لأنك لابد أن تمر به وأنت تدخل المدينة ولم يكن هناك شارع آخر يتفرع منه ويسبب لك الضياع. أما بيت الأخ وليد بيدس فكان أشبه بالبيوت السورية القديمة؛ حيث كانت هناك ساحة الدار ومنها تدخل إلى غرف النوم أو الصالون أو المطبخ. وفي ساحة الدار كنا نسهر فيما يشبه الاحتفال، حيث تتجمع أربع أو خمس عائلات وذلك يوم الخميس، يوم وصولنا لقضاء الإجازة الأسبوعية ويقدم جهاز التسجيل الأغاني المعروفة في ذلك الزمن، ثم بعد ذلك تنطلق أصواتنا بالغناء، وبدون موسيقى ما عدا الإيقاع المتمثل بالتصفيق المنسجم مع لحن الأغنية. كان كافياً لمن يتجرأ على الغناء أن يكون حافظاً لبعض كلمات الأغنية وللحن شبيه بلحنها حتى يعتبر مطرباً كبيراً وتنهال عليه كلمات الثّناء من كل حدب وصوب، وترتفع أصوات الاستحسان مثل : الله يا سلام، إلخ... وتنتهي السهرة عادة بوضع طعام العشاء، والذي يجمع عادة بين المشويات والمزات اللبنانية وبين المكبوس أو البرياني الخليجي. كان لا يمكن لأي فندق في ذلك الزمن أن يشعرنا بتلك السعادة التي كنا نشعر بها في بيوت الأصدقاء. غداء في البريمي أما في اليوم التالي؛ الجمعة فكنا نخرج من الصباح الباكر لنذهب إلى واحة البريمي. ما زلت أذكر كيف كنا ندخل إلى مكان مملوء بالشجر ومزروع بأنواع الخضراوات، وفيه ما يشبه النهر الصغير، قالوا لنا إنه فلج وكانت مدينة العين ملأى بهذه الأفلاج والتي كان أطفالنا يمارسون السباحة فيها. وفي ظلال الأشجار وبالقرب من الفلج، كنا نفرش الحصير أو البطانيات ونضع الوسائد ونجلس بارتياح لنتجاذب أطراف الحديث ونتناقل أخبار مجتمعنا الصغير والبريء في ذلك الزمن الجميل. وبعد أن يقوم أحدنا بإشعال النار ووضع بعض الأعواد فيها يتم وضع إبريق الشاي أو غلاية القهوة، على النار لنحتسي أطيب كؤوس الشاي وفناجين القهوة. أما الغداء، فكان دائماً جاهزاً، ويتم طبخه في الصباح الباكر في بيت المضيف ولا يحتاج إلا إلى التسخين فوق تلك النار التي أشعلناها في المكان. وكان ذلك الغداء لا يتغير في كل أسبوع، لا لسهولته أو بخل من يحضّره ويجهزه، بل لأنه مطلوب وله قيمة خاصة عند الجميع، وكان عبارة عن حلة ضخمة من محشي ورق العنب والكوسى والباذنجان، وإلى جانبه السلطة الخضراء والتبولة المصنوعة من خضراوات العين المشهورة، وأهمها البقدونس والبصل والطماطم أو (البندورة). بعد الغداء وشرب الشاي والقهوة يتم جمع الأغراض وتتجه كل عائلة إلى سيارتها فيعود أهل العين إلى العين وأهل أبوظبي إلى أبوظبي. لم تكن واحة البريمي هي المكان الوحيد الذي نقضي فيه إجازة يوم الجمعة في مدينة العين، بل كنا نذهب إلى عين الفايضة، حيث نستمتع أيضاً بتلك البحيرة الصغيرة التي يتصاعد منها البخار والتي أقيم بالقرب منها بعض الغرف لإقامة الزوار. أما جبل حفيت فلم نكن في ذلك الزمن، وبسياراتنا الصالون العادية نستطيع أن نصل إليه. كان اللون الأخضر يميز مدينة العين، وكنا نسميها في ذلك الزمن حديقة الإمارات الخضراء. كان في مدينة العين أيضاً حديقة الحيوان، وكانت تلك الحديقة مركز جذب سياحي وخصوصاً لأولادنا وبناتنا. ومن البيوت التي كنت أزورها مع عائلتي الصغيرة في ذلك الزمان الجميل؛ بيت المرحوم خلفان السويدي الذي