الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيخ الأزهر الجديد: أنتمي إلى «وادي البسطاء» وأنحاز للضعفاء وأكره ظلم الرجل للمرأة

شيخ الأزهر الجديد: أنتمي إلى «وادي البسطاء» وأنحاز للضعفاء وأكره ظلم الرجل للمرأة
25 مارس 2010 20:30
قال الكثيرون كلاما لا أول له ولا آخر عندما ترك الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الجديد موقع مفتي الديار المصرية وأصبح رئيسا لجامعة الأزهر، لكن خلاصة القول إنه أزيح من موقعه لخلاف ما مع شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي، أو لأنه كان متشددا في بعض الفتاوى وليناً في البعض الآخر، لكن د. الطيب حسم الموقف بقوله إنه رأى أن طبيعته لا تصلح لدار الإفتاء وطلب من شيخ الأزهر الراحل إعفاءه، فقد كان يعكف على قراءة 100 قضية إعدام في عام ونصف العام وأفزعه الوجه الآخر للإنسان في تلك القضايا، وقد كثر القيل والقال أن الدكتور الطيب لم يعمر طويلا في دار ألأفتاء، وفي آخر المطاف كانت المفاجأة بأن الدكتور الطيب أصبح في أرفع منصب ديني إسلامي بمصر حين صدر قرار الرئيس حسني مبارك بتعيينه شيخاً للأزهر. والدكتور أحمد الطيب شخصية متعددة الجوانب.. ويجمع بين صفات تبدو للوهلة الأولى متناقضة لكنها بشيء من التأمل تبدو متكاملة، فهو يحمل صرامة الرجل الصعيدي القادم من بلدة القرنة بالأقصر، ويحمل استنارة وليونة الرجل المتحضر، ولديه زهد المتصوفين الذين ينتمي إليهم، لكن لديه أيضا أناقة أهل المدينة بحيث تشعر بأنه مقبل على الدنيا قدر إقباله على الآخرة. من أسرة بسيطة يصف الدكتور الطيب نفسه بأنه بسيط من أسرة بسيطة لكنها متميزة من الناحية العلمية والاجتماعية لا من الناحية المادية، فأجداده جميعهم تقريباً من العلماء الذين كانوا على مر التاريخ قدوة ومصابيح للهداية في مجتمعات تعج بالظلم والظلام. ويقول إنه اكتسب صفاته بالإضافة إلى جده الأكبر العالم الجليل الذي توفي عام 1956 عن عمر يناهز مئة عام، من بلدته القرنة بمحافظة الأقصر في جنوب مصر فهذه البلدة لا هي قرية ولا هي مدينة ولا هي خليط بين الاثنتين لكنها تجمع كل تاريخ وحضارات مصر المتعاقبة منذ الفراعنة. ويضيف الدكتور الطيب: تعلمت من أبي وجدي الزهد، بل أحببت هذا الزهد ولا أحب الترف والمترفين ولا زهوة الدنيا ومنصبي الذي أنا فيه الآن جاء على غير سعي مني. ويتحدث عن البيت الذي ولد فيه بعشق كبير فيقول إنه لم تكن له في هذا البيت غرفة مستقلة، وكان البيت كله عبارة عن ساحة ضخمة تتسع للجميع، وقد ألحق به مسجد مبني على الطراز القديم كان مفروشا بالحصر المصنوعة من نبات الحلفا القاسي جدا والذي كان ينغرس في جسده عندما كان يصلي في المسجد. ويقول إنه تعلم الحكمة من أبيه الذي كان مأمور البلدة حيث يُرسل إليه المتشاحنون لحل مشاكلهم ودائما كانت مساعي الأب تكلل بالنجاح، حتى اذا كانت المشاكل متعلقة بالثأر والقتل والدم. حلم الطفولة يتبدد يقول الدكتور الطيب: كان المفترض أن ألتحق بالتعليم المدني وبالفعل قدم أبي أوراقي في المدرسة الابتدائية لكن في اليوم الأول للدراسة فوجئت بأمي تقول: لا تذهب إلى المدرسة فقد عدل أبوك عن رأيه وسيلحقك بالكُتاب ثم بالتعليم الأزهري، لأنه رأى رؤيا فظيعة لم يقصها على