الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضعْف إحْساسنا بنظام اللّغة

ضعْف إحْساسنا بنظام اللّغة
14 مايو 2009 00:49
اللّغة نظامٌ محكَم يتكوّن من مجموعة من الإشارات الصوتيّة لو يقع الاختلال في استعمال إحْداها يختلّ نظامُها، ويقَع اضطراب في الرسالة المكوَّنة منها: إمّا إرْسالاً وإمّا استقبالاً. ولنتصوّرْ أنّ مجموعة من الناس، في عاصمة من العواصم، يمرُقون عن نظام السير في الشوارع، فيركضون بسياراتهم فيما لا يحقّ لهم فيه الركضُ بعَمْدِهم إلى السلوك في الاتجاهات الممنوعة، وذلك بتجاهل أضواء الإشارة الدّالة على قواعد السير، فيخترقون مُفترَقَ طرقٍ والإشارةُ الحمراء مضاءة، وهلمّ جرّاً من اختراق ما يكوّن النظام العامّ للسير بالسيارات في الشوارع والطرقات: ما ذا كان يحدث؟ ولنفترضْ أنّ طبيباً يُجري عمليّة جراحيّة فيخرج عن نظام الاستعمال بعدم تعقيم أدوات الجراحة، والمكان المجروح، أو العضو المقطوع... ما ذا كان يحدث؟ لا ريب في أنّّ المخترِق لأحَدِ النظامين سيتعرّض للمحاكمة والعقاب، لأنّه اعتدى على نظام اجتماعيّ وقانونيّ فنشأ عن ذلك الإخلال بالنظام العامّ في المجتمع... غير أنّ أحداً منّا لا يكاد يفكّر حين يخترق نظام اللّغة فيرفع المنصوب، وينصب المرفوع، ويذكّر المؤنّث، ويؤنّث المذكّر، وينطق ما يبتدئ من الألفاظ بفتحٍ بالكسر، وما يبتدئ منها بكسْرٍ بالفتح، وهلمّ جرّاً... ومن أمَارات ضعْف إحساس الناس بنظام اللّغة ودَوْسِهِم نِظامَها الذي يتبوّأ في بعض الأطوار مكانةً توشك أن ترقَى إلى درجة التقديس الاجتماعيّ، أنّي قرأت في هذا الصباح في الشبكة العنكبوتيّة عنواناً يتحدّث عن دورة رياضيّة فإذا نصُّه: «تواصلت البطولة الآسيويّة الحادية عشر لكرة اليد في يومها الحادي عشر»، فالكاتب هنا لا يمتلك الإحساس اللّغويّ الذي يمكّنه من التمييز بين الترتيب العدديّ بين مذكّر ومؤنّث، واجتزأ بتأنيث الجزء الأوّل من ترتيب البطولة فقال: «البطولة الآسيويّة الحادية عشر»، عوضاً عن «الحادية عشرة». وليس هذا المثالُ إلاّ واحداً من مئات الأخطاء التي لا نقرؤها في الصحف السيّارة، يوميّاً، فحسب، ولكِنَّا أمسينا نقرؤها في بعض الكتب أيضاً. إنّ اللّغة العربيّة في دقّة استعمالاتها، ولَطافة دلالاتها، وصرامة فُرُوقِها، ليست الإنجليزيّةَ أو الفرنسيّة اللَّتيْنِ لا تكادانِ تُعْنَيَانِ بالتمييز بين المؤنّث والمذكّر في الاستعمال، وذلك لإهمال القوم فيهما مكانة المرأة اللغويّة، بل إنّ العربيّة تعنى عناية شديدة بالتمييز بين المذكّر والمؤنّث في الاستعمال، فإن الفرنسيّين مثلاً يقولون وهم يخاطبون المرأة: «أنتِ تمشِي»، كما يخاطبون الرجلَ، حَذْوَ النعل بالنعلِ؛ على حينَ أنّا، نحن العربَ، لو خاطبْنا امرأةً بهذه العبارةِ لكانت إهانةً لها بتجريدها من أنوثتها بهذا التذكير، ولكان ذلك خرْقاً للنظام اللغويِّ، وإذن لفسَد هذا النظامُ المحكَم وأمسى عُرضةً للاضطراب والتشويش. ونعتقد أنّ المدرسة العربيّة، التي تكابد ضعفاً شديداً في مستوى التعليم، في المشرق والمغرب، هي العلّة الأولى في استفحال هذه الكارثة اللّغويّة التي تجعلنا نتشاءم تشاؤما قاتماً من أن يكون للعربيّة شأنٌ في المستقبل القريب، ذلك بأنّنا إذا كنّا نُخطئ في استعمال العبارات البسيطة ولا نعتني بها، فما القولُ في إيجاد آلاف المصطلحات العلميّة، وكيف يمكن لعلمائنا أن يبحثوا بالعربيّة وهم لا يعرفونها، لأنّ المدرسة العربيّة قاصرة في هذا الشأن، ولا تبرح تبحث عن نفسها بين الفرنسيّة في بلاد المغرب، والإنجليزيّة في بلاد المشرق، واللّهُ المستعان!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©