جمعتني به وبعائلته منذ البدايات علاقات الصداقة والإخوة. كان بيت المرحوم خلفان السويدي في العين كبيراً وعلى مساحة واسعة من الأرض، وكنا نجد فيه كل أنواع الكرم العربي الأصيل. حتى المرحوم خلفان السويدي كان يذهب إلى العين كل أسبوع لقضاء الإجازة، لأن مقر عمله كمدير للجوازات والهجرة والجنسية كان في أبوظبي، وكانت له فيلا يقيم فيها هناك ولكن تمسك المرحوم خلفان أن تظل عائلته في العين، على اعتبار أنها الوطن الصغير. حينما أزور مدينة العين الآن، أجد صعوبة في الوصول إلى أي مكان قديم فيها، كل شيء تغير الشوارع، العمارات، البيوت، الشيء الوحيد الذي ظل كما كان بل زاد ونما هو اللون الأخضر. وكما كبر العمران واتسع، كبرت الزراعة وانتشرت المزارع وأصبحت العين حديقة غناء لا تمل العين من النظر إلى أشجارها وزهورها ونباتاتها المتنوعة. كانت العين بالنسبة لنا تمثل واحة جميلة في صحراء مترامية الأطراف، حتى الطريق إليها كانت لا تمر بقرى أو محطات استراحة إلا قبل الوصول إليها بقليل. مدينة العلم والعمل الآن أصبحت مدينة العين شبه متصلة بمدينة أبوظبي من خلال تعدد المحطات والقرى المنتشرة على امتداد تلك الطريق. كذلك كانت مدينة العين تتمتع باهتمام المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والذي كان الحاكم فيها على عهد أخيه الشيخ شخبوط بن سلطان رحمه الله. حرص الشيخ زايد وولي عهده في ذلك الوقت صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان على إعطاء تلك المدينة أهمية خاصة سواء في مشروعات التنمية أو مشاريع البناء والعمران. وفي تلك المدينة قامت أهم مؤسسة تعليمية في الدولة ألا وهي جامعة الإمارات التي يتخرج فيها كل عام مئات الطلبة والطالبات. كما انتشرت حول المدينة المزارع المنتجة وتطاولت فيها أشجار النخيل، وقامت المصانع وتنامت الحركة التجارية وتكاثرت الفنادق وشمخت العمارات حتى أصبحت المدينة مكان استقرار سكاني ومركز جذب سياحي. ومنذ وصولي إلى أبوظبي في يناير 1971 لا أنقطع عن زيارة تلك المدينة الجميلة والاستمتاع بطقسها الجاف الخالي من الرطوبة وجوها المعتدل صيفاً وشتاءً. ولقد أدركت لماذا كانت تلك المدينة مصيفاً لأبناء الإمارات في الزمن الذي سبق اكتشاف البترول، وفهمت تلك الأبيات التي نظمها الدكتور الشاعر مانع سعيد العتيبة في ديوانه “المسيرة” عن مدينة العين حيث قال: فإذا لاحت مروج من بعيد في خميله وربوع العين بانت ودعا خلٌ خَليله سالت الأفلاج فيها مثل أنهار جميله وجد القوم دواء الجسم والنفس العليله *** في ربوع العين تصفو كل ساعات الزمان ترد الماء صباحاً خلسة غيد حسان أهو حلم أم خيال.. أم ترى حور الجنان نزلت للأرض من عليائها قبل الأوان وما زالت تشدني إلى تلك المدينة الرائعة ذكريات زمن البدايات حيث كنت التقي فيها بالأحبة والأصدقاء وفي مقدمهم سمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية والذي أعطى زهرة شبابه لتلك المدينة الجميلة وما زال يعطيها من جهده واهتمامه الكثير. وكان خير ممثل لقيادتها الرشيدة وأوفى الأبناء لمن كانت ولا تزال أم الرجال مدينة العين، وعين مدائن الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©