السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جزيرة داس.. حكاية الشعلة الرهيبة وسحابة الدخان الكثيف الأسود!

جزيرة داس.. حكاية الشعلة الرهيبة وسحابة الدخان الكثيف الأسود!
14 مايو 2009 00:51
لم أكن أعرف عن البترول عندما وصلت إلى أبوظبي في يناير 1971 أكثر من أنه وقود للسيارات والطائرات ومولدات الكهرباء .. وأن أبوظبي هي إحدى المناطق الرئيسية التي اكتشف البترول فيها. وعندما التقيت معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة والذي كان رئيساً لدائرة بترول أبوظبي في ذلك الوقت بعد خمسة أيام من وصولي إلى أبوظبي سألني: ماذا ستقدم في الإذاعة والتلفزيون؟ قلت: أريد أن أقدم برنامجاً عن البترول.. ولكنني بصراحة لا أعرف الكثير عن هذا الموضوع.. وفاقد الشيء لا يعطيه. قال: نستطيع أن نزودك بالمراجع وما عليك إلا الإطلاع ولو احتجت لأي معلومات إضافية فنحن سنطلب من المسؤولين بالدائرة أن يزودوك بها. أغراني هذا العرض الكريم بالدخول في تجربة الإعلام البترولي. وتقدمت باقتراح إنتاج برنامج أسبوعي عن البترول في الإذاعة والتلفزيون. لم أكن أعرف عن البترول عندما وصلت إلى أبوظبي في يناير 1971 أكثر من أنه وقود للسيارات والطائرات ومولدات الكهرباء .. وأن أبوظبي هي إحدى المناطق الرئيسية التي اكتشف البترول فيها. وعندما التقيت معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة والذي كان رئيساً لدائرة بترول أبوظبي في ذلك الوقت بعد خمسة أيام من وصولي إلى أبوظبي سألني: ماذا ستقدم في الإذاعة والتلفزيون؟ قلت: أريد أن أقدم برنامجاً عن البترول.. ولكنني بصراحة لا أعرف الكثير عن هذا الموضوع.. وفاقد الشيء لا يعطيه. قال: نستطيع أن نزودك بالمراجع وما عليك إلا الإطلاع ولو احتجت لأي معلومات إضافية فنحن سنطلب من المسؤولين بالدائرة أن يزودوك بها. أغراني هذا العرض الكريم بالدخول في تجربة الإعلام البترولي. وتقدمت باقتراح إنتاج برنامج أسبوعي عن البترول في الإذاعة والتلفزيون. لم يشجعني وكيل الدائرة في ذلك الوقت بل حذرني من الدخول في مجال خطر كالبترول، وخاصة بترول أبوظبي، لكنني، وبعد أن قمت بدراسة المعلومات التي قدمها لي معالي الدكتور مانع والجلسات التي عقدتها مع كبار المسؤولين في دائرة البترول، شعرت بأهمية الموضوع بل عرفت أنه الموضوع الأول الذي يجب أن يتناوله الإعلام في بلد يعتمد على عائدات البترول بشكل تام. وبالفعل شهد شهر فبراير بداية تقديمي لبرنامج الذهب الأسود والذي استمر حتى نهاية 1990 في إذاعة وتلفزيون أبوظبي. كان البرنامج أسبوعياً ويحتاج إلى جهود حثيثة في تجهيز مواده وخاصة المصّور منها. في ذلك الوقت.. كانت الصناعة البترولية في جميع الإمارات حكراً على الشركات الأجنبية. وفي أبوظبي وهي الإمارة الرئيسية المنتجة للنفط كانت هناك شركتان رئيسيتان: هما شركة نفط أبوظبي المحدودة (ADPC) وهي التي تملك امتياز المناطق البرية.. وشركة مناطق أبوظبي البحرية المحدودة (ADMA). كانت الأولى مملوكة لشركة النفط البريطانية وشركة شل وشركة النفط الفرنسية وشركة استاندارد أويل أوف نيوجرسي وشركة موبيل أويل الأميركيتين.. وطبعاً معها مؤسسة كلبنكيان التي كان يطلق عليها "مستر فايف برسنت".. نظراً لأن هذه المؤسسة المسماة بمؤسسة