الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حوار المساواة في الفكر والآداب

حوار المساواة في الفكر والآداب
24 مارس 2010 21:17
يعتبر كتاب “النقد النسوي، حوار المساواة في الفكر والآداب” لمؤلفته الباحثة والأكاديمية المغربية نعيمة هدي المدغري، من أحدث الكتب التي تبحث في قضايا “النسوية” أو إشكالية النقد النسوي التي لم تخمد نارها المتوقدة منذ صدور كتاب سيمون دي بوفوار “الجنس الثاني” والذي أطلقت فيه صرختها المدوية “المرأة لا تولد امرأة، بل تصير كذلك”. وتتوقف الباحثة نعيمة هدي المدغري في هذا الكتاب القيّم عند أفكار عدد كبير ممن اهتموا بقضايا “النسوية والنقد النسوي”، وكتابة المرأة، ومن هؤلاء: سيمون دي بوفوار، إلمان ماري، أريجراي لوس، ريش أدريان، جرير جرمين، سيسكو هيلين، سبندر ديل، شو والتر لين، غوربان سوزان، فانك لوري، جوليا كريستيفا، ملليت كيت، ميشيل جولييت، وأسماء أخرى. وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب. الباب الأول: “أسئلة النقد النسوي” وفيه نقرأ في الفصل الأول: “النقد النسوي والحركة النسوية”، وفي الفصل الثاني: “النقد النسوي وسؤال الفكر: الفكر النسوي وتحليل النفس”. وفي الفصل الثالث: “النقد النسوي والسؤال السوسيولوجي”. أما الباب الثاني من الكتاب “نقد الرواية النسائية العربية”، فنقرأ في فصله الأول: “بحث في الكتابة النسائية”، وفي الفصل الثاني: “الحركة النسائية العربية”، وفي الفصل الثالث: “مسار الكتابة الروائية عند المرأة العربية”. أما الباب الثالث: “النقد الأدبي النسائي”، فنقرأ في فصله الأول: “مشهد النقد الأدبي النسائي”، وفي الفصل الثاني: “النقد الخنثوي أو الأندوجيني”. ولا أحد يجادل، اليوم، في المكانة التي صارت تحتلها المرأة في مختلف مرافق الحياة، لقد حتمت ضرورة التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي أن تخرج المرأة إلى المشاركة في الحياة العامة بكيفية لم تتحقق في العصور الغابرة. وكما يرى الدكتور سعيد يقطين في مقدمة هذا الكتاب فقد “تغيرت النظرة إلى المرأة نسبيا، وبدأت تتداعي مجموعة من التطورات التي تراكمت خلال حقب طويلة من الزمان كانت مشاركتها مقتصرة على عدد محدود من الوظائف التي كانت تضطلع بها لأسباب وشروط تاريخية خاصة. غير أن هذا التغير، لما يحقق على الصورة المثلى لسببين رئيسيين: نرى السبب الأول كامنا في كون المرأة لا تزال مبعدة من نيل كامل حقوقها من التعليم والتثقيف، ولاسيما في المناطق القروية، حيث نسبة الأمية لا تزال مرتفعة جدا، وما دام هذا السبب قائما، وهو يمسّ الرجل أيضا، لغياب استراتيجية تعليمية تضع حدا للأمية المتفشية في بلادنا بمختلف أشكالها وصورها، فإن تغير النظرة إلى المرأة ودورها في الحياة سيظل باهتا ومحددا. الصور النمطية أما السبب الثاني كما يرى الدكتور يقطين فيكمن، في عدم القدرة على تجاوز الصور النمطية المشكلة عن المرأة عبر الحقب والعصور، إن المتخيل الجماعي الذي تشكل بصدد المرأة، والذي تغذيه المرأة