الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسرار داخل غرف السادة.. والعبيد

أسرار داخل غرف السادة.. والعبيد
24 مارس 2010 21:17
الغرفة هي المساحة المحاطة بأربعة جدران: هي مكان للراحة والحب، للتعبّد والتأمّل، للولادة والموت. وقد اختارت المؤرّخة الفرنسيّة والاستاذة الجامعيّة ميشال بيرو Michelle Perrot تاريخ الغرف عبر العصور لترويه في كتابها الصادر هذه الأيام باللغة الفرنسية. والمؤلّفة (81 عاما) قضت ثلاثة أعوام بأكملها في البحث والتحقيق لإنجاز هذه الوثيقة التاريخية والاجتماعية الممتعة والمفيدة. تتساءل المؤرخة: من منّا لا يرغب في أن يرى على شاشة التّلفزيون مثلا أو في صفحات جريدة أو مجلّة غرفة نوم هذا الملك أو ذاك، فالغرف الّتي تكون تحت تصرّف كبار القوم تثير الفضول وتغذّي الخيال والفضول، وقد كشف الكتاب عن تاريخ الغرف وما نسج حولها من قصص، وخصصت فصلا لغرف ملوك فرنسا، فغرفة نوم لويس الرّابع عشر مثلا كان يديرها ويشرف على ترتيبها ونظامها وبروتوكولها عشرات الخدم بمراتب ومهام مختلفة، والطّريف أنّ غرفة نوم الملك لويس الرّابع عشر لم تكن مكانا لحياته الخاصّة، بل إنّه لم يكن ينام بها أصلا، فحالما تنتهي المراسم الدقيقة المرافقة لنومه وحالما يختلي بنفسه يسارع بالالتحاق بغرفة نوم الملكة! وعند الساعات الأولى للفجر يلتحق الملك من جديد بغرفة نومه استعدادا لمراسم الاستيقاظ، وبعيدا عن مراسم نوم الملك لويس الرابع عشر ويقظته، فإنّ المؤلّفة تحدثت أيضا في كتابها الممتع عن مكانة الغرفة في حياة الإنسان العادي الذي يقضي نصف عمره في الغرفة، فيها ينام وبها يحبّ، وبها يولد وبها يحتضر ويموت، فيها يكتب ويحلم نائما أو مستيقظا! السرير والمرآة وفي أوروبا فإنّ “غرفة النّوم” كانت طيلة عقود خاصّة بالأثرياء والنّبلاء والطّبقات الميسورة، ولم تصبح عامّة لدى الطّبقات الوسطى إلاّ عام 1840، ثمّ ظهرت عام 1880 الخزانة ذات المرآة الكبيرة، والطّريف أنّ سرير غرفة النّوم أصبح يذكر ويدوّن في عقد الزّواج وأصبح بمرور الزّمن أصغر حجما وأقلّ علوّا وأكثر رفاهة، وقد اهتمت الكاتبة اهتماما خاصا بمكانة السرير في غرف النوم وأشبعته وصفا عبر مختلف العصور وحللت مكانته معتمدة في سرد كلّ هذه التّفاصيل على وثائق عديدة وأرشيف ضخم، ومن أطرف ما ذكرته المؤلّفة أنّ عديد الكتب الهامّة حرّرها أصحابها رجالا أو نساء وهم متكئين في غرفهم! في غرفة النوم يتخلص الإنسان من “الأقنعة” الاجتماعية ليرتمي في ملذاته أو أحزانه.. أو تأملاته وأحلامه أو أن يصيبه الأرق إلى مطلع الفجر! يكون الجسم في غرفة النوم عار او مرهق او يشتعل شهوة وهذه الأحاسيس والغرائز والمشاعر تولد كلها بين أربعة جدران، والكتاب يضع كل ذلك في إطار الغرفة. بكل ما يتوفر فيها من أثاث ومن ديكور وإضاءة. ولم تكتف الكاتبة بوصف الغرف بل انها ذهبت إلى “الكواليس” لتتسلل بعين المؤرخة الى الجزئيات والتفاصيل التي تصب كلها في دراسة أهمية الغرفة ومكانتها في حياة الانسان. وخصّصت المؤلّفة فصلا لغرف الفنادق وما يرافقها من قصص مثيرة ومشوّقة ومؤلمة أحيانا، فالبعض يختلي بعشيقته في غرفة في فندق وآخر مثل الشاعر والروائي النمساوي Rilke الذي قرّر عام 1926 أن يضع حدّا لحياته وحيدا في غرفة فندق، أو مثل ما حدث للشاعر والروائي الفرنسي “Genet” الذي مات فجأة يوم 15 نيسان 1986 في غرفة فندق كان يقيم فيها. تحدثت المؤرخة بإطناب عن كل التفاصيل التاريخية والمعمارية والحضارية التي أحاطت عبر مختلف العصور بغرف الكتّاب والشعراء التي اختلوا بها لتأليف أمهات الكتب في مختلف فنون الإبداع الفكري، واستنتجت ان الغرفة تحتل مكانة في حياة الكتاب تنعكس على إنتاجهم الأدبي، وفي بعض الروايات فإنّ البطل يعيش الأحداث بين دخوله لغرفة والخروج منها. كما وصفت ميشال بيرو بإطناب غرفة الفقراء والتي كانت في أوروبا وإلى وقت قريب تأوي عائلة بأسرها، وقد ظهرت براعة المؤلفة في الوقوف على الجزئيات والتفاصيل الصغيرة التي جمعتها بأناة ودقة من الوثائق التاريخية ومصادر أرشيفية أخرى موثوق بها، ولم تهمل المؤرخة غرف الخدم ايضا وما يسودها من أجواء وما يدور بها ويحاك بين جدرانها، كما ورد في الكتاب وصف لغرفة الطفل، وغرفة الفتاة، وغرفة الطالب، وأيضا غرفة السجين والمريض. والكتاب لا يقف حد الوصف الدقيق، بل ان المؤلفة تحلل وتستنتج وتشرح المعطيات وتقدم المعلومات لمساعدة القارئ على الإحاطة بكل الجزئيات وفهم الدلالات الاجتماعية والنفسية والتاريخية لكل صنف من الغرف
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©