الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الفن للفن ·· أم للحياة؟

12 ابريل 2008 02:19
يزعم بعض النقاد أن القصيدة العربية قديمها وحديثها خالية من أي مضمون، وما هي إلا صرخة ذاتية تعبر عن هموم الشاعر الفردية الضيقة دون أن يكون لها علاقة بالواقع الاجتماعي ومشكلات الحياة، وهذا يفضي بنا إلى قضية أدبية كثر الجدال حولها واتسع وهي قضية الالتزام· فهل الفن للفن·· أم الفن للحياة؟ وإذا كان الشعر ديوان العرب فمن الطبيعي أن يرصد الشعر كافة الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها المجتمعات العربية منذ الجاهلية حتى يومنا هذا، فالشاعر الجاهلي كان وزير إعلام قبيلته، والناطق باسمها، في صلحها وحربها، وكرها وفرها، وأحزانها وأفراحها، وهذا ما عبر عنه أحد الشعراء بقوله: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد ذلك هو الشاعر العربي المتعصب لقومه وعشيرته على الحق والباطل، والخير والشر، والتزامه بهموم قبيلته لا حدود له· ولا ينسى دور الشاعر العربي الكبير زهير بن أبي سلمى في تمجيد الصلح الذي قام به هرم بن سنان والحارث بن عوف في فض الخلاف، وتحمل الديات بين قبيلتي عبس وذبيان وإحلال الصلح والوئام بين بيتين من بيوتات العرب الكبيرة ومن قوله: تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم وعندما جاء الإسلام تطورت نظرة الشاعر، وأصبح التزامه لمبدأه وعقيدته ودينه، كما هو معروف عن حسان بن ثابت في منافحاته عن الرسول عليه السلام وذوده عن راية الإسلام في وجه الخصوم من الشعراء المشركين· وتطور الالتزام في العصر الأموي والعباسي، وأصبح الشعر أكثر قوة، وظهر ما يعرف بالشعر السياسي، ومن الشعراء الذين عبروا عن هذه المرحلة الكميث بن زيد الهاشمي، وعبد الله بن قيس الرقيات والأخطل وجرير والفرزدق، وظهرت النقائض التي هي أكبر سجل للشعر السياسي العربي عبر بها الشعراء الثلاثة عن نزعاتهم النفسية والقبلية والفكرية والسياسية· ولقد برز في العصر العباسي نوع من الشعر يمكن أن نطلق عليه الفن للفن، حيث أصبح الشعراء يتفننون في وصف جمال الطبيعة، بعد أن رقت الحياة وساح الشعراء في الأمصار، ورأوا مناظر لم تكن تخطر ببال شعراء الجزيرة العربية من مثل وصف البحتري لبحيرة المتوكل وإيوان كسرى· وهذا هو المتنبي يبهر بجمال (شعب بوان) فيكتب قصيدة من أرق قصائد الشعر العربي في وصف الطبيعة مطلعها· مغاني الشعب طيباً في المغاني بمنزلة الربيع من الزمان وليس الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان ملاعب جنة لو ساد فيها سليمان لسار بترجمان أما الالتزام فإن البحتري عبر عنه ببيت خالد من الشعر الإنساني···· فلا نزلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا لعل فيلسوف المعرة هذا كان يتأمل الحياة بصورة تراجيدية، ويمتلك رؤية فكرية نفاذة جعلت منه أستاذ الفلاسفة، وشاعر الشعراء، إنه مزيج من أحلام الشاعر ورؤية الفيلسوف، لذلك يبقى أبو العلاء المعري أبد الدهر متميزاً واستثنائياً· وهذا أبو تمام يعبر عن فرحة العرب بانتصار عمورية، وتحطيم سطوة الروم بقوله في قصيدة مشهورة· السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب وفي مرحلة لاحقة من العصر العباسي نجد المتنبي يجسد الشخصية العربية بكل طموحاتها وآمالها القومية، كذلك معاصره أبو فراس الحمداني الشاعر الفارس الذي خلد انتصارات سيف الدولة ومعاركه مع الروم، ومن أشهر قصائده تلك التي جادت بها قريحته عندما وقع في الأسر· أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى ولا فرسي مهر ولا ربه غمر ولكن إذا حم القضاء على امرىء فليس له بر يقيه ولا بحر بعد هذه الفترة من الزهو العربي انحدر الشعر العربي في العصرين المملوكي والتركي بسبب انحدار الواقع السياسي وتقلص النفوذ العربي وسيطرة غير العرب على مقاليد الأمور، فأصبح الشعراء يسيرون في ركاب الحكام والولاة، وهذه فترة عابرة في تاريخ الشعر العربي عرفتها الكثير من الأمم والشعوب إبان الأزمات والمحن والسقوط· أما في عصرنا الحالي فهناك شعراء كبار على الخريطة الشعرية العربية، وأهم ما يميز هؤلاء هو الانفتاح على تجارب شعرية عالمية، مما يجعلنا نقرأ لهم أبدع روائع الشعر العربي، وهؤلاء الشعراء منتشرون في كل بلد عربي، ويمثلون الصفوة التي تدعو الناس إلى التفاؤل، وعدم الإحباط ، والتفاعل مع الحياة الجديدة القائمة على الحب والفن والتذوق الجمالي في الأدب والفن والموسيقى، إضافة إلى أن الشعر الحديث حقق تقدماً كبيراً في الانعتاق من القصيدة التقليدية ، وشعر التفعيلة، وأصبح الشعراء يركزون على الصورة الفنية والنواحي الوجدانية والخيال الجامح·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©