المساهمة والاستكشاف داخلة في معظم الاتفاقيات البترولية في المنطقة بنسبة 5 في المئة. أما الشركة الثانية البحرية وهي شركة مناطق أبوظبي البحرية المحدودة "أدما"، فكانت مملوكة من شركة البترول البريطانية بنسبة الثلثين وشركة البترول الفرنسية بنسبة الثلث. والشركات الأخرى كانت صغيرة وجميعها كانت غير منتجة. تصورت أنني عندما سأقرع أبواب هذه الشركات طالباً منها المساعدة في تقديم المعلومات والأفلام أو على الأقل إتاحة الفرصة للعاملين لديها بالتحدث عن البترول الذي يشرفون على إنتاجه ستفتح لي تلك الأبواب المغلقة، ويهب المسؤولون بدءاً من المدير العام وانتهاء بأصغر موظف بتقديم وتلبية كل ما أحتاج إليه. ولكن لم يكن الأمر كما تصورت.. وبضغوط شديدة استخدمت فيها قوة شخصية معالي الدكتور مانع العتيبة، تمكنت من الدخول إلى حصون تلك الشركات ورؤية الواقع كما هو.. وتسجيل الحقائق بوضوح تام. الملاحظة الرئيسية التي سجلتها أنه لم يكن هناك لديهم مسؤولون عرب.. ولا حتى أجانب يتكلمون العربية. الرحلة الأولى التي قمت بها مع فريق التصوير والذي كان يضم المخرج الأخ علي واكد (لا أدري أين هو الآن)، ومصور (16/مم) ومساعد مصور.. كانت إلى جزيرة داس التي تقع إلى الشمال الغربي من جزيرة أبوظبي وعلى بعد مائة ميل منها. الجزيرة كانت صغيرة لا يزيد طولها عن ميل ونصف الميل ولا يزيد عرضها عن ثلاثة أرباع الميل.. ولكنها تعج بالمنشآت البترولية وتستخدم كقاعدة وميناء لتصوير البترول الخام المنتج من المناطق البحرية وبالتحديد من حقل أم الشيف وحقل زكم. عندما أطلت علينا الجزيرة.. شاهدت سحابة كثيفة من الدخان الأسود.. تنبعث من شعلة ضخمة في طرف الجزيرة الشمالي. بهرني المنظر وطلبت من المصور أن يركز عليه. وأذكر يومها أنني علقت على مشهد الشعلة الضخمة بقولي: هذه الشعلة التي تضيء ليل الجزيرة هي عنوان الصناعة البترولية في أبوظبي وهي النور الذي تسير عليه نهضتها المباركة. عندما عُرضت الحلقة.. اتصل بي معالي الدكتور مانع العتيبة وطلب مني الحضور إلى مجلسه. - ماذا فعلت يا خليل؟ - أعجبتك الحلقة؟ - الحلقة جيدة لولا تلك الشعلة التي ركزت عليها. - نعم .. صورناها من جميع الجهات .. إنها رائعة فعلاً. ابتسم معاليه وقال بمرارة: - يا خليل هذه الشعلة هي محرقة مستمرة لا تتوقف لثروة لا تقل أهمية عن البترول ألا وهي ثروة الغاز. لأول مرة أسمع كلمة الغاز.. ولم أخف صدمتي من كلام معاليه فقلت: - إذا كانت هذه الشعلة محرقة للغاز.. فلماذا تستمر؟ لماذا لا نطفئها؟ قال معاليه: لأننا لم نقم بعد بمشروع تسييل الغاز.. وهذا الغاز الذي يحترق هو الذي يكون مصاحباً للبترول الذي ننتجه من حقول أم الشيف وزكم.. وحتى لا ينتشر في الجو فنحن نقوم بإحراقه. قلت: ولكن هذا حرام. قال: نعم.. ونحن منذ تسلمنا مسؤولية الصناعة البترولية قمنا بإجراء الدراسات وإعداد الخطط لإنشاء مصنع لتسييل الغاز في الجزيرة لنتمكن من إطفاء هذه الشعلة التي قمت بمدحها ونظم الشعر حولها ولنتمكن من الاستفادة من ثروة الغاز النظيفة التي يحتاج إليها العالم. تحولت بعد هذه الكلمات إلى دراسة موضوع الغاز في أبوظبي، وقمت بمتابعة خطوات دائرة البترول على طريق إنشاء المصنع الخاص بتسييل الغاز في جزيرة داس ومصنع آخر للغاية نفسها في المناطق