الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البروفيسور دايونيسيس أيجيس.. يطارد أصواتهم قبل أن تذهب في الغياب

البروفيسور دايونيسيس أيجيس.. يطارد أصواتهم قبل أن تذهب في الغياب
14 مايو 2009 00:38
يغشى الحداة بهم وعثة الكثيب كما يغشى السفائن موجة اللجة العرك زهير بن أبي سلمى إلى الماضي رحل الباحث البريطاني البروفسور دايونسيس أي. أيجيس ليمارس سفرَهُ العلمي في ذاكرة الإمارات.. يلتقط أصوات البحارة والغواصين الهائمة على شواطئها.. نهماتهم.. طرائق حياتهم.. غناءهم.. وكل ما كان يشكل تلك الحياة اليومية لهؤلاء الرجال الجبابرة، الذين سكنتهم روح المغامرة والكشف والمعرفة، فركبوا البحر بعد أن روَّضوه بعلومهم، وقرأوا مجاهله، وسبروا أغواره وعرفوا دروبه ومسالكه في مده وجزره وعواصفه ورياحه العاتية.. وأدركوا قانون الماء فكانوا أسودَهُ في الليالي الأشد حلكة، وتركوا وراءهم ثقافة ملاحية هائلة ما تزال ملفوفة بغموضها وأسرارها، تنتظر من يزيح النقاب عن مضامينها ومحتواها العميق. وخرج من بحثه بأن هؤلاء البحارة الذين ازدهرت تجارتهم، وامتلكوا طرف الملاحة في وقت من الأوقات، ما كان لهم أن يفعلوا ذلك لولا أولئك البناؤون الذين زودوهم بوسيلة الإبحار/ بأداة المعرفة (السفينة)، هؤلاء الذين كتبوا نصوصهم الشعرية/ سفنهم ليس بالحبر بل بالخشب والحبال وسعف النخيل، وليس على الورق بل على صفحة البحر نفسه، ليتركوها على وجهه كتابة لا تقبل المحو (رغم أن فعل البحر نفسه هو فعل محو أصلاً) فهو كائن رجراج، متماوج، يبتلع كل ما لا يطفو فوقه. وقد شكل هذا الكائن الغامض/ الممتد/ الواسع/ المجهول/ نوعاً من التحدي المعرفي، فكانوا ربابنته و»معالِمته» كما يقول ابن ماجد، ووضعوا لركوبه وسفنه ومراكبه معايير وقوانين. ولم تكن هذه الحكمة هي الحصيلة الوحيدة التي خرج بها البروفيسور من تجواله في دروب الذاكرة بل خرج أيضاً بدراسة عميقة، و 150 مقابلة ميدانية مع أناس يعملون في الملاحة البحرية وصداقات أكثر عمقاً تشكلت في خضم الأحاديث الحميمة عن الأيام الغاربة، في ليالي السمر حول دلال القهوة أو على «سيف» البحر حيث الروح تتعرى و... تبوح. نصوص الرمل.. نصوص الماء بالشعر لا بغيره، وبهذا البيت الصعب لزهير بن أبي سلمى، يستهل الباحث البريطاني البروفيسور دايونسيس كتابته/ بحثه الموسوم بـ «البحارة وصناعة السفن الملاحية في الإمارات: أصوات من الماضي»، ولا غرابة في ذلك إطلاقاً، فالبحر بالنسبة إلى العرب هو نص شعري بامتياز، ولطالما حضر في نصوصهم وقصائدهم. ورغم أن البيت الذي يستلّه الباحث من الذاكرة الشعرية العربية لا يبدو سهلاً في معانيه ومدلولاته على الناطقين بالعربية فما بالك على الباحث الغربي، إلا أن البروفيسور دايونسيس لا يجد في هذا الاستهلال الشعري أي غرابة ويفسر قصده قائلاً: «تاريخياً، لعبت الصحراء والبحر دور الملهم بالنسبة لعدد من شعراء ما قبل الإسلام، كما يتضح في بيت زهير ابن أبي سلمى الذي تتحدثين عنه والذي افتتحت به بحثي، وأستطيع القول إن هؤلاء الشعراء شبهوا حركة الجمال وهي تسير بين الكثبان الرملية في الصحراء بحركة السفن وهي تمخر عباب الأمواج. ويمكن لأي باحث أن يعثر على نماذج كثيرة تؤكد هذا المعنى في حال كان معنياً بالبحث في هذا المجال، أما بالنسبة إلي فلم يكن هذا الشاهد سوى مدخل استهلالي يضيء ما رميت إليه من تبيان الارتباط الدلالي والوظيفي ثقافياً بين البحر والصحراء في حياة سكان