عساهم في الرخا لو عذبونا

دعاني جدي إلى مجلسه، وألمح إلي أنه يرحب بأصدقائي إن أحبوا القدوم معي، فعرفت أنه إنما يخفي لنا مفاجاة طيبة أو سالفة جميلة ليرمّسنا بها·· بخاصة وأن سوالفه تقطف الإعجاب وتخطف القلب بجمالياتها وأفكارها ومفرداتها وأحاسيسها·· ولعل أثرها في القلوب يكون أكبر حين تكون سالفة حقيقية وقعت في حياة الأجداد، ومتصلة بمعاناة ما ومفعمة بالمشاعر· دخلت و ربعي إليه، جلسنا عن يمينه ويساره نطالبه أن يرمّسنا بسالفة عاطفية بخاصة أنه لم يسبق له أن روى لنا مثلاً شعبياً عاطفياً! ضحك وهزّ رأسه متنهداً ''ايه عساهم في الرخا لو عذبونا''! ازداد حماسنا وطلبنا معرفة قصة المثل، فلبانا من فوره قائلاً: ''أحب شاعر فتاة جميلة، أسرته بطلتها وحضورها، وسلبت عقله فهام حباً بها، كأنما القدر قاده أن يمر ببئر ماء فلمحها وأحبها منذ النظرة الأولى، وصار يترصد لها حين تجلب الماء، وكانت تبادله الشعور لكن تحاول صده خوفاً من كلام قريناتها اللواتي يرافقنها لجلب الماء، فأشارت عليه عبر رسول أن يتقدم لخطبتها عوضاً عن ملاحقته لها''· ساد الصمت في مجلس جدي لأن جميعنا كان يحسن السمع، فتابع :''ولأنه كان يحبها بإخلاص ولم يكن عابثاً كاذباً، رأى أنه لابد من التقدم لطلب يدها من أهلها· لقد كانا يحسبان أن الحياة ستسعدهما وتجمع بين قلبيهما، إلى أن ظهر عكس ذلك، حين رفض أهلها تزويجها منه، وتعللوا بأن ابن عم لها سبقه بالتقدم لها·· ففارقته حبيبته و لم يفارقه خيالها، وعافت نفسه الزاد ومرض كثيراً، وبات يتردد قرابة مضاربها ينظم الشعر بيتاً تلو بيت، إلى أن ذاع صيت شعره وذهب هذا القول مثلاً بين الناس لشهرته: ''عساهم في الرخا لو عذبونا نراهم في النعيم مخلدينا''