البرية.. وكان لي شرف تسجيل الخطوات الأولى على طريق تصنيع الغاز الذي كان يخرج مصاحباً للنفط الخام ويتم إحراقه هدراً.. فلا نخسر العائدات فقط بل إن الإحراق نفسه يساهم في تلويث البيئة. ففي العاشر من مارس 1973 تم توقيع اتفاقية إنشاء مصنع الغاز في جزيرة داس.. وقعها معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة بصفته وزيراً للبترول والصناعة ورئيس مجلس إدارة شركة بترول أبوظبي الوطنية، والأطراف الأخرى التي وقعت الاتفاقية ممثلون عن شركة البترول البريطانية وشركة البترول الفرنسية وشركة ميتسوي وشركة بريدجستون اليابانيتين بتكلفة أعلن عنها يومها في حدود سبعمائة مليون دولار وقد تم شراء إنتاج هذا المصنع من قبل شركة كهرباء طوكيو (تبكو). لم تنطفئ الشعلة الرهيبة في جزيرة داس إلا عام 1976، وحينما زرت الجزيرة بعد انطفائها كنت سعيداً بنهاية المحرقة ونظافة الجو الخالي من غاز الكربون. كانت الشركة توفر للعاملين في الجزيرة كافة مجالات الترفيه الممكنة، وكانت الحياة فوق جزيرة داس مغرية ولكنني لاحظت أن معظم العاملين كانوا من غير العرب.. أما المواطنون فلم يكن هناك إلا خمسة معينون من دائرة البترول لمراقبة شحنات النفط والتأكّد من صحة الأرقام التي تضعها الشركة لأنه بناء على تلك الأرقام كانت تحسب العائدات. أما ممثل الحاكم في الجزيرة فكان ذلك الرجل الطيب مبارك بن حاضر المهيري "رحمه الله" والذي كان يحرص على استقبالنا في منزله فوق الجزيرة ويغرقنا بكرمه العربي الأصيل. ورغم أن الجزيرة قاعدة من قواعد الصناعة البترولية الرئيسية في الإمارات إلا أن جميع المرافق التي تجدها في أي مدينة موجودة أيضاً في الجزيرة؛ البريد، الاتصالات، المتاجر، حتى البنوك لها فروعها على الجزيرة. وكذلك الرعاية الصحية متوفرة وعلى أعلى المستويات. وخلال عشرين عاماً، قمت بزيارة هذه الجزيرة أكثر من ثلاثين مرة .. وفي كل مرة كنت أراها تتطور، ليس في البناء والمصانع الجديدة فحسب بل بالقوة البشرية حيث بدأت أصغي إلى اللغة العربية من المواطنين ومن المهندسين والعمال العرب، وذلك بفضل حملة التعريب والتوطين التي أوصى بها فقيد العروبة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان "طيب الله ثراه". فخلال سنوات قليلة، تم إنشاء شركة بترول أبوظبي الوطنية لتمثل الدولة في هذه الصناعة الاستراتيجية، ولتسيطر على الشركات العاملة من خلال تطبيق اتفاقيات المشاركة التي وصلت إلى أن تكون حصة شركة بترول أبوظبي الوطنية في تلك الشركات 60 في المئة. عندما زرت جزيرة داس للمرة الأولى اعتقدت لأول وهلة أنني نزلت في بلد أجنبي، فلم يكن فيها ما يشير للعروبة إلا خمسة موظفين للدائرة وممثل الحاكم مبارك بن حاضر.. وإلا أرض الجزيرة التي كانت تتكلم العربية الفصحى. وآخر مرة زرت فيها الجزيرة كان عام 1990 حيث لاحظت أن الوضع قد تبدّل.. وكان عدد المتكلمين بالعربية يفوق حتى نسبة المشاركة 60 في المئة. كانت جزيرة داس محطة رئيسية من محطات برنامجي الذهب الأسود.. وكنت فخوراً أن أدعو إليها زوار الوزارة وضيوفها وخاصة أولئك الذين كانوا يبدون الاهتمام بالإطلاع على واقع الصناعة البترولية في دولة الإمارات العربية المتحدة. خليل عيلبوني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©