أهل الإمارات ماضياً وحاضراً، فقد كان الصيد والغوص (البحر) من جهة، والنخيل (الصحراء) من جهة ثانية هي المصادر الرئيسة في حياتهم وأنماط ثقافتهم. وقد أدهشني أن أهل الإمارات قديماً استطاعوا الاستفادة على نحو عجيب من هذه الشجرة (النخلة) التي حضرت في كل مناحي نشاطهم الحياتي والاجتماعي؛ زودتهم بالطعام (التمر)، ومواد البناء (كانت جذوعها تستخدم لبناء البيوت الشعبية التي تسمى العريش أو الباراستي)، والوقود أو الطاقة التي كانوا يحصلون عليها من حرق أخشابها فضلاً عن استخدام السعف في الصناعات اليدوية التي تمدهم بما يحتاجون إليه في منازلهم». يؤكد البرفيسور دايونسيس أن ذلك الماضي لم يعد له حضور يذكر في حياة الخليجيين المعاصرة، إنه يبدو مثل ظل باهت لمشهد مسرحي، مشهد قوارب «الداو» وهي تبحر بحمولتها الكبيرة في مياه الخليج وعمان، معرضة نفسها للمجهول ولأخطار الشُعَب المرجانية، وللعواصف والتيارات البحرية. الآن، تم تقريباً نسيان المجتمعات البحرية الماضية، التي اعتمدت حياتها في معظمها على الحرفة التقليدية: بناء السفن التي تمخر عباب المحيط، للصيد أو الغوص على اللؤلؤ. مما يستدعي تسجيلها قبل أن تندثر، وأعتقد أن أفضل طريقة للقبض على هذه الأصوات أن نسمعها من أصحابها أنفسهم/ الشهود الذين عاصروا تلك المرحلة. في دراسة أهل البحر، ومهنة الجلافة أي بناء السفن التقليدية، يتأطَّر بحث البروفيسور دايونسيس، وذلك «لأنهما ينتميان إلى عالم حصلت فيه تغيرات مفاجئة نتيجة اكتشاف النفط، وهو عالم نَسِيَهُ تقريباً سكان الموانئ الجديدة في الإمارات لاسيما الشباب منهم. قد تساعد الصور، ومحتويات المتاحف، والأعمال الفنية المرسومة على بعض المباني على معرفة الحياة البحرية الماضية، ولكنها لا تستطيع أن تعوض أصوات الناس الذين خبروا حياة هذه المهنة، أو مهنة الغوص أو الصيد، أو البحارة الأوائل/ سلاطين البحر الذين وصلوا بتجارتهم إلى الحدود الغربية للهند، وإلى السواحل العربية الجنوبية، والسواحل الإفريقية الشرقية». لهذا، حمل أوراقه وآلة التسجيل التي لا تفارقه، ومعهما حمل شغفه العلمي ورغبته الجامحة في المعرفة، وبدأ في مطاردة هذه الأصوات، مستجلباً ما تختزنه من ذكريات ومواقف وأحداث. لقد حاولت، يقول البروفيسور دايونسيس، أن أسجل، من خلال التاريخ الشفاهي، أصوات رجال البحر، وذكريات بُناة السفن، والبحارة، كما ركزت على أهمية صناعة السفن من الناحية المادية والثقافية والتجارية، ودورها وأهميتها في حياة المجتمعات البحرية. وقمت بمقارنة أقوالهم بالوثائق الأرشيفية وبالمصادر الثانوية، إضافة إلى المصادر التقنية وغير التقنية. ضد الغياب بدأت حكاية البروفيسور دايونسيس مع تراث المنطقة البحري، وتحديداً مهنة بناء السفن أثناء وجوده في الكويت عامي (1984- 1985)، هناك جذبه البحث في التاريخ البحري لمنطقة الخليج، وعرف بعد زيارات ميدانية لمينائها أن تقاليد صناعة السفن التي كانت سائدة في الماضي ما تزال حية، لكنها بدأت تختفي بسرعة، فقرر أن يسجلها قبل أن تذهب إلى الغياب بشكل كامل. كان على البروفيسور أن ينتظر قرابة 11 عاماً ليحقق حلمه، ويجد من يرعى مشروعه ويتحمس له وهو صندوق ليفرهولم والمجلس البريطاني، فقام برحلتين ميدانيتين عام 1996 وعام 1997 إلى سواحل أبوظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، وكلبا، وخورفكان، والتقى صانعي «الداو»، ورؤساء البحرية، والصيادين وتحدث معهم. كما التقى باحثين