السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لغة الجسد بديلاً عن الحكي والشكوى

لغة الجسد بديلاً عن الحكي والشكوى
19 مارس 2017 22:24
إبراهيم الملا (الشارقة) افتتح عرض «خريف» لفرقة مسرح أنفاس المغربية، مساء أمس الأول في قصر الثقافة في الشارقة، عروض الدورة الـ27 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، احتفاء باقتناص العرض لجائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كأفضل عمل متكامل في الدورة التاسعة من مهرجان المسرح العربي، والتي أقيمت فعالياتها في مدينة مستغانم في الجزائر العام المنصرم. ينطلق عرض «خريف» من المستوى الدلالي لعنوانه، حيث يسود الخمود والذبول والانطفاء بمعية حضور أنثوي يستعير الجسد كبديل عن الحكي والشكوى والسرد المُعذّب، جسد يطل كبرزخ ويهيم في المرايا ليروي قصة المرأة المحاصرة حتى العظم بمرض السرطان، وهي رواية ستكون ناقصة ومبتورة على الدوام، ذلك أن الألم لا يستحيل إلى لسان، كما أن الوجع الهائل سيظل رهين هذا البدن الذاوي، والطاعن في اليأس حدّ التشظّي. يبدأ العرض بدخول الشخصية المحورية الممثلة سليمة مومني وسط ديكور متقشف في منتصف وعمق الخشبة، حيث قطع الملابس الممزقة وكرسي دائري يربض على مشهدية الخراب والفوضى، وفي الخلف نرى الدولاب المغلق على مرآة خادعة، تخرج منها «الشخصية الراوية» الممثلة فريدة بوعزاوي لتترجم ثلاثية البوح والضمير والذاكرة في المنطوق الأخرس للجسد المريض. تتبادل الشخصيتان مواقعهما المأساوية بدقة، وسط تناغم ينهض من الدمار النفسي والروحي، ومتشبثاً في ذات الوقت بالإرادة والأمل والمقاومة، كجسور مضيئة تتجاوز فكرة الموت المعتمة. ورغم المناخ الداكن للعرض، فإن الثوب الأحمر القاني الذي ترتديه الشخصيتان، سيكون بمثابة الاحتفال المعنوي والترجمان البصري الأفصح لهزيمة الداء الشرس والمستشري في جسد مهدّم، يستحضر معاناة الآلاف من النساء المبتليات بهذا المرض، وسيكون الصوت الواحد هنا باباً ومنفذاً لآلاف الصرخات والاستغاثات المنسية في مجتمعات خانقة، أُسّست على قهر المرأة وكبت حريتها إزاء التابو الذكوري، وصولاً إلى الخلاص المرتجى من هذا الداء التسلّطي الفادح. تستعيد الممثلة فريدة بوعزاوي صورة الزوج الغادر والأناني، الذي يهجر زوجته المصابة بالسرطان، لتكشف عن صدمة الخذلان، وعن أكثر صوره قسوة وجبروتاً، وتقول للجمهور: «إنها لمعادلة ظالمة: أن توضع المرأة المريضة دائماً على الرفّ ». وفي المقابل تستعين الممثلة سليمة المومني بجسدها المتعالي فوق الجراحات، كي تراقص الضوء في حلبة هائجة من عناق الأرواح وانصهارها وتجلّيها وسط ذلك السديم الممتد، حتى آخر شهقة للكائن الحرّ، المتخلص من عبودية الإرث والعادة. امتاز عرض «خريف» بمكوّنه السيميائي المحتشد، ولغته التعبيرية العالية، واستطاعت المخرجة أسماء الهواري توفير حلول وبدائل متنوعة لتجسيد الشذرات النصية للمؤلفة فاطمة هوري، مستثمرة في ذلك طاقة «الكوريغرافيا» أو الكتابة بالرقص، كوسيط ذهبي هنا بدلاً من الحوارات المطولة والشروحات الفائضة، واستطاعت سليمة المومني بجسدها المرن وأدائها الساطع، أن تحوّل الموسيقى الحيّة على الخشبة إلى مانفيستو صارخ ضد النفي والهزيمة والنكران، وكانت اللغة غير اللفظية للرقص من خلال الإيماءات الجسدية هي التعبير الأكثر بهاء عن التوق للحرية من المرض العضوي أولاً، ومن المرض الاجتماعي ثانياً. ظل هذا النسق الكوريغرافي يحفر عميقاً في المسارات المتتالية للعرض، واستمرّ أثره مهيمناً وسط الجمهور حتى بعد إسدال الستارة وختام العرض، هذا الأثر الباقي كان الصدى الذي راهنت عليه المخرجة، فحقّقت مبتغاها بأسلوب أدائي رشيق وبموسيقى زاهية ولصيقة بالشيفرة الضمنة للعرض، حيث ارتقى الضمير الأنثوي وأزهر وأثمر رغم كل التصاوير الخريفية الموحشة، المحيطة بنا، والساكنة في موروثنا المعرفي المتراكم والمُنتهك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©