الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فتنة ··· الآخر

13 ابريل 2008 22:47
من هنا نبدأ للمرة الثانية، فقد أطلق النائب البرلماني الهولندي ''جيرت فيلدرز'' فيلمه ''الفتنة'' الذي أظهر صوراً دموية مروعة لهجمات إرهابية، أراد بها أن يؤكد مزاعمه القائلة إن القرآن مصدر رئيسي لعنف المتطرفين الإسلاميين، ومن رأي المؤيدين، أن الفيلم -سواء أخطأ صاحبه أم أصاب- يعد رأياً في غاية الأهمية، وأنه يحق لـ''فيلدرز'' التعبير عن وجهة نظره وإطلاق فيلمه، طالما أنه ينتمي إلى مجتمع ديمقراطي حر ومفتوح، غير أن المعترضين على الفيلم كثر جداً، فمن ناحيتها أعلنت كل من إندونيسيا وإيران شجبهما للفيلم، أما في كراتشي، فقد تم إحراق العلمين الأميركي والهولندي، وسط مظاهرات حاشدة ضد الفيلم نظمت يوم الأحد قبل الماضي، بمشاركة نحو 25 ألفاً من المحتجين الذين توعدوا بالانتقام من الإساءة التي وجهها الفيلم إلى الإسلام والمسلمين، بل إن حلف الناتو نفسه أبدى قلقاً من أن يهدد الفيلم سلامة الجنود الدوليين التابعين له في أفغانستان· وكان جدل شبيه بهذا قد ثار في عام ،2005 إثر نشر صحيفة هولندية لسلسلة من الرسوم الكاريكاتورية وصفت بالمسيئة لنبي الإسلام، واليوم مثلما الأمس، فإن كلا الطرفين مخطئ بقدر ما هو مصيب في موقفه وتفسيراته لمحتوى الفيلم، وفي غضب كليهما يفسر كل طرف من الطرفين -محقاً- مضمون الفيلم باعتباره مؤشراً على ''صدام حضارات'' بين الإسلام والغرب، بيد أن هذا التفسير يغفل فحوى الأمر ويسهم في تعزيز فهم مضلل وسلبي لطبيعة الخلاف· ثم إنه سبق لنا أن كنا في هذا الموقف نفسه قبل أربعين عاماً من اليوم، وأعني بهذا اغتيال ''مارتن لوثر كنج'' -زعيم حركة الحقوق المدنية الأميركية- في لجة العنف والنزاعات الداخلية التي كانت تمزق أوصال المجتمع الأميركي، وعلى رغم محاولات الكثيرين طمس الحوار الدائر حينها وتمويه ملامحه، إلا أن ''لوثر كنج'' استطاع أن يرتقي بمستوى ذلك الحوار بقوله بوجود فئتين اجتماعيتين فحسب في عالمنا هما: الذين يريدون لأنفسهم أن يتكتلوا بصفتهم أغبياء، وأولئك الذين يرغبون في اقتسام الحياة مع الآخرين بصفتهم إخوة وأشقاء· وكما نرى فقد سعى ''فيلدرز'' بفيلمه هذا، إلى تعزيز صورة انقسام العالم بين إسلام وغرب، بينما يلاحظ وقوع منتقديه في ذات الفخ الذي نصبه لهم، والذي يوحد ما بين هاتين المجموعتين، لهو أقوى وأشد مما يوحد بين غالبية البشر، أما بالنسبة لمن هم يفتحون عقولهم منا أمام رسالة ''لوثر كنج'' الواردة آنفاً، فإن هناك بديلاً مؤكداً لثنائية التضاد بين الغرب والإسلام هذه، ذلك إن لدينا فهماً مختلفاً للغاية، لما يكون عليه الإنسان إنساناً من حيث هو، مسلماً كان أم مسيحياً، وهذا ما نصطلح عليه في منظمة ''إنترفيث'' التي أرأسها، بعبارة ''تحدي الانتماء العقدي''، وليس في هذا الانتماء ما يحفر هوة عميقة بين المسلمين والمسيحيين، أو اليهود والهندوس، أو بين العلماني ورجل الدين، وعلى نقيض هذه الهوة المفتعلة، فنحن نرى الصدع الواسع الذي يفصل ما بين التعددية والتطرف· لكن ومن أسف أن نرى في عالم اليوم، قوى التطرف الديني وهي تجتذب المزيد والمزيد من المتعاطفين معها، وأن يتقدم صفوفها خطباء فصحاء مفوهون، ولا يكتفي هؤلاء بالخطابة اللفظية وحدها، وإنما يستخدمون الخطابة السينمائية أيضاً، بل ويستخدمون تكنولوجيا شبكة الإنترنت للتعبير عن آرائهم المتطرفة هذه، ويجب القول إن شكل الخطابة الذي يختاره هؤلاء ليس وسيلة سلمية، وإنما يعبرون عن آرائهم بأدوات العنف بمختلف أشكاله ومسمياته· فكيف لنا أن نستجيب لخطابية العنف هذه؟ غني عن القول إن التعددية الدينية تتطلب أكثر من مجرد التعبير عن روح التسامح، لكونها تستوجب احترام الآخر والتعاون معه وتحقيق المزيد من التفاهم وبناء الثقة بين الأطراف، حتى يكون عالمنا مكاناً أفضل لكل الأديان، وهذا ما يستدعي أن يكون لدعاة التعدد الديني خطباؤهم الفصحاء المفوهون، القادرون على توصيل رسالتهم بمختلف الوسائل والأشكال، وسواء كنا هولنديين أم أميركيين، مسيحيين أم مسلمين، دينيين أم علمانيين، فإنه لا مناص لنا من العمل معاً في قرننا الحالي، ضد قوى التطرف، بما يحقق رسالة الأمل والتعددية التي نادى بها ''مارتن لوثر كنج''· إيبو باتيل رئيس منظمة إنترفيث ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©