ومختصين بالفلكلور. ويعتقد البروفيسور دايونسيس أن النتائج التي يمكن الخروج بها من التاريخ الشفاهي يمكن أن تكون كبيرة، ومهمة، عندما يتعاون مع الدراسات الإثنية واللغوية، والتحليل التاريخي، والصور، وهي جميعاً أدوات مهمة من أجل فهم الأحوال البدائية والشاقّة للبحارة وحرفتهم التقليدية التي كانت تمثل نمط حياتهم سنين طويلة، وهذا ما هدف إلى توضيحه في دراسته عن بناء السفن التقليدية في الإمارات. فتّش عن اللؤلؤ «اللؤلؤ» هو كلمة السر التي تفتح ذاكرة الغوص وأيامه على مصراعيها. كانت صناعة اللؤلؤ في أوجها، وكان الآلاف من الناس يغوصون من أجله مستخدمين في ذلك مئات السفن. وبالنظر إلى تاريخ البحرية في الخمسين إلى السبعين سنة الماضية، فقد كانت هذه المهنة التقليدية محور حياة سكان المناطق البحرية. لقد ازدهرت بلدات الموانئ في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، ولكن العقدين التاليين شهدا تراجعاً نتيجة ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني، ونتيجة للحرب العالمية الثانية أيضاً، ما أدى إلى انهيار اقتصاد المنطقة. إلى جانب اللؤلؤ ثمة مفتاح آخر يفتح سيرة الحكي عن الأيام الخوالي، إنها الرياح الموسمية، هذه الرياح التي يرى البروفيسور دايونسيس أنها حددت نمط حياة ساحل الإمارات، كما هو حال بقية سواحل الخليج وعُمان، وأنتجت أسلوب حياة يتميز بالتناغم مع طبيعة المنطقة. فبالنسبة إلى مجتمعات (الساحل) كان الغوص بحثاً عن اللؤلؤ الوظيفة الرئيسة لدى السكان منذ القدم، وكذلك الأمر لكثير من البدو الذين عبروا الصحراء لينضموا إلى فريق الغواصين، وعندما ينتهي موسم الغوص يرجعون إلى الأراضي الزراعية. كانت مئات من قوارب الغوص تبحر بالقرب من ساحل الإمارات وعمان. ولقد أوضحت الاستطلاعات، التي جرت في القرنين الماضيين، أن هناك ازدياداً ثابتاً وملحوظاً في عدد سفن الغوص في المنطقة. وبيّن استطلاع الخليج العربي المعلوماتي أن عدد قوارب الغوص (الداو) في منطقتي الشارقة وفاشت ترواح بين 160 و210 قارباً عام 1831، بينما أوضح استطلاع (وايت لوك) أن العدد وصل إلى 350 في أواخر عام 1830 فيما بلغ عدد الغواصين 3150 غواصاً في الشارقة ورأس الخيمة. وفي عام 1907 ازداد عدد قوراب الغوص بشكل ملحوظ في كل من الشارقة ودبي وأبوظبي كما ورد في تقرير (لورميرز) حيث كان إجمالي الغواصين 13,145 غواص ووصل عدد القوارب إلى 1040 قارباً. إن صورة قوارب الغوص كما أوضحها التقرير تكشف عن نشاط تجارة اللؤلؤ في تلك الحقبة وازدهارها إذا ما قورنت مع الدول المجاورة حيث أن عدد القوارب وصل إلى 3577 قارباً في المنطقة مقارنة مع الساحل الهندي حيث كان عدد قوارب الغوص هناك لا يتجاوز 924 في الحقبة ذاتها. ولقد أخبرني الراوة، والكلام للبروفيسور دايونسيس، أنه فور انتهاء موسم الغوص فإن الغواصين كانوا ينتقلون إلى العمل في سيريلانكا وظلوا يفعلون ذلك حتى عام 1930، إلى أن بدأت اليابان بإنتاج اللؤلؤ الصناعي الذي أدى إلى انهيار تجارة اللؤلؤ في غرب المحيط الهندي، ومع ذلك ظل عدد من غواصي سواحل المدن الصغيرة متمسكين بمهنتهم حتى عام 1960. الرواة وما قالوا تشير أغلب البحوث التي تناولت مهنة «الجلافة» إلى أن الإمارات شهدت تنوعاً كبيراً في أشكال السفن وأحجامها ووظائفها، لكن البروفيسور دايونسيس لم يكتف بالمعلومات الموجودة في الكتب والوثائق، بل سعى وراء الرواة الذين خبروا البحر وسفنه وأشرعتها، وكان الحديث