أحد جعلته يلحقك بالتعليم الأزهري. ويفاجئنا د. الطيب بأن حلم الطفولة الذي كان يراوده هو أن يصبح طيارا، فقد تعلق بمطار الأقصر وأزيز الطائرات التي كانت تمر فوق سطح بيته، لكن الحلم تبدد عندما ذهب إلى الكُتاب وسلك طريقا آخر وحفظ القرآن الكريم كله وعمره عشر سنوات وستة أشهر، وتعلم في تلك المرحلة طقوس البساطة والزهد واحترام القرآن الكريم الذي كانوا يكتبونه على اللوح ويتم محو الكتابة بالماء الذي يوضع في إناء ويدفن في باطن الأرض، والتحق الدكتور الطيب بعد ذلك بمعهد إسنا الديني، وهناك أقام مع تلاميذ من بلدته كانوا يأكلون معا السلاطة والفلافل وعاشوا حياة قاسية لكنها كانت مفيدة وتعلموا منها الكثير. ويقول: في السنة الأولى بمعهد إسنا الديني جاءت النتيجة برسوبي في مادتي النحو والحساب وكان هذا يسمى الملحق وكان الملحق يعني العار بالنسبة للتلميذ، وقد عاملتني أسرتي معاملة قاسية بسبب الملحق فلم تقدم لي أمي الطعام، وكانت حين تراني أتناول طعامي تقول: “الأكل خسارة فيك” وما زلت احتفظ حتى الآن بلمبة الجاز التي كنت استذكر دروسي على ضوئها عامي 1956 و1957. وادي البسطاء والفقراء يمضي الدكتور الطيب في ذكرياته فيقول إنه تلقى تعليمه الثانوي الأزهري في قنا وسكن لأول مرة بيتا يضاء بالكهرباء وكان طعامه اليومي الفول أو العدس ماعدا يوم الخميس حيث كان يذهب مع أقرانه إلى حاتي قنا لتناول وجبة كباب وكفتة. ويضيف د. الطيب: منذ زمن بعيد انتمي إلى وادي البسطاء والفقراء والمساكين وأنحاز للضعفاء، وكنت دائما مع المرأة وأكره ظلم الرجل لها، وأرفض أن يذل الرجل زوجته الأولى بالزواج الثاني ولست ضد الزواج الثاني ولكني ضد الظلم. ويوضح: بعد حصولي على الثانوية الأزهرية رفض أبي أن التحق بكلية التجارة أو اللغات والترجمة وتعلم اللغة الفرنسية وأصر على أن التحق بكلية أصول الدين، وفي الكلية التقيت بأساتذة تلقوا علومهم في أوروبا وبالتحديد جامعة السوربون بفرنسا وكان منهم الشيخ الجليل الدكتور عبدالحليم محمود وكذلك عرفت أستاذا قادما من السوربون أيضا وكان كفيفا متزوجا من فرنسية وكان معه قائد يرشده ويمسك بيديه عصا وتمنيت لو أكون مثله أعمى وأملك نفس علمه ومكانته وبدأت أبحث عن تعلم اللغة الفرنسية ولم تتح لي الفرصة إلا بعد حصولي على شهادة التخرج من الكلية. قرأت لهؤلاء وأضاف: أثناء وجودي بالقاهرة سكنت في حي روض الفرج بشبرا في شقة لا تزال في حوزتي للآن وأتردد عليها كثيرا وأنهي بها أكثر واهم أبحاثي. وكنت أستقل الترام من شقتي في روض الفرج حتى أصل الى العتبة ثم أسير ماشيا حتى أصل إلى كليتي في “الدرّاسة”، وفي ذلك الوقت تفتحت لي آفاق جديدة في القراءة والثقافة وقرأت لطه حسين وزكي مبارك وكان كل المال الذي يرسله لي أبي أشتري به كتبا، ولم يكن يرسل لي إلا القليل لأنه أراد لي مستوى معينا من الزهد والتعود عليه، وكان شراء الكتب يمثل لي خللا دائما في الميزانية لكنني كنت أشتريها وبالتحديد كتب زكي مبارك ومنها كتاباه: “ذكريات باريس” و”ليلى المريضة في العراق” بكل أجزائه، وكنت أبكي حين اقرأ كتب زكي مبارك وكان رجلا بائسا مظلوما حصل على أكثر من دكتوراه ومنعوه من التدريس في الجامعة، وبشكل خاص عشت مع مشكلاته التي قرأت عنها وتعاطفت