نفسها، واعية بذلك أو لا، لا يزال يفعل مفاعيله في إدامة تلك الصور السلبية، من جهة، وجعل تغير النظر إلى المرأة يتم بشكل تدريجي وبطيء، من جهة ثانية. كما يؤكد يقطين على أن التصدي لمواجهة السببين معا لتغيير النظر إلى المرأة، وجعل مشاركتها في الحياة تتم بلا إقصاء أو إبعاد لأي اعتبار، رهين بتحقق مطلبين اثنين. يتمثل المطلب الأول في اعتبار “قضية المرأة” قضية وطنية تمس مختلف مكونات المجتمع، رسميها وشعبيها، ودون تمييز بين “المرأة” في المدينة أو في القرية والمناطق النائية. بين المرأة التي تنتمي إلى الطبقات والفئات الميسورة أو تلك التي تنتمي إلى الطبقات الفقيرة والمهمشة. ولا بد في هذا الإطار، من إيلاء الأولوية للمرأة في المناطق النائية التي لا تزال تعيش خارج العصر. أما المطلب الثاني فيبرز في ضرورة اضطلاع المرأة “المثقفة” بدور وازن في الحياة العامة، وعن طريق مؤسسات المجتمع المدني، للتحسيس بمشاكل المرأة والارتقاء بقضاياها إلى مستوى أعلى يؤهلها لفرض وجودها بصورة إيجابية وعملية، ولابد، هنا، من خوض نقاش فعلي عبر مختلف وسائل الإعلام والوسائط الجماهيرية، واستثمار مختلف أشكال التعبير لجعل قضية المرأة حاضرة أبدا، وليست مسألة عابرة ترتبط بمناسبات معينة. إن هذين المطلبين موجودان، بشكل أو بآخر. لكنهما لا يبدوان ركيزة أساسية للانتقال بوضع المرأة نحو الأفضل، لأنهما لا يزالان يمارسان بذهنية تقليدية وأفق مسدود، ومتى تغيرت أشكال وصور ممارسة هذين المطلبين، وفق إستراتيجية محددة، وطويلة النفس، لا يمكن تحقيق المقصود: تطوير وضع المرأة في المجتمع وتغيير النظر إليها... كما يشير الدكتور سعيد يقطين إلى أن نعيمة هدي المدغري تضطلع “بإعادة صياغة كل الجدل الدائر حول المرأة، منذ أن صارت المرأة “قضية” و”موضوعا” للسؤال والتفكير، و”ذاتا” للإبداع، وإبداعها “موضوعا” للنقد، فتنبري له بحس نقدي رهيف، ووعي نظري عميق، فتتبع الجزئيات والتفاصيل، وتحيط بموضوع المرأة في الحياة والإبداع والنقد”. المدارس الفرنسية والأميركية ترصد الباحثة نعيمة المدغري الآراء بحسب المدارس الفرنسية والأميركية وتقف بحنكة المتبصرة على الفروقات الدقيقة وتصوغ أسئلتها وهي تحلل مختلف التصورات والمواقف بهدوء يخفي قلقا عارما وهوسا عميقا بالنفاذ إلى بواطن القضايا والإشكالات. وحين تنتقل إلى الفضاء العربي، تعاين كيفية انتقال الأفكار وهجرة التصورات وطرق التفاعل معها، فتقف على مختلف ما يمور في الساحة العربية والمغربية، وما تمليه من مواقف وشؤون خاصة. تتبع القضايا من جذورها وترصدها من مختلف زواياها، فتبرز لنا أصول تحول قضية المرأة العربية والمغربية منذ عصر النهضة إلى الآن، ودورها في الصحافة والإبداع السردي والروائي، ومختلف الاتجاهات والآراء بصدد الإبداع لدى المرأة. إن كتاب نعيمة المدغري كما يقول الدكتور يقطين بكل صدق مقالا في التركيب تنصهر فيه كل قضايا الإبداع النسوي ونقده، عربيا ومغربيا ودوليا، وتجتمع فيه كل الآراء والتوجهات، في اختلافها واشتراكها، حول