معهم، حسبما يقول، فرصة جيدة لاستعادة ذكريات الماضي، ذكريات الغوص في أم القيوين ودبي. لقد تحدث إليَّ الكابتن إبراهيم خميس بن هارون والتاجر سيف محمد بيل قازي وغيرهم ممن عادوا بذكرياتهم إلى أيام صناعة القوارب، كيف أنها كانت تتكون من عدة ألواح خشبية ترتبط مع بعضها البعض، وأنها غالباً ما كانت ذات وظيفة مزدوجة، تستخدم للصيد والغوص بحثاً عن اللؤلؤ في الوقت نفسه. لا يخفي البروفيسور دهشته من هذا التنوع الكبير في أنواع السفن، مستذكراً أن أشهر سفن الغوص هي (الجالبوت والسمبوك والبقارة)، والأخيرة ظلت تستخدم حتى عام 1950 كما يقول الرواة، ولها صفات مشابهة لسفينة (البادان) العمانية بيد أنها تتميز بجذع منحدر وقائم خلفي مرتفع يعمل على دعم الدفة. أثناء جمعه الروايات والمعلومات من النواخذة وبناة السفن، لفت نظره أن الإماراتيين يطلقون أسماء على قوارب الغوص التي لها تصاميم ووظائف تختلف عنها في مناطق أخرى من الخليج. فمثلاً (البانوش) و(الهوري) قوارب تستخدم للصيد وللغوص بحثاً عن اللؤلؤ، والبانوش استقدمت من البحرين وهو الاسم غير التجاري لسفينتي (السنبوك) و(الشاشة)، بينما الهوري، هو الاسم الأول لزورق طويل ضيق يقاد بمجذاف واحد أو أكثر يصنع من تفريغ شجر المانجو من سواحل ماليبار. والبانوش والهوري الإماراتيين لهما خصائص مشابهة لقارب الشاحوف، وفي الوقت الحالي تقتصر وظيفتهما على السباق فقط، كما أكد لي التاجر سلطان الزعبي من ميناء البطين في أبوظبي. اللاعب الثاني اللاعب الرئيس الثاني في اقتصاد وحياة الإماراتيين كان الصيد، ولم يتغير حتى أوائل عام 1960. كان الصيد التجاري على السواحل الشرقية والغربية للإمارات هو المصدر الرئيسي للرزق والوظيفة الأساسية لسكان المنطقة، وتكمن أهمية الصيد في أنه كان مصدر للتجارة وليس فقط مصدر رزق للأفراد، وهو ما أكده صيادون من خورفكان وكلباء قالوا إنهم كانوا يصدرون صيدهم إلى أقاصي الشرق. ومن قوارب الصيد المستخدمة (ساما) و(السنبوك)، وقبل خمسين عاماً اعتاد «الجلاف» أي باني الزوارق أحمد صالح حسين الهماش الذي كان يقطن في خورفكان وكان آخر أقرانه في هذا المجال، أن يصنع (الشاشة) و(البقارة) و(الشاحوف). كان والده نوخذة، وكما جرت العادة عند بلوغه 15 عاماً كان يتوجب عليه أن يبحر مع والده في الرحلات البحرية الطويلة إلى الهند وإلى شرق إفريقيا. ومن بين الزوارق الثلاثة التي كان يبنيها أحمد فإن (الشاشة) هي الأكثر شهرة في يومنا هذا سواء في الدولة أو في عمان وباقي دول الخليج. وتسمى شقيقة السنبوك، نظراً للتشابه الكبير بينهما إلا أنها كانت تختلف ببعض الخصائص ومنها، أن جذعها كان مستقيماً وتنتهي باعوجاج مزدوج. ويرى ديفيد هاورث أنها «الأكثر سحراً وأناقة وذوقاً بين جميع قوارب الصيد العربية». ولقد قيل إنها من أكثر السفن شبهاً للمراكب الشراعية البرتغالية ذات السطح المربع والقضبان الأفقية المتناثرة على جانبي السفينة حتى مؤخرتها. ومن الأرجح أن تكون (الشاشة) من أصول يمنية او هندية. ولقد حاولت جاهداً التوصل إلى أصلها ولكنني لم أنجح في ذلك. أما قارب الشاحوف فهو مشابه للبقارة، وأما وصفهما فكلاهما عبارة عن قارب ذي مؤخرة مزدوجة ومقدمة حادة وفي المنتصف توجد سارية عمودية طويلة. ويستعيد البروفيسور ذكرياته عن الرحلات التي قام بها إلى الإمارات، حيث رأى في الفجيرة العديد من قوارب الشاحوف الراسية في موانئها، والتي كانت تستخدم في الأيام الخوالي للغوص