معه وكان رجلا هائما في الحب والغرام له في كل بلد ليلى أو لبنى. وقال: بعد ذلك قرأت للآنسة مي زيادة وتعاطفت معها ومع كتاباتها وسيرتها بشدة لدرجة أنني حاولت أن أسمي ابنتي “مي” على اسمها ورفض والدي وأصر على أن يسمي ابنتي “زينب”، لكن الغريب أن ابنتي لها وجه يشبه وجه مي زيادة بشكل واضح، وظللت محتفظا بصورة مي زيادة معلقة في بيتي وحزنت حين قرأت أنها ماتت بمرض عقلي، وفي الكلية التحقت بقسم الفلسفة وكنت في كل السنوات أفوز بالمركز الأول وتم تعييني معيدا بكلية أصول الدين، ثم التحقت بالمعهد الثقافي الفرنسي بالقاهرة وتتلمذت على أيدي فرنسيات، ثم حصلت على الماجستير وقررت الذهاب لفرنسا. في الحي اللاتيني قال الدكتور الطيب: سافرت إلى فرنسا مرتين، الأولى عدت بعد فترة قصيرة لأنني مرضت مرضا شديدا ثم عدت لفرنسا مرة ثانية، وفي المرة الأولى سكنت في حجرة ضيقة في فندق فوق السطوح وكانت صاحبة الفندق قاسية معي إلى أبعد حد بلا سبب فتركت الفندق إلى فندق آخر، لكنني التقيت في المركز الثقافي المصري بفرنسا بالدكتور فاروق التلاوي الذي صار بعد ذلك محافظا للمنيا، وقصصت عليه قصتي مع السكن في فرنسا وكان هو يسكن في فندق مخصص للعمال والطلاب جميل ورخيص فأخذني إليه، وفي المرة الثانية عشت في الحي اللاتيني في شقة فاخرة حيث سكنت مع أسرة فرنسية تتكون من زوج وزوجة وابنة التقيت بهم في الأقصر وكانوا قد جاءوا لزيارتنا ومكثوا معي في العنبر الموجود في بيتنا، وكانوا باحثين في الأديان في جزئية التصوف تحديدا، وفي فرنسا منحوني الجناح الذي به الردهة والمطبخ ودورة المياه، وكنا نقتسم أعمال البيت بالتناوب، وفي المساء يحضر الأصدقاء للمناقشة في أمور الدين عموما والتصوف خصوصا. وطلبت من أصحاب البيت ألا أجلس معهم في حضور الخمور وألا أقبل أيدي النساء حين أصافحهن، وتلك عادات فرنسية ووافقوا بل إنهم منعوا دخول الخمر لمنزلهم. وبعد أن حصلت على الدكتوراه وعدت للقاهرة بشهر واحد أشهروا إسلامهم وجاءوا للأزهر وعاشوا في مصر إلى أن تزوجت ابنتهم من مسلم مقيم في فرنسا. وأضاف: في بيت هذه الأسرة الفرنسية في الحي اللاتيني وجدتهم يعلقون على الحائط صورة لوالدي، وكنت أول مرة أشاهد صورته خارج بيتنا، ومكثت بهذا البيت عاما كاملا لم أدخل فيه حجرة نومهم ولم أشاهدها، لقد أسلموا بعد أن شاهدوا مدى التزامي في بيتهم وبلدهم وكانت لهم معرفة بأسرتي ومذهبها الصوفي، وكانت هذه الأسرة لا تأكل اللحم سوى مرة في الأسبوع، وكنت أنا أتناول غذائي في مطعم تونسي، وكان العشاء مشتركا مع تلك الأسرة الفرنسية. د. أحمد الطيب: سأعمل جاهداً لإعادة الأزهر لوضعه الطبيعي محلياً وعالمياً عمرو أبوالفضل (القاهرة) - أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن أهم أولوياته في المرحلة المقبلة هي فتح ملف التعليم الأزهري في مراحله الثلاث “الابتدائي والإعدادي والثانوي” وإعادة النظر جذريا في جدية التعليم الأزهري قبل الجامعي. وقال إن الكم الهائل من المعاهد الأزهرية المنتشرة في القرى والنجوع يفتقد كل مقومات التعليم سواء على مستوى المدرس أو الحضور، مشددا على ضرورة محاصرة هذه الظاهرة بالاستعانة بخبراء في التعليم من داخل الأزهر وخارجه. وأضاف أنه يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في منصبه الجديد وسيعمل جاهدا على إعادة الأزهر الشريف إلى وضعه الطبيعي محليا وعالميا قائلا: “الأزهر إما أن يكون عالميا أو لا يكون”. وقال إن “التراجع الذي أصاب الأزهر له أسباب تاريخية من بعد ثورة يوليو وانتشار المد الاشتراكي والفلسفة الماركسية، حيث عانى في تلك الفترة حصارا كبيرا فرض عليه ولم يستطع أحد إخراجه من أزمته”. وطالب الدكتور الطيب كافة علماء الأزهر بالتكاتف من أجل دفع الأزهر إلى الأمام من جديد من خلال وضع خطة محكمة تساهم في أن يأخذ وضعه في العالم أجمع. وحول تجربته في رئاسة جامعة الأزهر، قال إنه عمل على محاصرة الاختراقات في جامعة الأزهر وتنشيط الأساتذة المنتمين لفكر الأزهر، وتم الرجوع إلى الكتب الحقيقية واستخراجها وطبعها وتوزيعها على الطلاب بالمجان، حتى عادت كتب الأزهر الأصلية إلى وضعها الحقيقي. وحول عودة جامعة الأزهر إلى العلوم الدينية والبعد عن العلوم العلمية، قال إن هناك تصورين في هذا الأمر، الأول أن نضع منهجا جديدا يتيح الفرصة للعلوم الأزهرية وفي نفس الوقت يؤهل الطالب للعلوم التقنية. أما الثاني فيقوم على إنشاء جامعتين الأولى جامعة الأزهر القديمة وتقتصر على كلية اللغة والشريعة وأصول الدين والثانية جامعة أزهرية للعلوم التقنية، على أن يكون مصدر التغذية للجامعتين من الثانوية الأزهرية. وحول مفهوم استقلال الأزهر، قال: لا أرى أن الأزهر يمارس عليه قيد من أي جهة، وأن استقلاله يتحقق بعودته إلى التراث وتمسك خريجيه بجذورهم والبعد عن التغريب. وحول التناقض بين عضويته للجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم وتوليه مشيخة الأزهر، قال: “لا أرى هذا التناقض وطُرحت هذه الرؤية عليَّ كثيرا وطلبوا مني الاختيار بين الأزهر والحزب وقلت لهم: لا يوجد تناقض بين الاثنين وليس شرطا أن تكون العلاقة إما هذا وإما ذاك، ويمكن أن يكون هذا وذاك معا”. وأضاف: “قد أكون في الأزهر والحزب الوطني إضافة للحزب لتوضيح الرؤية الإسلامية داخل الحزب أو لاكتمال البعد الإسلامي في الحزب، ولكن ليس بالضرورة أن يعمل الأزهر للحزب أو أن الحزب مسيطر على الأزهر، وإذا استمرت العلاقة فسوف يستفيد الأزهر لأنني في تطلعاتي وطموحاتي أحتاج إلى دعم ولو معنوي سواء من الدولة أو الصحافة أو الإعلام، وكل هذا مطلوب لأنني لا أستطيع أن أنجح وأنا مشتبك في أكثر من معركة”. وأشار: “لكن في النهاية الأزهر مؤسسة أكاديمية علمية بحتة مهمتها الحفاظ على تراث المسلمين وتجديده وتعليم الإسلام لأبناء المسلمين سواء في مصر أو الشرق الأوسط أو في الغرب، والدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، واعتقد أنه في إطار هذه الثوابت لا يوجد أي حزب سواء كان الوطني أو غيره يعترض على الأزهر”. وحول تحفظ بعض قوى الإسلام السياسي على اختياره شيخا للأزهر، قال: “لا أتوقع أن يجمع علي الناس أبدا لأنه لم يحدث الإجماع في أي وقت من الأوقات على أي شخص”. وأضاف: “اختياري لتولي مشيخة الأزهر تكليف فيه أعباء كثيرة ولا أشعر بأي مذاق حلو لهذا المنصب وأمامي هموم كثيرة سأغرق فيها هما بعد هم وفرحتي ستكون فقط عندما أتغلب على هذه الهموم”.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©