الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التدخل الدولي في سوريا: عقبات ومحاذير

التدخل الدولي في سوريا: عقبات ومحاذير
18 فبراير 2012
في صبيحة 19 مارس 2011 أمطرت قذائف المدفعية عاصمة الثوار الليبية، بنغازي، وبدا وقتها أن العقيد معمر القذافي عازم بالفعل على المضي قدماً في تنفيذ وعيده باستئصال "الجرذان" الذين يسعون لإطاحته، فكان أن فرت ألوف من الأسر خوفاً من القتل، ثم سرعان ما تحركت الطائرات الفرنسية التي انضمت إليها بعد وقت قصير الطائرات البريطانية وباقي قوات "الناتو" لينتهي المطاف بالأرتال العسكرية للعقيد القذافي الذي كان متقدماً نحو بنغازي إلى خردة من المعادن، ممهداً الطريق لإسقاط نظامه. واليوم يطالعنا سيناريو مشابه في المدن السورية، مثل حمص وغيرها، حيث المدفعية تحيط بالأحياء وتدك البنايات، ومنذ بداية القصف المدفعي في 3 فبراير الجاري، فقد مائة شخص حياتهم فيها خرج المئات من المدنيين هرباً من العنف، وتسللت العشرات من الصور وأشرطة الفيديو التي توثق الفظاعات على المواقع الإلكترونية، ليصل إجمالي القتلى منذ بدء الانتفاضة السورية إلى نحو 5400 قتيل. لكن مع ذلك تبقى فرص التدخل الدولي، على غرار تدخل "الناتو" في لبيبا، ضعيفة للغاية إن لم تكن منعدمة تماماً. وكان الحصار المفروض على حمص من قبل نظام الأسد قد خف قليلاً يوم السبت الماضي عشية الاجتماع الوزاري لمجلس الجامعة العربية في القاهرة، والذي دعا إلى إرسال قوة لحفظ السلام إلى سوريا بغرض وقف إراقة الدماء، على أن يصدر قرار بهذا الشأن من مجلس الأمن الدولي. ورغم المطالب المتكررة من المعارضة السورية بالتدخل العسكري، يبقى من غير المرجح أن تنال التدخل الذي تنشده. وبالعودة إلى ليبيا، نجد أن مناصري التدخل الليبرالي- وهي الفكرة القائلة بأن القانون الدولي يغلب التشريعات الداخلية عندما يتعلق الأمر بحماية المدنيين- دافعوا عن التجربة الليبية باعتبارها النموذج المثالي للتدخل الإنساني في القرن الحادي والعشرين. لكن الحرب في سوريا بطبيعتها الممتدة والأكثر دموية مقارنة بليبيا لا تثير شهية القوى الدولية لاتخاذ إجراءات حاسمة. والسبب الذي يساق هنا هو الفروق الكبيرة بين الحالتين الليبية والسورية، سواء تعلق الأمر بتحالفات البلدين أو بالتضاريس الجغرافية أو حتى بالقدرات العسكرية المختلفة، فالتدخل الدولي في سوريا سيكون أطول وأكثر تكلفة وربما سيحتاج إلى غزو بري لتحقيق أغراضه، كما أنه وفي جميع الأحوال ما زالت كل من الصين وروسيا تشعران بالغضب إزاء الطريقة التي استُخدمت بها الأمم المتحدة لإطاحة نظام القذافي في ليبيا، ولذلك فقد أصرتا على إسقاط محاولات مشابهة في مجلس الأمن الدولي باستخدام "الفيتو". وفيما روج الغرب للتدخل في ليبيا على أسس أخلاقية، علينا ألا ننسى أن المهمة العسكرية كانت أسهل، فالقذافي كان يملك جيشاً ضعيفاً، ودفاعات جوية واهية، كما أنه معزول دولياً ولا أصدقاء لديه يمكن التعويل عليهم، وجاءت الطبعية الجغرافية لليبيا بصحاريها المترامية وشريطها السكاني الضيق على الساحل المتوسطي لتجعل من القصف الجوي أمراً هيناً، لكن وفي المقابل تتجاوز الكثافة السكانية في سوريا 30 مرة ما هو عليه الأمر في ليبيا، وهو ما يزيد من احتمال إصابة المدنيين أثناء القصف، كما أن الجيش السوري أكبر بخمس مرات مقارنة بنظيره الليبي وأفضل تسليحاً، لاسيما فيما يتعلق بالدفاعات الجوية المهمة التي ستمثل تحدياً بالنسبة للطائرات الغربية، الأمر الذي يؤكده "جوشوا فوست"، الباحث في مركز مشروع الأمن الأميركي بواشنطن قائلا: "في ليبيا حققنا الكثير بمخاطر بسيطة، لكن سوريا تملك نظاماً متطوراً مضاداً للطائرات". وبالإضافة إلى القدرات العسكرية السورية، هناك السياق الإقليمي المشحون، فالتدخل الليبي حصل في مناخ إقليمي هادئ، أما في سوريا، الحليفة الوثيقة لإيران التي بدورها تمول "حزب الله"، تتحول تدريجياً إلى ساحة للصراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية، وهو ما يشير إليه "آرام نيرجوزيان"، المحلل بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن قائلاً: "إن أي تدخل دولي في سوريا سيزعزع الاستقرار في المنطقة". يضاف إلى ذلك النسيج الاجتماعي الأكثر تعقيداً في سوريا منه في ليبيا، فعلى غرار العراق الذي شهد نزوح الملايين من السنة والمسيحيين من مناطقهم خلال الحرب الأهلية التي أعقبت سقوط صدام حسين، تحكم سوريا أقلية علوية تشكل نحو 12 في المئة من مجموع السكان. ويعتقد العديد من العلويين أن كسب الحرب مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم، وهم يخشون ردود فعل انتقامية من الأغلبية السنية. وهنا لابد من استدعاء فظاعات العراق ولبنان كمثال لما يمكن أن يحصل في سوريا، في حال اندلاع نزاع طائفي. لكن، وفيما احتفى الغرب بالثورات العربية كونها تمثل تحولاً نحو الديمقراطية تجادل موسكو بأن الثورات ستقود إلى زعزعة الاستقرار وسفك الدماء. غير أن روسيا، ورغم تشككها في التدخل الغربي بليبيا، إلا أنها امتنعت عن استخدام حق الفيتو في الحالة الليبية ولم تعترض على قرار مجلس الأمن الذي رخص لحماية المدنيين، لكنها في الوقت نفسه أحست بأنها خُدعت في ليبيا عندما فسر الغرب القرار الذي نص على حماية المدنيين بأنه ترخيص لشن حملة جوية واسعة على البلاد، وهو ما لا تريد موسكو أن يتكرر في الحالة السورية. ثم إن هناك أيضاً المصالح المادية التي تحرص عليها روسيا، فلو فُرض حظر على بيع الأسلحة لسوريا، كما يطالب الغرب، لخسرت روسيا ما قيمته خمسة مليارات دولار من مبيعات السلاح لدمشق. ويرى فوست أن استمرار روسيا في نقل السلاح إلى سوريا يمثل ضمانة ضد الغزو، لاسيما وأنه من ضمن تلك الأسلحة شحنة متطورة من صواريخ ياخونت800- P المضادة للسفن، وهي من أكثر الصواريخ المتطورة في العالم التي تنتجها روسيا وتمثل تهديداً حقيقياً للقوات البرمائية الغربية في حال قررت غزو سوريا من جهة البحر. دان مورفي - لبنان ينشر بترتيب خاص مع "كريستيان سيانيس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©