السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«إبراهيم وأزهار القرآن».. سينما جريئة تجمع مسلماً ويهودياً على مائدة التسامح

«إبراهيم وأزهار القرآن».. سينما جريئة تجمع مسلماً ويهودياً على مائدة التسامح
25 مارس 2010 21:21
يعرض في العاصمة القطرية الدوحة فيلم “السيد إبراهيم وأزهار القرآن”، بحضور بطل الفيلم النجم العالمي عمر الشريف وجمهور حاشد من عشاق الفن السابع في قطر. ويأتي عرض هذا الفيلم الذي أثار جدلاً في الأوساط السينمائية حين إنتاجه في فرنسا عام 2003 وحاز في الوقت نفسه أكثر من جائزة ضمن احتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية للعام 2010. وتحدث عمر الشريف بتلقائية وتواضع شديدين قائلاً: “إن هذا الفيلم نفذ بميزانية بسيطة جداً والولد الذي قام معي بدور البطولة كان يمثل لأول مرة، وعندما أخذت جائزة سيزار الفرنسية عن الفيلم وكنت على وشك النوم في صالة توزيع الجوائز فوجئت، بل صعقت، بهذا الفوز وارتبكت، وأضاف: فكرة الفيلم أيضاً بسيطة فثمة رجل عجوز تبنى طفلاً وأخذه في فسحة، والشخصية التي قمت بأدائها ليست صعبة، لكن الناس أحبتها وتفاعلت معها”. إيرادات غير متوقعة وحول الأفكار الكثيرة التي يطرحها الفيلم بطريقة الواقعية اليومية ودون تعال على الجمهور أو نظريات مسبقة، قال عمر الشريف: فعلاً الفيلم قوبل في الغرب بترحيب كبير وحقق إيرادات غير متوقعة، حتى أن منتجه كافأني بعد أخذ أجري بمبلغ كبير إضافي، ورداً على سؤال آخر أجاب الشريف بأن العالمية تتطلب معرفة باللغات، بالإضافة إلى الموهبة وقدر كبير من الحظ، وأضاف في رده على تساؤلات أخرى: إنني أحفظ كثيراً من الشعر وخصوصاً الشعر الجاهلي، وبذلت جهداً كبيراً في بداية المشوار منذ أدائي لبعض الأدوار في المسرح المدرسي، وتابع: الحياة لم تعد كما كانت من قبل، حلوة ورومانسية، فهناك الكثير من الكوارث والمصائب بسبب زيادة عدد السكان، وحتى على مستوى الطبيعة، فإن الطبيعة لم تعد هادئة مثل أيام زمان، وقال: لا أحب أميركا؛ لأنها متحيزة لجانب إسرائيل، علماً بأنها لو أرادت أن تحل مشكلة الشرق الأوسط لحلتها وأراحتنا وأراحت إسرائيل، وأضاف: تقع اللائمة على العرب أيضاً بسبب تفرقهم وتشرذمهم ولابد من توحيد كلمتهم وتلاقي السنة والشيعة، فذلك في مصلحة الأمة، وتابع: أنا مسلم وقد يكون في الفيلم بعض الإثارة، ولكنني إجمالاً واقعي، موضحاً: لقد أحببت هذا الفيلم وشخصية “السيد إبراهيم” وفيها الكثير من ذاتي وهي متقاربة مع شخصيتي، وقد ذهبت فعلاً إلى مسجد في تركيا ودخلت رقصة المولوية وشعرت بأنني أطير، وأضاف: لم أحب امرأة في حياتي غير زوجتي السابقة الفنانة فاتن حمامة، وقد انفصلنا بسبب الفن فقط، وتابع: لست راضياً عن كثير من الأفلام التي شاركت بها، ولكنني أعتز بمشاهد بسيطة جداً فيها وأشعر بأنني أديتها بشكل جيد. سوء فهم الآخر ويمكن القول بعد مشاهدة الفيلم، إن “السيد إبراهيم وأزهار القرآن” يعيد الاعتبار إلى الدين الإسلامي من وجهة نظر الآخر إليه، فبطل الفيلم “السيد إبراهيم” مسلم تركي يعمل بقالاً في حي فرنسي فقير يتردد عليه صبي يهودي “مومو” يكتشف ماهية الديانة الإسلامية شيئاً فشيئاً عبر سلوك البقال البسيط، مجسداً عبارة “الدين المعاملة”، والتي تبرهن واقعية المسلم وتمتعه بالقيم الروحية والمبادئ الإنسانية السامية، وسط تناقضات الحياة ورذائلها ومشكلاتها، مهما كانت تلك المشكلات عويصة، ومن هنا فإن الفيلم يشيع روح الأمل الذي جاء به الإسلام وانتشر من خلاله في كل أصقاع الأرض، فالإسلام ليس دين المسلمين وحدهم، بل هو دين الناس جميعاً وجاء من أجلهم دون تمييز، حيث “لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى”، وهذه مقولة الفيلم المحورية على ما أعتقد، وحتى لقب العربي الذي يطلقه والد “مومو” على “السيد إبراهيم” فإنه يرد في سياق حواري يوضح سوء فهم الآخر للمسلم، والذي سببه الجهل، ما يؤدي إلى بناء موقف عدائي مسبق. بين العبث والضياع وفيلم “السيد إبراهيم وأزهار القرآن” مأخوذ عن رواية تحمل الاسم ذاته للروائي الفرنسي إيريك إيمانويل شميت، وهو من إخراج الفرنسي فرانسوا دوبيرون وتدور أحداثه في ستينيات القرن الماضي، ليسبغ عليه نوعاً من الروح الواقعية التسجيلية، عبر سيناريو سلس وإخراج متقن يقدم الشخصيات والأحداث والحوارات بخفة وذكاء، دون أن يثقل المشاهد بالمقولات الجاهزة، بل تنتقل الكاميرا برشاقة من مشهد إلى مشهد بتشويق مستمد من التفاصيل اليومية المحتملة في أي شارع أو حي من الأحياء الكادحة، فعلى سبيل المثال ينادي السيد إبراهيم الصبي اليهودي موسى تحبباً باسم “مومو” وتتوثق عرى العلاقة بين الرجل المسن والصبي اليافع، كما بين جد وحفيده، هذه العلاقة التي باتت تفتقر إليها المجتمعات الحديثة، ليس في العالم الغربي وحده، بل حتى في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، ويزداد الموقف الدرامي تعقيداً في الفيلم على خلفية ترك الأب لابنه وحيداً، وكانت الأم قد تركتهما سابقاً، ثم انتحار الأب على سكة قطار لاحقاً، الأمر الذي دفع بالصبي مومو إلى حافة اليأس والوقوع في براثن المنحرفات، وهكذا راح يبيع كتب والده للاستمرار في حياته المتأرجحة بين العبث والضياع، ولم تفلح عودة الأم أخيراً في انتشال شخصية الصبي من إحباطها، بل إنه قابل أمه ببرود تام بعد أن تحجر قلبه نتيجة حرمانه السابق من حنان الأم ومعاناته من بخل الأب. السلوك الصوفي يجد “مومو” ضالته في السيد إبراهيم الذي يملأ روحه بالأشياء الجميلة، يطلب السيد إبراهيم من مومو الابتسامة ويخبره بأن مصدر السعادة في الحب هو العطاء وليس الأخذ، حين يمر مومو بأول أزمة عاطفية في حياته، وهكذا تتنامى العلاقة بين الصديقين السيد إبراهيم ومومو رغم فارق السن الكبير بينهما، تصل إلى مستوى التبني، ومن ثم يصحبه في رحلة إلى الهلال الذهبي، حيث ينتمي - يعرفها الفيلم بأنها المنطقة الممتدة من بلاد الأناضول إلى بلاد فارس-، حيث يصاب في حادث سير قبل وصوله إلى قريته الجبلية النائية في تركيا، وقبل أن يموت السيد إبراهيم يلقن مومو الكلمات الأخيرة هامساً إليه بأنه ذاهب إلى حيث الاتساع “أي رحمة الله”، ليعود مومو إلى باريس ويرث محل البقالة والكتاب الذي كان السيد إبراهيم يشرح له معانيه خلال صداقتهما، ألا وهو “القرآن الكريم”، ليتكرر السيناريو ذاته حين يصبح مومو بقالاً ويتردد عليه صبي صغير يسرق قطع الشيكولاتة من المحل دون أن يغضب مومو، فالسيد إبراهيم علّمه التسامح، وها هو يقوم بالدور ذاته عرفاناً بالجميل، وفي هذا المشهد إشارة بليغة إلى طريقة التفكير الصوفية أو السلوك الصوفي في الإسلام، وقد ورد ذلك أكثر من مرة في الفيلم، علماً بأن أسماء الشخصيات لها دلالة محورية في الفيلم، فإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء جميعاً، ما يشير إلى أن أصل الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية واحد، ويجيب مومو أمه حين تعود للبحث عنه بأن موسى رحل وأن اسمه محمد. ويمثل عمر الشريف في الفيلم دور “السيد إبراهيم” وبيير بلانكيه “مومو” وكلبرت ميلاكي “والد مومو” وإيزابيل رينول “والدة مومو” ولولا نينما “مريام” وأني سوريز “سيلفي” وماتا كيفن “فاتو” وسيلين سامي “إيفا”.
المصدر: الدوحة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©