الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثمن الحقد

13 ابريل 2008 01:59
قضيت يوماً شاقاً في سفري، وكنت قد وصلت إلى مكتب العمالة في الثانية بعد منتصف الليل وأنا مرهقة تماماً، لأول مرة في حياتي أخرج من بلدي، سمعت الكثير عن الخليج وعن فرص العمل المتوفرة فيه، العديد من فتيات حينا سافرن للعمل، وقد عادت معظمهن بالمال الكثير، الغريب هو ما كن يرددنه عن المعاناة التي واجهنها أثناء عملهن، ثم لا تبقى الواحدة منهن سوى أشهر قليلة بعدها تسرع في العودة للعمل وهي في غاية الحماس· قررت أن أجرب حظي، بعد أن شجعتني والدتي وهي ترى جميع معارفنا وقد بنوا بيوتاً وأصبحت لديهم أموال لا بأس بها من عمل بناتهن، فما إن وصلت إلى سن الثامنة عشرة حتى أخذتني بنفسها إلى أحد مكاتب العمل وقامت بتسجيل أسمي هناك· طلب مني صاحب المكتب محاولة تعلم اللغة العربية والتدرب على أعمال التنظيف والطهي وكي الملابس، فأخبرته بأنني سأفعل· بعد أشهر طويلة من الانتظار تم استدعائي وقد تحدد موعد السفر بعد أيام قليلة، فقمت بتوديع الأهل والأقارب وقد إمتلأت أذناي بنصائح الجارات ممن سبق لهن العمل، حتى شعرت بالخوف والاضطراب مما ينتظرني· في صباح اليوم التالي جاءت امرأة وابنتها لاستلامي من مكتب تشغيل الخدم · نظرت إلي المرأة نظرات متفحصة طويلة ثم قالت لصاحب المكتب: هذه الخادمة لا تشبه الصورة، فهي سوداء أكثر من اللازم، فهمت قولها لأنها قربت الصورة من وجهي وقد أشارت إلى عباءتها - كانت تتحدث وهي غاضبة، أما ابنتها الصغيرة فقد نظرت إلي بحنو، ثم اقتربت مني وأمسكت بيدي وابتسمت لي وهي تلاطفني، فلم ابتسم لأنني كنت خائفة لا أدري ماذا يحدث، فقد سمعت المرأة وهي ''تؤشر'' نحوي وتقول للرجل: إنها جامدة مثل الخشبة كما يبدو إنها غبية مثل الحمار، على فكرة، لقد فهمت قولها فأنا أعرف كلمة خشبة وكلمة حمار لأنني تعلمتها من جارتنا· ابتسمت الصغيرة وقالت لأمها: أرجوك يا أمي، إنها ذكية وستتعلم بسرعة· تأثرت بما بدأ من هذه الطفلة من الثقة بي لذلك ابتسمت لها وأمسكت بيدها دلالة على استجابتي لها، فضحكت الطفلة وهي مبتهجة، ثم سحبتني لنخرج من المكتب، فبقيت المرأة تتحدث مع صاحب المكتب ثم سلمته المال وأخذت منه جواز السفر وبعض الأوراق وخرجت· كنت أفهم أحاديثهم من الإشارات وقد أسعدني كثيراً ان تعاملني هذه الصغيرة تلك المعاملة اللطيفة· وبقيت مغتاظة من معاملة المرأة لي· مرت سنة كاملة على عملي لدى هذه العائلة، وقد أثبت خلالها ذكاءً في التعلم السريع للغة العربية وقد أتقنت أعمال المنزل كلها· ما كان يزعجني حقاً هو نظرة الاحتقار التي تواجهني بها سيدتي كلما نظرت إلي، فبعد كل ما كنت أقوم به فهي تبقى تردد تلك الكلمات المحبطة خصوصاً عندما يمتدحني أحد أفراد الأسرة فإنها تقول: أنتم ترون في الخادمة ما لا يراه الناس، أما أنا فأعرف جيداً إن كل الخدم أهل خبث وأذى، لذلك فأنا لا أحبهم ولا أثق بهم أبداً· نتيجة لإصرار سيدتي على إني إنسانة خبيثة وغير طيبة، صرت أنظر إليها وأتعامل معها بطريقة مختلفة عن الآخرين، فكانت تتضايق مني وتسبني ولا ترتاح لرؤيتي أمامها بلا عمل· الحقيقة هي إنني اعتزمت بيني وبين نفسي أن أكون طيبة مع أهل المنزل كلهم عدا سيدتي لأنها تسيء الظن بي، وقررت أن أعاقبها على ذلك بطريقتي الخاصة، للأسف فإن هذا القرار وهذه الرغبة الدفينة كانت هي السبب فيما حل بي فندمت على حقدي على تلك المرأة· ففي مرة أخرجت المرأة طقماً صينياً من الصحون، وقد بدأ لي إنها تعتز به لأنه غالي الثمن، وقد أخرجته لأجل ضيوفها، وقد أوصتني أكثر من مرة بالاعتناء بهذا الطقم، فما كان مني إلا أن وضعت الصحون كلها في صينية وأسقطتها من يدي وصرت أصرخ وأبكي متظاهرة بالارتباك والخوف، وقد تكسرت كل الأطباق من حولي، فاغتاظت المرأة غيضاً شديداً، وقامت بضربي فلم أكترث لضرباتها الضعيفة وكنت سعيدة لأنني انتصرت لنفسي· وفي مرة أخرى قام طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات بعضي عضه خفيفة فقمت بحبسه في المخزن بعد أن أطفأت النور، ووقفت عند الباب كي أمنعه من الخروج وأنا مستمتعة بصوت استغاثته وخوفه الشديد، حتى جاءت سيدتي فدفعتني من أمام الباب وأخرجت طفلها ثم قامت بضربي مرة أخرى تلك الضربات الضعيفة، فتظاهرت بالبكاء الشديد· أما المرة الثالثة، فقد كنت أنقل الأغراض من السيارة إلى المطبخ، بعد أن تسوقت سيدتي من الجمعية، وقد علمت وقتها بأن البيض غير متوفر وإنها قد حصلت على طبقة البيض بصعوبة من أجل أولادها، عندها أسقطت البيض من يدي، وقد شعرت بسرور بالغ وأنا أراها تشهق وكأنها ستموت من الغيظ والحسرة، ومع إنها غضبت كل ذلك الغضب إلا إنها لم تضربني هذه المرة، ولكنها أصرت على زوجها بتسفيري إلى بلدي، عندها شعرت بمدى غبائي وأنني قد جنيت على نفسي بهذه الأفعال السيئة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©