الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«العلم المفتوح» لمواجهة «زيكا»

25 ابريل 2016 23:48
مع مقدم ما يسمى علم الأحياء التخليقي، وتقنية التحرير الجيني، يشهد العالم في الوقت الراهن اختراقات مدهشة في مجالات الطب، والطاقة، والغذاء. وفي بحر سنوات قليلة سنرى علاجات ناجعة لبعض أكثر الأمراض فتكاً، وأنواع وقود حيوي جديدة، وحبوباً غذائية مطورة قابلة للزراعة في ظروف مناخية قاسية. ولكننا في الآن ذاته سنعاني أيضاً من كوابيس جديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: خطر الإرهاب البيولوجي، والتجارب حسنة النية التي تخرج عن نطاق السيطرة. فلنتخيل مثلاً فيروساً عملاقاً يستطيع علاج -أو قتل- الملايين من البشر، أو فيروساً يستهدف شخصاً واحداً فقط. وهذا الكلام لا ينتمي إلى روايات الخيال العلمي، وإنما هو كلام عن أشياء تتحقق بالفعل. وفي عام 2011، توصل العالم «كريج فينتر»، إلى شكل جديد من أشكال الحياة من خلال زرع جينوم مصمم بالكمبيوتر داخل خلية بكتيرية، انتُزع منها حمضها النووي «دي إن آيه». وفي الوقت الراهن هناك تقنية جديدة لتحرير الجين يطلق عليها اختصار «كريسبر» CRISPR تستخدم لتخليق كلاب صيد مفتولة العضلات، وماعزاً عملاقاً، وفطراً دائم البياض! وتكلفة إجراء التجارب الأساسية في مجال علم الأحياء التخليقي، لا تتجاوز آلافاً قليلة من الدولارات، ثمناً لمعدات المختبر، والكيماويات المستخدمة، ومن الممكن تصميم وطلب تسلسلات الحمض النووي «دي إن إيه» على الإنترنت. ونحن لسنا جاهزين بعد للتعامل مع تبعات هذه التقنيات، ولذلك مطلوب منا المبادرة بشكل عاجل بتطوير دفاعات بيولوجية، وإعادة النظر في قوانيننا، مع تجميع الباحثين من مختلف أنحاء العالم، لحل المشكلات بمجرد حدوثها. ويمكننا البدء في ذلك من خلال تكوين تحالف عالمي للتصدي لفيروس «زيكا» الذي ينتشر عن طريق البعوض، ويسبب عيوباً خلقية لدى أجنة الأمهات المصابات، وهو وباء يحتمل أن يشهد انتشاراً واسع النطاق خلال العام المقبل. والمواجهة الفعالة لهذا الوباء تكمن في المعلومات مفتوحة المصدر -كما أوصى بذلك بعض كبار الباحثين. ففي شهر فبراير الماضي بادرت مجموعة من المنظمات الصحية رفيعة المستوى شملت معاهد أبحاث، ومجلات أكاديمية، ومنظمات غير حكومية، وهيئات ممولة، بطبع تعهد علني بشأن «تقاسم البيانات، والنتائج المتعلقة بأزمة زيكا الحالية، وأي طوارئ صحية عامة مستقبلية بأقصى سرعة ممكنة، وبأقصى قدر ممكن من الانفتاح». وقد ظلت فكرة «العلم المفتوح» موضوعاً لسجال محتدم لما يزيد على عقد من الزمن. ويدافع عدد متزايد من الباحثين عن فكرة كون جميع الأبحاث الممولة بأموال عامة تعتبر مفتوحة المصدر، وأن ذلك لا ينطبق على المقالات العلمية فحسب، وإنما على بيانات الأبحاث الفعلية أيضاً. وهذا النوع من المشاركة في المعلومات لم يحدث بالفعالية المطلوبة عند مواجهة آخر وباء أثار اهتماماً عالمياً، هو وباء «إيبولا»، مما دفع ثلاثة من باحثي «إيبولا» البارزين وهم ناتان يوزوياك، وستيفن شافنر، وباراديس سابيتي، إلى إصدار نداء يدعو لتقاسم المعلومات نشروه في مجلة «نيتشر» ذائعة الصيت كان عنوانه: «اجعلوا طريق الوصول للأبحاث المتعلقة بانتشار الوباء مفتوحاً». وقد كان تقاسم المعلومات بين العلماء من الموضوعات الشائكة دوماً. فبسبب المنافسة المحتدمة على نشر المقالات العلمية في المجلات والدوريات المشهورة، كان العلماء يحرصون على إبقاء المعلومات والبيانات الخاصة بأبحاثهم طي الكتمان، والتأكد من عدم اطلاع الآخرين عليها، حتى لا يعرضوا السبق العلمي الذي حققوه للخطر. ومن ناحية أخرى، وفيما يتعلق بالأوبئة مثل «إيبولا» و«الأنفلونزا»، كان خبراء الأمن المعلوماتي، يخشون من أن يؤدي نشر البيانات الجينية، إلى إتاحة الفرصة للعلماء الأشرار، أو الأنظمة المارقة، لاستغلال عمل الباحثين البارزين الآخرين، واستخدام المعلومات الجينية المنشورة لتخليق فيروسات فتاكة، أو أخرى أشد فتكاً، لديها القدرة على قتل الملايين من البشر. ومنذ عقد من الزمن، وعندما كانت عملية تحديد نوع وتسلسل الجينات الوراثية والمعروفة علميا بـ«التسلسل الجيني» باهظة التكلفة، ومرهقةً وعسيرة، كانت بعض الحجج الداعية لإغلاق مصادر المعلومات تكتسب وجاهةً وإقناعاً، وخصوصاً أنها قد وفرت حاجزاً واقياً حال بين الدول المارقة والمنظمات الخبيثة، وبين استخدام مثل هذه البيانات والمعلومات. أما الآن، فإن تكاليف عملية «سَلسَِلة» الحمض النووي، وتجارب علم الأحياء التخليقي، قد شهدت انخفاضاً كبيراً، إلى درجة أنه بات في مقدور أي أحد القيام بها، بما في ذلك الأشرار الذين يمتلكون بالفعل المواد الكافية لممارسة الإرهاب البيولوجي. ولكن الخبر الطيب أن عدد الأشخاص الذين يريدون عمل الخير في هذا العالم قد بأت أكثر من عدد الأشخاص الذين يريدون اقتراف الشر. ونحن في أمسّ الحاجة الآن إلى حشد مئات الآلاف من العلماء الذين يريدون استخدام التقنية من أجل تحسين هذا العالم، وحل مشكلاته المستعصية. وأفضل طريقة لذلك هي خلق تجمعات من الباحثين والعلماء والبدء في «التعهيد الجماعي» للأبحاث المهمة. * زميل مركز حوكمة الشركات في جامعة ستانفورد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©