الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهمة بناء الأمم ··· بين العراق وألمانيا

مهمة بناء الأمم ··· بين العراق وألمانيا
12 ابريل 2008 01:30
عليك بسحق العدو، حققْ النصر، أطحْ بالطاغية ودمر نظامه، أزل أيديولوجيته من الوجود، ثم ابدأ بترسيخ الديمقراطية والسلام· أوه··· كاد يفوتني القول: وعليك أن تفعل هذا في قارة تبعد عنك آلاف الأميال، بينما أنت تنشغل بحرب حياة أو موت أخرى· ولمجرد التذكير، فإياك أن تنسى أن تتأكد دائماً من أنك تخطو خطوات حلفائك نفسها: أعد جنودك إلى الديار في أقرب وقت ممكن· فهل هذه مهام مستحيلة؟ ربما تبدو كذلك بالفعل، بدخول الحرب العراقية عامها السادس، ومع مصرع 4 آلاف جندي أميركي بسبب استمرار النزاع، بكل ما صحب ذلك من تدنٍّ مريع لشعبية الرئيس بوش، بينما لا تزال الشكوك تحيط بمدى جدوى استراتيجية زيادة عدد القوات· ولكن على رغم ذلك، لابد من توخي الحذر من القفز إلى الاستنتاجات المتعجلة· فقبل ما يزيد على 60 عاماً، وإبان الحرب العالمية الثانية، لم يشعر الرئيس الأميركي الأسبق، القائد الأعلى لقوات ''الحلفاء''، دوايت إيزنهاور باستحالة المهمة التي أوكلت إليه، على رغم كونها أشد صعوبة وتحدياً· فمع انتهاء حملته في أوروبا وثنائه على جنوده وموظفيه على حسن أدائهم خلال مراسم حفل ذلك الوداع الشهير الذي أقيم في مدينة فرانكفورت، لم يكن ثمة وجود للجيش النازي· وعندها كان هتلر قد غادر الحياة بينما حل حزبه النازي، واصطف مجرمو الحرب بالآلاف وراء القضبان في انتظار المحاكمة· واكتملت هذه الخطوات ببدء العمل في اجتثاث النازية، في حين أصبح الجزء الغربي من ألمانيا، الذي لم يحتله الجيش السوفييتي، في طريقه الواعد إلى إحدى أكثر الديمقراطيات الليبرالية الغربية ازدهاراً· ومع انتهاء ذلك الحفل، كان ''الرايخ الثالث'' قد تحول إلى مجرد ذكرى من ذكريات التاريخ· والسؤال هنا: هل عجزت الولايات المتحدة عن تكرار ما أجادت فعله في ألمانيا ما بعد النازية قبل 60 عاماً، في عراق اليوم، إثر ذلك السقوط الرمزي المدوي لتمثال صدام حسين، وعقب إعلان بوش الشهير عن ''انتهاء المهمة العراقية'' من سطح إحدى حاملات الطائرات المقاتلة في الأول من مايو من عام 2003؟ ربما لا تكون إثارة هذا السؤال ملائمة أصلاً· إذ ما أشد التباين بين ألمانيا عام 1945 وعراق اليوم· فعلى رغم كارثة النازية والرايخ الثالث، إلا أن ألمانيا عرفت أن لها تراثاً عريقاً من سيادة القانون والنظام والحكم الدستوري ومؤسسات المجتمع المدني، وهي جميعها موارد استعانت بها في إعادة بناء مجتمع ما بعد النازية· ولم تكن ألمانيا دولة تمزقها النزاعات الطائفية الدينية العرقية، التي سرعان ما برزت إلى السطح مع زوال القبضة الحديدية لنظام الطغيان الذي استمر في حكم العراق حوالي ثلاثة عقود من الزمان· وعلى رغم أن لألمانيا ما بعد العهد النازي أعداءها وخصومها -لاسيما شطرها الشرقي الموالي للسوفييت- إلا أن التهديد الذي كانت تمثله هذه الدول، كان عامل وحدة سياسية ولم يكن سبباً لتشرذمها وتفككها الداخلي· ولكن على رغم هذه الفوارق، إلا أنه يصعب النظر إلى عراق ما بعد صدام، الذي تجاوز عامه الخامس وهو لا يزال حبيس دوامة النزاعات والعنف، دون أن تخطر للمرء فكرة ما إذا كانت المعرفة الأفضل بتاريخ إعادة ألمانيا ما بعد النازية، ستكون لها فائدتها ودورها في إعادة بناء عراق اليوم· وربما يوجد هنا من يبدي ارتياحاً، لا مصدر آخر له سوى التفاؤل، لفكرة أنه لا يزال سابقاً لأوانه كثيراً الإعلان عن فشل مهمتنا العراقية هذه· وربما اتسم حديث السيناتور جون ماكين عن قابلية استمرار وجودنا العسكري في العراق إلى نحو 100 عام، بشيء من المبالغة، إلا إن علينا ألا ننسى أن احتلالنا لألمانيا ما بعد النازية، قد استغرق عقداً كاملاً من الزمان· واليوم يحمل منتقدو إدارة بوش على بول بريمير -رئيس سلطة التحالف المؤقتة سابقاً في العراق- بسبب فصله للبعثيين من كافة المرافق العامة، وكذلك بسبب حله للجيش العراقي، واصفين هذين الخطأين بالكارثية· ولكن لنذكر أن سياسات مماثلة قد طبقتها قوات ''الحلفاء'' في ألمانيا ما بعد النازية· وشملت تلك السياسات حل الحزب النازي وتسريح الموظفين الموالين له من كافة المرافق العامة، بل لقد شملت إجراءات ''التطهير'' نفسها إلغاء دولة بروسيا التاريخية، التي ساد الاعتقاد بأنها موطن النزعة العسكرية الألمانية· وبينما زج بالآلاف من سجناء الحرب من الجنود وراء القضبان، واصلت عائلاتهم معاناتها طلباً للقمة العيش والبقاء· ولكن لم يكن لأي من هذه الإجراءات تأثير جوهري بحيث يحول دون إعادة بناء ألمانيا· والسبب هو سيادة النزعة البراجماتية في سياسات وخطط إعادة البناء تلك· فقد كان واضحاً جداً أنه يستحيل إنجاز مهمة إعادة البناء دون مشاركة أعداد مقدرة من المواطنين الألمان، من ذوي الخبرات والقدرات والمهارات، بمن فيهم أعضاء سابقون في الحزب النازي· ولم تتمكن من انتشال ألمانيا من أزمتها الاقتصادية التي كانت تهدد بنسف تجربتها الديمقراطية من جذورها حينئذ، سوى ''خطة مارشال'' القائمة على برنامج للمساعدات المالية الضخمة، خصصته لها الولايات المتحدة· وبفضل برامج إعادة البناء التي قامت عليها تلك الخطة، تمكن الألمان من استعادة حكمهم الذاتي في عام ،1949 لتبقى قوات التحالف بصفة المحتل في ألمانيا الغربية لمدة 10 سنوات لاحقة لسقوط الرايخ الثالث· وبهذا نخلص إلى أن إعادة بناء العراق تظل مهمة ممكنة، إلا أنها تتطلب الكثير من الصبر والجهد والوقت والروح العملية الواقعية· ديفيد ستافورد مؤلف كتاب نهاية اللعبة 1945: الفصل الختامي الغائب من الحرب العالمية الثانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©