السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ريحان وفاكهة

ريحان وفاكهة
14 مايو 2009 00:48
كذلك تغنى الشعراء بالسفرجل، واعتبروه ريحانا فاكهة، لأنه شجر مثمر من فصيلة الورود، فقال عنه الصنوبري باستقصاء طريف وأنسنة مدهشة: لك فى السفرجل منظر تحظى به وتفوز منه بشمه ومذاقه هو كالحبيب سَعِرت منه بحسنه متأملا، وبلثمه وعناقـه يحكي لك الذهب المصفى لونه وتزيد بهجته على إشراقه فالشطر فى أعلاه يحكي شكله ثُدى الكعاب إلى مدار نطاقه والشطر من سفلاه يحكي سرَّه من شادن يزهو على عُشاقه ولأن الصنوبري الجنان المشرقي من أرهف الشعراء حسّا فإن مقدرته على استنطاق الأشكال وتجسيد الصور لا تضاهى، فالسفرجل يغزو حواس البصر والشم والذوق، وهو مثل الحبيب – لاحظ هنا اسم الجنس الذي ينطبق على كل من المرأة والرجل، لكن لا يخدعنك ذلك لأن انصرافه إلى الأنثى هو الوارد على خواطر الرجال وهو الذي يتسق مع بقية الأبيات – فالحبيب عندما تهتاج بمحاسنه تملأ عينيك بمنظره وتشعل حواسك بلثمه وعناقه، وهو يجمع إلى صفاء اللون الذهبي إشراقة الجمال البهيج. لكن ما يتميز به السفرجل في هذه الصورة هو أن أعلاه مثل الثدي النافرة الكعاب وأسفله يشبه السرة المدملجة المكتنزة التي تزهو على العشاق. أما كشاجم فهو يصف سفرجلات بقوله: ململات ككراة التَّبر معتقات لدقيق الخضر مشتملات بثياب صفر بنكهة العطر وفوق العطر يزرننا فى العصر وبعد العصر والواقع انك لا تستطيع ان تحدد الموصوف بدقة هل هو بعض ثمار السفرجل أو بعض الأوانس اللائي يشبهن هذه الثمار، فالصفات متراسلة بالتناوب بين الطرفين، فهن يتدحرجن مثل كرة الذهب المعقودة علي خصور دقيقة، وهي تلتف بثياب معصفرة صفر وقد فاح منهن العطر وما هو فوق العطر، وللقارئ أن يمضي في تخيل ما يتجاوز العطر على حسب مشتهاه من الشذى أو فتنة الأنوثة، وهن إلى جانب ذلك يزرننا غبّا بين الفينة والأخري ليزدننا حبا. ويتوارد بقية الشعراء في مختارات السري التي نمتح منها هذه النماذج على تلك الأوصاف يكررونها بأشكال مختلفة، فلا تعرف حينئذ إن كانوا يحتكمون إلي خبرتهم الحسية في معاينة الثمار والريا حين وإعادة تصويرها بهذه الطريقة ذاتها، أم أنهم يلجأون إلي ذاكرتهم الشعرية في استحضار صور السابقين عليهم، أم أن الطريقتين معا تفضيان بهم إلى هذا الدوران في الفلك ذاته. يقول بعضهم: « سفرجلات خرطُها/ مثل الثدي النهد زهر حلت بلونها / صبغة ماء المسجد» كما يقول شاعر آخر متمما هذه الرؤية الشعرية: « إن السفر جل ريحان وفاكهة / يحظى المشم به والذوق والنظر يحكي وذيلة تبر أو لهيب لظي/ شبت ضحى وشعاع الشمس منتشر» فإذا عرفنا أن الوذيلة هي المرأة الرشيقة النشيطة تمثلت السفرجل الذي فتنة الحواس كلها وهو يحكي الأنثى الذهبية الملتهبة التي تشب في الضحى فنتشتعل بحضورها بهجة الدنيا ومتعة الحياة في الروح والجسد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©