المرأة. للباحثة نعيمة المدغري تصورها الخاص الذي تشكل لديها من خلال إمعان النظر والتأمل في مختلف التصورات، فجاء مؤسسا على فهم عميق لقضية المرأة وعمومها، ولإبداعها ونقدها بصورة خاصة”. ولا تختلف الباحثة نعيمة المدغري مع بيير بورديو في إشكالية النسوية، فهذا الأخير يرى أن “عمل سيمون دوبوفوار “الجنس الثاني” قد دشن لما يتجاوز النصف قرن النسوية الحديثة، وهو أقل تقادما مما ترفض الإيمان به نساء كثيرات، مثل سيمون دوبوفوار في شبابها، بحيث أنهن يتخيلن، اليوم، أنفسهن معاملات على قدم المساواة مع الرجال. إنهن لم يفكرن قط في أن وضعهن كنساء يمكن أن يكون له تورط اجتماعي: “إني لا أفكر كامرأة، كنت أنا”، كما كانت تقول سيمون دوبوفوار دائما. إلا أن الدراسات لا تؤكد هذا، إذ إلى غاية التسعينيات من القرن العشرين لم تقتحم النساء بعد، وبشكل واضح، المؤسسات الثقافية والسياسية حتى في أميركا. هذا الاعتقاد رسخ انشطارا صارخا في أوساط المثقفين والمثقفات حيث نفر البعض من النسوية لأنها تفضح المسكوت عنه، وتجهر بهموم المرأة وتستهدف التغيير والمساواة مع الرجل. ورفضتها بعض النساء أيضا مخافة تهميش جديد أو صراع مع الرجل، أو مخافة إدماجهن ضمن النسائي المنبوذ والمحتقر. بينما افتخرت مبدعات متميزات بانتماء كتابتهن لهذا التيار، وتمنت أخريات أن يتمكن في يوم ما من تحقيق تراكم إبداعي ينتمي لهذا الصنف من الكتابة الملتزمة بقضية المرأة والمستهدفة لتغيير وضعها وتحقيق المساواة”. الموروثات الذكورية كما ترى نعيمة أنه “بفضل نضالات النسوية أيضا، نلاحظ اليوم اهتماما عالميا بقضية المرأة، وبالكتابة النسائية، وبالوعي والفكر النسائي، بعد زمن طويل من التهميش والتعتيم، لتترجم كفعل يسعى للتأثير في المجتمع والتفاعل معه، من طرف الدراسات الاجتماعية واللغوية والتاريخية والسيكولوجية. وتؤكد المؤلفة على أننا لا نستطيع إنكار المجهودات الجبارة التي قامت بها النسوية في مختلف المحطات التاريخية والحضارية التي قادتها نساء طمحن للمساواة بمعية رجال، استطاعوا التخلص من الموروثات الذكورية، وترسخت لديهم قناعة بكفاءة النساء في مختلف المجالات الفكرية والإبداعية والعلمية، وآمنوا بضرورة تحقيق المساواة بين نساء ورجال هذا العالم من أجل مجتمع ديمقراطي وحداثي”. ولقد حاولت المؤلفة “دحض نوايا الإدانة عن كل الإنتاجات المتناولة لقضايا المرأة، فيما سيأتي من صفحات هذا الكتاب، من خلال دراسات في النظرية النسوية، واعتبارات لها علاقة بسوسيولوجية الثقافة، والبحث السيكولوجي واللغوي والتحليل الأدبي والنقدي”. وتشير المؤلفة إلى “أن النسوية في الغرب دشنت “المطالبة بالمساواة في الحقوق، انطلاقا من المطالبة بحق الاقتراع لأواخر القرن التاسع عشر، ثم الكفاح من أجل المساواة مع الرجال في جميع الميادين، إذ كان كتاب “الجنس الثاني” لسيمون دوبوفوار بيانا عاما، ثم جاءت المرحلة الثالثة من نهضة النساء في نهاية ستينيات القرن العشرين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©