الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هلاوس

هلاوس
18 فبراير 2012
بعد عمر اقترب من خمسين عاماً تعلمت قاعدة مهمة، هي أننا نكره من ينتقدنا جداً مهما تظاهرنا بالتحضر.. قل لي رأيك بصراحة في شخصي أو كتاباتي ولسوف ابتسم وأهز رأسي في تحضر ورقيّ، وبروح رياضية حقيقية، لكني في أعماقي سوف أتمنى لو أحطم رأسك.. في فيلم «آخر الأساطي»- وهو من أفلام إيليا كازان- يلتقي منتج من منتجي هوليوود مع مؤلف سيناريو مطحون، وتدور بينهما مناقشة متحضرة مثقفة.. لكن بعد عشر دقائق بالضبط تتحول المناقشة إلى أن ينزع كل منهما سترته، ويقف بثيابه الداخلية.. ولما كان مؤلف السيناريو ضخم الجثة مفتول العضلات، فإنه يؤكد أنه سيضرب المنتج علقة ساخنة.. كان يحلم دومًا بأن يضرب منتجًا علقة حتى يبكي كالأطفال على الملأ، أما المنتج فراح يردد باكيًا: - «ألم تقل إنها ستكون مناقشة راقية ؟» والنتيجة طبعًا هو أنه أكل علقة ساخنة جدًا. من الأمثلة الواضحة كذلك ما قام به فان جوخ من عقاب قاس للنفس لأنه فشل في مناقشة فنية راقية مع جوجان.. النتيجة هي أنه ذهب لبيته ووقف أمام المرآة وقطع أذنه بالسكين!.. والخطأ الشائع طبعًا هو أنه قطع أذنه ليهديها لحبيبته.. لكن الواقع أغرب ! أعرف هذه العلامات بسهولة عندما يدعوني أحدهم لنقاش مثقف، فإذا كانت حجتي قوية راحت ركبته تهتز تحت المنضدة في عصبية، مع نظرة مجنونة في عينيه ولعاب يسيل على جانب فمه... عندها أعرف أنه لم يعد يتحمل كل هذا القدر من الرقي الحضاري. هناك أشخاص يمارسون هذا بشكل مختلف نوعًا.. إنهم يجيدون التحمل ويصبرون فلا يظهرون الغيظ.. وبعد قليل يهاجمون شيئًا آخر فيك... مثلاً يدور بيننا نقاش ساخن... أقول لك إنني متفتح وأقبل النقد بصدر رحب.. تقول لي: - «أنت كاتب تافه ..» هنا أبتسم في تفهم ورقي وأهز رأسي.. هذا رأيك وهذا من حقك.. لكني بعد قليل ألاحظ ملاحظة غريبة هي أنك تبعثر اللعاب عندما تتكلم.. كذلك ألاحظ أنك تمشط شعرك بشكل سخيف.. أعلن عن رأيي في ضيق وأنصحك بألا تبعثر اللعاب ثانية.. ثم أنتقد طريقتك في التهام المكرونة. سبب أن طريقتك في التهام المكرونة سخيفة هو أنك قلت إنني كاتب تافه! لاحظت هذا الأسلوب كثيرًا واعتقد أنه أكثر شيوعًا مما نعتقد. في الفترة التي أكتب فيها مقالات تغضب الناس يجدون أن قصصي سخيفة جداً.. بينما أتحول لمؤلف قصصي ممتاز عندما أكتب مقالات تروق للناس. الخلاصة هي أن عليك ألا تكون ساذجاً وتعتقد أن من يدعوك للكلام بصراحة يريد هذا فعلاً. سوف يخسف بك الأرض لو قلت رأيك فيه. وطبعًا هذه النصيحة أشد هولاً إذا كنت تتكلم عن أنثى. هناك مجانين طلبت منهم الزوجات أن يخبرونهن بعيوبهن.. يفكر الزوج قليلاً ثم يقول: ـ»ربما.. إن طعامك ليس أفضل طعام في العالم..: تضحك في إشراق وتسأله المزيد: - «و ...؟» - «أنت بدينة نوعاً وثيابك لا تناسبك» فيبدو الدلال في عينيها: - «وماذا أيضاً ؟» - «أنت لا تفكرين كما يجب.. هذا كل شيء على ما أظن..». في اللحظات التالية سوف يعرف هذا الرجل كيف ومتى أخطأ، ولسوف يتمنى لو كان التهم لسانه قبل أن يتكلم.. الخلاصة.. لا تقل رأيك.. لا تقل أي شيء على الإطلاق. فلا أحد يلوم الأسماك أبدًا ! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©