الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«نبش القبور» تكشف الزيف والطمع والوحشية

«نبش القبور» تكشف الزيف والطمع والوحشية
25 مارس 2010 23:47
تواصلت مساء أمس الأول بقصر الثقافة بالشارقة عروض الدورة العشرين من أيام الشارقة المسرحية، بتقديم فرقة مسرح رأس الخيمة الوطني عرضها المسرحي “ نبش القبور” من تأليف وإخراج الفنان سالم العيان، وتمثيل سعيد بتيجا في دور (فاضي) وبمشاركة مجموعة من شباب مسرح رأس الخيمة وهم عبدالرحمن الكاس وأحمد شاهين ومريم الكعبي وفاطمة الكعبي وربيع الجربي ونبيل الشميلي وغيرهم. ولتأسيس فضاء ومناخ المشاهدة يستهل المؤلف والمخرج رؤاه وأطروحاته الخاصة بالعرض من خلال كلمة يوردها في الكتيب تقول “ عندما يموت الضمير وتنعدم الرحمة، يبقى الجسد فقط مع الطموح، بلا خلق وعطف وحب أو ذكرى حسنة، فقط روح .. فهل من المعقول أن يكون اسمه إنسان، أم من المعقول أن يفكر الإنسان بنفسه، وينسى باقي الأنفس.. إذا نحن بحاجة لنبش القلوب التي أصبحت كالقبور”. وكي يجسد المخرج مقولته على الخشبة استعان بسينوغرافيا تجمع بين الرمزية والمباشرة من خلال وضع مجموعة من القبور والشواهد في وسط وجوانب الخشبة، والاستعانة في ذات الوقت بالألواح السوداء والشفافة التي تحركت وتشكلت مع التنويعات البصرية والموضوعية لفكرة العرض، وساهم في تصميم هذه الديكورات الفنان التشكيلي المعروف عبيد سرور، بينما ساهم في وضع كلمات أغنيتي البداية والختام الشاعر مطر رمضان. يبدأ العرض على صورة انعكاسات وظلال يكونها شخوص غامضون لمشهد جنائزي وبمرافقة رقصات تعبيرية، تتعزز هذه المشاهد التعبيرية من خلال أغنية البداية التي يؤديها بطل العرض سعيد بتيجا، دون أن نراه، تقول كلمات هذه الأغنية “ إنتو نسيتو الأسف، وعفتو مباديكم يوم دفنتو القيم، ضاعت مباديكم والشر من ظلمته، حلّ بمباديكم والخير نوره خفت، وأظلم بعد يا ناس” وبعد أن تنجلي هذه الظلال والانعكاسات، وبعد أن يخفت تدريجيا صدى الأغنية أو الموّال، تتكشف للمشاهد بيئة العرض التي تترجم المناخ المعتم والخانق لأرض المقبرة، حيث نجد الشخصية الرئيسية في العمل الذي يدعى (فاضي) ــ سعيد بتيجا ــ وهو يتجول وسط هذه المقابر ويرتشف من زجاجة الخمر التي لا تفارقه، وحوله تحوم أشباح سوداء وأخرى بيضاء في ثنائية متعارضة أراد المخرج أن يرمز بها إلى عنصري الخير والشر أو النقاء والتلوث، وبين هذه الكائنات الشيطانية والأخرى الملائكية المتصارعة فيما بينها، كان (فاضي) يتداخل ويتفاعل مع الوساوس ومع النصائح التي كان يسمعها من الطرفين، ومن خلال تشكيلات جسدية ورقصات تعبيرية مكثفة كانت الكائنات البيضاء والطيبة تموج وتتحرك وتتلاطم لإخراج (فاضي) من عزلته وعذاباته ومن اختياره المقبرة كمهرب وملجأ أخير من جحيم الآخرين ومن الوحوش الآدمية التي تعيث فسادا خارج أسوار المقبرة، بينما كانت الشياطين السوداء تحوم هي الأخرى وتتراقص وتقاوم الكائنات اللطيفة من أجل إبقاء الوضع على ما هو عليه، وتكريس عذابات (فاضي) وإدخاله في دوامة من اليأس والانهزام والموت الافتراضي وسط الأموات الحقيقيين. ومع توالي مشاهد العرض ونقلاته المتصاعدة نحو تفسير الوضع الغريب والشاذ للبطل نكتشف أن فاضي كان طبيبا مرموقا في علم النفس، وأنه تعرض لصدمات وعذابات داخلية عنيفة عندما اصطدم بجشع الناس وطمعهم، ومنها الصدمة التي تلقاها من شقيقه الأكبر الذي كان سببا في موت والدهما في دار العجزة نتيجة للقهر والحزن الذي ألمّ به، وذلك بعد أن طمع هذا الشقيق في منزل الأب، وتخلّى عن كل عاطفة يملكها كي يرمي بوالده في تلك الدار الموحشة والبعيدة، وتعيد ذاكرة (فاضي) الكثير من الحكايات التي خبرها وعاشها مع أبناء جاحدين وناكرين لفضل آبائهم عليهم وكل ذلك من أجل المصلحة الشخصية وكسب المزيد من الأموال. هذه الأسباب وغيرها جعلت الطبيب المرموق يلجأ للمقبرة ويتخذها ملاذا حقيقيا وبديلا لكل الزيف والطمع والوحشية التي لوثت أبناء الزمن الجديد وجعلتهم صرعى وضحايا لأهوائهم المظلمة واللاإنسانية. عاب على العمل استغراقه الطويل والمتشعب لشرح مقولته، حيث استغرق الاستعراض الحركي والحوارات الغامضة والمشتتة الجانب الأكبر من زمن العرض، بينما ذهبت المشاهد النهائية نحو شرح المقولة وبأسلوب مباشر ووعظي ومتناقض مع الجو الغرائبي والرمزي الذي طغي على المشاهد التأسيسية للعرض. عموما فإن “نبش القبور” عمل يدخل في المحاولات التجريبية والجمالية التي لم ينضج عودها بعد في المشهد المسرحي المحلي، ولكنه عمل على كل حال لم يخل من الجرأة والبحث والحماس، كما أنه توفر على عامل مهم لتطوير المحاولات المستقبلية لفرقة مسرح رأس الخيمة الوطني، ونقصد بها هنا عامل الألفة والحميمية التي جمعت أعضاء الفرقة وجعلتهم يبذلون جهدا مضاعفا من أجل صياغة حالة مسرحية متأججة ومشمولة بالأمل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©