وكانت تدار إما من قبل المجدفين أو البحارة. وفي لقاءاته مع بحارة الجيل القديم لمس من كلامهم اشتياقهم وحزنهم على ذهاب أيام الصيد. أما الصيادين الأصغر سناً فوجدهم سعداء بذهاب أيام المعاناة والكدح. لفترة قريبة كانت (الشاشة) تستخدم من قبل صيادي خورفكان وكلباء، ولكنها انقرضت الآن. وكانت تصنع من سعف النخيل وتتسع لشخص أو شخصين. وتوصف بأنها مرنة وممتازة لرياضة ركوب الأمواج مقارنة بالقوارب الحديدية الخشبية. ومن اللافت للانتباه أن (الشاشة) تتطلب جهداً قليلاً من الصياد لتحريكها كما أنها اقتصادية في كل أجزائها إضافة إلى الحبل المستخدم فيها وهو أيضا من شجرة النخيل، ويرجح أن التسمية جاءت من كلمة شيش وهو نوع من أنواع التمور والشاشة هي سعف النخيل التي يصنع منها القارب. بناء «الداو» يلاحظ البروفيسور دايونسيس أن بناة الزوارق الشراعية على مر السنين، طوروا في التراكيب الداخلية والخارجية لقواربهم تماشياً مع اختلاف أنواع الرياح والتيارات البحرية الآتية من المحيط المختلفة باختلاف الفصول، حيث كان شراع السفينة هو المحرك الرئيسي لها لأنه كان يعتمد على الرياح الموسمية، لكن التقنيات الملاحية اختلفت كثيراً منذ ظهور النفط ومحركات الديزل. تقنياً أدت العوامل البيئية إلى تغيير في تصاميم القوراب، لكن التغيرات البنيوية كانت بسبب ظهور محركات الديزل. كانت الدقة البصرية فقط هي «رأسمال» البنائين قديماً، وكان بناء الزوارق الشراعية معتمداً عليها بشكل رئيسي، يقول: «كان رئيس البناة يحفظ غيباً كل أبعاد السفينة وتفاصيلها، ومن ثم ينقلها إلى مساعديه. وهنالك طريقتان لبناء السفن، الطريقة المعتمدة قديماً لدى البحارة وتسمى بطريقة الصدفة الخارجية، حيث تصنع الألواح الخشبية في البداية والعارضة الخلفية ومن ثم الإطارات، أما الطريقة الثانية التي كان يستخدمها الغرب فتسمى بطريقة الهيكل حيث كانت تصنع الإطارات أولاً حتى يتشكل الهيكل وبعدها تثبت الألواح تباعاً حتى تكتمل السفينة. ولقد عرفت أن الطريقة الأولى كانت هي السائدة في منطقة الخليج والبحر الأحمر، وأنها ورثت عبر الأجيال ولم تتغير. ومما أثار إعجابي حقاً المزج بين طريقتي الهيكل والصدفة الخارجية، التي كان يقوم بها النجارون في ميناء البطين بأبوظبي، فبعد أن يضعوا العارضة الخلفية كانوا يصنعون سبعة أضلاع، يردفوها بصنع الألواح الخشبية. وهو الأمر الذي اعتبره الباحث إدوارد برادوس وهو متخصص في المراكب «ثورة في صناعة الزوارق الشراعية». وثمة صعوبات يعرفها المشتغلون في حقل الموروث الشعبي خاصة بالنسبة للأجانب، أما في ما يتعلق باللغة فهي لم تشكل للبروفيسور أي عائق، لأنه يتقن اللغة العربية جيداً، بل لاحظت أنه يتقن الحديث باللهجة الإماراتية المحكية إلى حد معقول، وأما عن الصعوبات العلمية فقد واجه الكثير منها ما جعله يختصر خطته الأساسية بأن يحتوي بحثه على 40 سيرة ذاتية أو شهادة إلى 14 شهادة. ومن صعوبات العمل بطريقة المقابلة المفتوحة أو الحرة التي استخدمها الباحث أن الراوي يسترسل ويتحدث كثيراً، وفي كل شيء، ثم يجد الباحث أنه لم يذكر سوى معلومات قليلة تهمه. وربما ينتقل من فكرة إلى أخرى قبل أن يكمل الفكرة الأولى مما يتطلب جهداً من الباحث ليعيده إلى خيط الحديث الأصلي. عدا ذلك، يؤكد البروفيسور أنه وجد تعاوناً كبيراً من جميع الذين التقاهم في الإمارات خاصة من الباحثين في التراث الشعبي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©