السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة الزجاج.. حرفة تتمسك بحضورها في ذاكرة الصرفند

صناعة الزجاج.. حرفة تتمسك بحضورها في ذاكرة الصرفند
24 فبراير 2014 21:06
بيروت (الاتحاد) - يعتبر الزجاج المادة الصناعية الأقدم تاريخاً، ومكتشفوه الأوائل هم المصريون الذين نفخوا فيه وحولوه إلى كتل دائرية، حولها الحرفيون فيما بعد إلى أشكال جميلة. فهو موروث تراثي وثروة غنية يدوية يجدها الزائر في بلدة الصرفند المرتبطة بالحياة الاجتماعية والمعيشية، على ساحل لبنان الجنوبي. إذ اقترن اسمها بصناعة الزجاج اليدوي المنفوخ، التي دعت الحاجة إلى مزاولتها حسب احتياجات الإنسان والمجتمع، فزادت عزيمة ورثة هذه المهنة، على التمسك بها ومحاولة الإبقاء عليها، غير أنّ ما تعانيه من تكلفة باهظة في مقابل غياب التسويق والتصريف والدعم الحكومي والأهلي، ينذر بانقراضها‏?. الاحتفاظ بالأصالة تقول مسؤولة العلاقات العامة في معمل زجاج الصرفند نسرين خليفة إن «وجود الإنسان على الأرض هو جوهر التفاعل البيئي، وهو الذي يتحكم بالبيئة وهو الذي يضر بها، فمع الثورة الصناعية التي أدخلت الآلة والمكننة حدث خلل في التوازنات البيئية الصناعية والحرفية». وتضيف «مهنة نفخ الزجاج لاتزال تحتفظ بأصالتها، وطابعها المحلي المتميز على الرغم من دخول منتجات صناعية حديثة زاحمت الصناعة اللبنانية والحرف الشعبية، وكادت تقضي عليها»، مشيرة إلى أن أصحابها لا يزالون يمتهنونها كمصدر للرزق، إلى جانب اعتبارها حرفة تقليدية يحتفظون بها للأجيال القادمة، لعلهم يسيرون على خطى أجدادهم وآبائهم لتكون خير معين لهم في أحلك الظروف. وتوضح خليفة أن تدوير الزجاج الملون أو الشفاف هو مجموع من قوارير زجاجية، تكون من مخلفات المطاعم والزجاج المحطم لينتج المعمل الأباريق والكؤوس والأكواب والزهريات ومناضد الشموع والقناني الزجاجية الملونة وحبيبات الخرز المشغولة بحرفية متقنة. وعما تحتاجه هذه المهنة التقليدية، تقول خليفة إنها تتطلب مهارات تدريبية معينة قد تستغرق من 3 إلى 4 سنوات لإتقانها، لافتة إلى أن أهم متطلبات العمل في هذه المهنة، تتمثل في تحمل مشقة العمل أمام أفران الشي، وتوافر الروح الإبداعية والفنية عند العامل لاكتساب مهارات التشكيل. وتتابع «مما لا شك فيه أن طبيعة العمل في هذه المهنة، والجهد المبذول الذي لا يتناسب مع المردود المادي، أدّيا إلى تراجع الإقبال على تعلم هذه المهنة وتقهقر هذا الفرع الصناعي ذي المغزى التراثي»، موضحة أن المعمل اليدوي هذا كان يشغّل منذ 3 عقود نحو 50 شخصاً من الحرفيين. أما اليوم فيعمل فيه 8 معلمين من عائلة واحدة، وهم من يشغّلون المصنع، الذي يعتمد في أكثره على التذويب في الفرن والنفخ والتدوير». آلية الصناعة عن كيفية صناعة الزجاج، تقول خليفة «فرن المصنع، الذي يشتغل فيه حرفيان يداومان نهاراً، وآخر ليلاً، يمد كل منهم أنبوبه داخل بيت النار شديد الحمرة، فتعلق على فوهته كتلة من الزجاج المذوب الأحمر، ليعالجها قليلاً، ويعطيها الشكل الأولي الذي يرغب فيه، ثم ينفخ في الأنبوب لتأخذ الكتلة الشكل المطلوب. وبعد الانتهاء من القطعة، يضعها في ممر مقفل طوله أربعة أمتار، وهي الطريقة التقليدية التي اعتمدت للتبريد التدريجي للزجاج»، مضيفة إذا أخرج الحرفي القطعة إلى الخارج، ينقلها من درجة حرارة سبعمائة إلى عشرين درجة مئوية فتتحطم بثوان، لذلك يبردها تدريجياً على مراحل إلى خمسمائة درجة، ثم أربعمائة، حتى المائة، قبل نقلها للخارج، وتستغرق ساعة بين كل مرحلة وأخرى». وتشرح أنه بالإمكان تنفيذ أي تصميم يرسم على الورق بالزجاج، موضحة أن المصانع الحديثة تعتمد القوالب الجاهزة، فيما الحرفيون يمتازون بالقدرة على إنتاج الأشكال المختلفة. وبخصوص الألوان التي يمكن تلوين المنتجات بها، تقول خليفة «على حرارة 1400 درجة، نستطيع إعطاء الزجاج اللون الذي نريد بإضافة أكسيد معين لكل لون، وذلك سر من أسرار المهنة». ويقتصر النفخ على منتوجات صغيرة هي للهدايا أكثر منها للاستخدام اليومي، وقد طلي بعضها بأكثر من لون، ودخل بعضها في عملية النفخ والصهر ليتحول إلى زجاج رقيق يموج بالحبيبات الملونة، وطُعّم البعض الآخر القليل بالنحاس والحديد، أو بالزجاج عينه على شكل زخرفة وخطوط. وما يميز هذه الصناعة في الصرفند، ألوانها الشفافة المتعددة من الشفاف الأبيض المتقن، إلى الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأخضر، والعسلي. وتوضح خليفة أن أصحاب المعمل أحضروا صبغة هذه الألوان من ألمانيا. وعما يتهدد المهنة، تقول خليفة إن انقراض هذه الحرفة سيكون سببه عدة عوامل منها ارتفاع التكاليف، ومحدودية الأسواق، وتراجع عدد الحرفيين، داعية إلى فتح الأسواق لبضاعتهم لتمكينهم من الاستمرارية، وإيجاد منافذ بيع خارج لبنان. مشاركات في معارض وتشير نسرين خليفة إلى أن المعمل شارك في معارض عدة منها في فرنسا، وفي «معهد العالم العربي» و«مون بليه» وفي «القرية العالمية» في دبي، لافتة إلى أن المعارض هذه السنة كانت قليلة، وكذلك السياح. وحول أهمية الحفاظ على الحرف التي هي موروثة عن الأجداد، تؤكد أن معمل الصرفند يبذل كل جهوده لينفع المجتمع، ويزوده بفكره وعمله، وكلما توافر العاملون في دولة ما نهضت الدولة، وارتقت، واستطاعت أن تأخذ مكانها بين الدول.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©