الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صلاح عيسى يتذكر يومين في السجن

صلاح عيسى يتذكر يومين في السجن
14 مايو 2009 00:47
الكاتب صلاح عيسى صاحب تجربة غنية في السجن. دخله وهو شاب يافع يؤمن بالافكار اليسارية، وظل أسير أسواره بأوامر عليا. كتب فيه أول كتبه التاريخية عن الثورة العُرابية. ويروي عيسى مشهداً من حياته قائلا: في السجن هناك أيام تكشف قدرتك على التحمل أكثر من غيرها. أتذكر يومين منها، كلاهما يرتبط بجمال عبد الناصر، يوم رفض الإفراج عني بأوامر مباشرة منه، ويوم وفاته، كنت دخلت السجن عام 1968 بتهمة التحريض على المظاهرات، وخلال الشهور الأولى بذلت أسرتي محاولات مضنية للإفراج عني، على اعتبار أنه ليس هناك مبرر لاستمرار حبسي، فأنا يساري والمطلوبون أيامها كانوا من اليهود والإخوان المسلمين. كانت تلك المحاولات مبنية على علاقة مع خالد محيي الدين، وذات يوم كان خالد محيي الدين يحضر اجتماعا في الاتحاد الاشتراكي والتقى وزير الداخلية آنذاك شعراوي جمعة، وكلمه في أمري. وتصادف حضور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ففاتحاه في الأمر وقالا إنني شاب يساري لا أشكل أي خطورة، وإذ بوجه عبد الناصر يربدُّ ويقول بحدة «الولد ده مش هيطلع من السجن طول ما أنا عايش»، وهذه الواقعة أخفاها خالد محيي الدين فترة طويلة ولم يضطر إلى إعلانها إلا تحت إلحاح أسرتي في السؤال عن مبرر استمرار حبسي. وأضاف: تلقيت الخبر في الزيارة، وكان عبدالناصر في عنفوان صحته وقوته، وقد هيأت نفسي لما لا يقل عن عشر سنوات سجن. عدت من الزيارة الى محبسي محموماً. أخذت منوما ونمت، والغريب أنني استيقظت في الصباح مرتاحاً راضياً منشرحاً، وتصالحت تماماً مع الموضوع، وعملت بنظرية «اعمل لسجنك كأنك ستسجن أبدا». وفي أول زيارة أعطيت أسرتي قائمة بالكتب التي أريدها، وشرعت فوراً في تأليف كتابي عن الثورة العُرابية، وما أن انغمست فيه حتى فارقني الاحساس باليأس، وبدأت أرى في السجن حياة عادية. صحيح أنها مملة ومحدودة، ولكنها في النهاية، أيام تنقضي، والأهم ان السجن هو المكان الأنسب للكتابة حيث الانعزال والهدوء والوحدة. وتابع: يوم وفاة عبد الناصر كان المفترض أن يكون يوم الإفراج عني، ولكن عندما وصلني خبر موته وأنا في السجن لم أتمالك نفسي وانخرطت في البكاء حتى طلوع الفجر، وقررت مع باقي الزملاء من الشيوعيين المساجين في ذلك الوقت إرسال برقية للسادات نقول فيها «الشيوعيون المصريون يعزون مصر والأمة العربية في وفاة عبد الناصر، ويأملون من السادات السير على نهجه وسياسته»، ولكن مأمور السجن رفض إرسال البرقية بحجة أن العبارة الأخيرة مصادرة على مستقبل سياسة السادات، واعترضت ودخلت معه في مشادة عنيفة، لكنه أصر على الرفض واعتبر نقاشي معه تطاولاً وتجاوزاً من مساجين، ولكي يعاقبنا على النحو الامثل قام بحملة تفتيش واسعة لعنابرنا، وأخذ كل الكتب والأوراق التي بحوزتنا واعتبرها ممنوعات وصادرها، ومنها مخطوط كتابي عن «الثورة العٌرابية»، وحقق معي ونقلت للحبس الانفرادي بتهمة تأليف كتاب عن «الثورة العُرابية»!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©