الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الظل الفاتر

الظل الفاتر
14 مايو 2009 00:47
من المؤكد أنني كنتُ أشاكس الحياة المحتشدة بالموت والفَقد وتداعيات الحروب حين اقترحتُ وصف (شعراء الظل) تسميةً لجيل الثمانينيات في العراق، فالظلّية التي قصدتها تحيل إلى الهامشي في تلك الحياة التي تتصدرها بطولات فجة تشيد على الأنقاض والغياب الفاجع والمفاجئ للحياة وتنعكس كتهويل خطابي في الشعر والرواية والفنون عامة . كان الثمانينيون هم الوقود الجسدي لتلك المحارق بسبب التقائهم عمريا بمتطلبات الجندية وشروطها، والمؤهَّلين - كمكافأة عن موتهم المحتمل والممكن - لتمثُّل تلك الظلية وتمثيلها من بعد في القصيدة التي دخلتها لغة تنضج على نار شديدة الاستعار تجعل حالة الظل الموصوفين بها افتراضية أو ورقية لحظة الكتابة. سيغيَب الموت منهم شعراء، وتمحو حياتهم وإشراقة شعرهم أقفاص الأسْر وعتماته، ويشيبون مبكرين شاحبين كأطفال النكبات والمجاعات والكوارث لكنهم يواصلون ظلّيتهم بتجاهل الواقع نفسه واعتباره عابراً لا مقيما ، وبذا تباعدوا عن موضوعات الملاحم والمغازي والفروسيات التي تفتح أبوابها لعسكرة أيامهم وابتعاد أحلامهم ومستقبلهم .سكنت خطواتهم في مدن لا تعرفهم ، ولا تريدهم ضائعين في شوارعها وعاطلين أيام استراحاتهم أو تسريحهم أو فرارهم مما أكمل حالة الظل وأقفلها عليهم . وبين هذين القوسين المتباعدين تنقحت موضوعاتهم وأساليبهم التي تسيَّدها الاختلاف المتجسّد في قصيدة نثر كرّسوا لها مخطوطات دواوينهم التي قاسمتهم الحالة الظلية فلم تخرج إلى الضوء بالنشر غالبا إلا بالاستثناء والاجتزاء. كان الجيل السبعيني يستحوذ على المشهد المستقبلي للشعر العراقي ويواصل إنجاز مشروعه الجدلي مع الشعرية العراقية المثقلة بالحضور التزامني الغريب لأجيال شتى، بينما كان الثمانينيون يلوذون بشعرهم بلا شفاعات او دعائم من بيانات نظرية وتعميد نقدي أو حتى تجمع صوتي يقدمهم ملخَّصين كجيل خارج الخندق في الحرب والمقهى أيام التشرد والعطالة. كانت الشكوك أشبه باشتراطات النمو والتكاثر لنبتات الظل المنزلية ذاتها التي تورق في صمت النور المتشكل هجساً وحدساً لا الضوء الفاقع المصنوع بالتكتل الشبيه بالصندوق القبلي : تبرّع فتكن منا! لم يكن الثمانينيون أحدا بل كانوا آحاداً تائهين في ميراث شعري متواتر والتباسات الصوت وصلته بالجوقة. قريبا يكبرون وسريعاً تعرفهم مدن بعيدة لم تكن موجودة إلا في الخرائط والأحلام ويتباعدون ولكنهم يقيمون في الظل الذي يذكرني الآن بوصف أكتافيو باث لشعر فرناندو بيساوا في دراسة مطولة (ترجمها المهدي اخريف مع مختارات شعرية لبيساوا) حين قال (حياته.. سائرة في الظل الفاتر: أدب الهوامش. منطقة مضاءة سيئاً.. ثم لا شيء بعدئذ غيرالعتمة من جديد). واحد من شعراء ذلك العقد أطلق مؤخراً وصف الجيل البدوي على شعراء الثمانينيات مسنداً للبداوة صفة التمرد والفوضوية حيث يقدم الشاعر محمد مظلوم في كتابه (حطب إبراهيم أو الجيل البدوي) تحليلات من زاوية نظره شاهداً ومشاهداً، لنا كراصدين للثمانينيات، قول لاحقٌ فيها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©