الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيديو .. البيئة الصحراوية.. أنشودة تتغنى بماضي الإمارات وتستعيــد ملحمة الموروث

فيديو .. البيئة الصحراوية.. أنشودة تتغنى بماضي الإمارات وتستعيــد ملحمة الموروث
25 فبراير 2014 13:23
مهرجان قصر الحصن أنشودة حب تتغنى بماضي الإمارات، الذي لا يزال محفوراً في الذاكرة تتناقله الأجيال يوماً بعد آخر ليستعيد ملحمة الموروث الشعبي تفاصيل إيقاع الزمن المتغير بحس تاريخي عميق يبعث نسغ الحياة الماثل في قلب الحاضر ومع مرور خمسة أيام على انطلاق المهرجان، الذي يمتد حتى الأول من مارس المقبل يتزايد الإقبال على الأركان التراثية، التي جذبت كل ثقافات العالم لتشتبك بتاريخ قصر الحصن المنيع، الذي يعد النموذج الحي المعبر عن التطورات الاجتماعية والثقافية والسياسية بإمارة أبوظبي لكن تظل البيئة الصحراوية بما تكتنزه من عوالم مدهشة وأسرار غائرة بين الرمال اللامعة مثار إعجاب الزوار فالتفوا حول مظاهرها المتعددة أملاً في التفاعل مع كل ما يدور في محيطها بالمهرجان. أشرف جمعة (أبوظبي) - مشاهد تلقائية من دون أية إضافات اصطناعية مزجت الحاضر بالماضي في ساحة قصر الحصن، حيث تجمعت الإبل بما تمتلك من شجاعة وصبر ودأب لتقدم شهادتها التاريخية حول حقبة لعبت فيها دوراً عظيماً لكونها عصب حياة الصحراء ومحور تحركات البدو، وكذلك القهوة العربية بنكهتها الوجودية إذ استطاعت عبر قرون أن تشكل كيان المجالس وتجمع الشعراء وعازفي الربابة تحت لوائها في الحظيرة وبالقرب من أشجار النخيل، التي تطل في شموخ وتظلل المكان وتنشر نسائم عطرية تضفي على المكان بهجة وجمالاً لتصهر الأجيال الإماراتية في بوتقة العادات والتقاليد الأصيلة تحت لواء مهرجان قصر الحصن في نسخته الثانية، التي كان للأطفال خاصة نصيب كبير منها، إذ سجلوا حضوراً مميزاً لتصبغ البراءة ابتسامتها على الزمان والمكان. ملحمة العيالة تواصل فرق الفنون الشعبية أداءها الراقي بين أشجار النخيل وفوق حبات الرمال وتحت أضواء القمر وأمام قصر الحصن أقدم بناء تاريخي في جزيرة أبوظبي الذي احتضن كل معالم الحياة في جزيرة أبوظبي منذ أكثر من 250 عاماً، وبشكل تلقائي كونت فرقة أبوظبي للفنون الاستعراضية دائرة مفرغة مكونة من أعضائها، الذين بلغ عددهم نحو 190 عضواً وتوسطها مجموعة من الرجال الذين يحملون البنادق والسيوف، وآخرون يحملون الدفوف ويضربون عليها لتنطلق الإيقاعات في أجواء صاخبة منعشة شتوية دافئة وأطفالاً يوتدون أزياء تراثية يؤدون رقصات شعبية مشهورة والجمهور يلتحم بالنغم، ويشتبك به وما بين الفينة والأخرى يدخل واحداً منهم إلى الساحة هو يمسك سيفاً أو بندقية ويرقص مبتهجاً على الإيقاعات الشعبية الرنانة وأعضاء فريق العيالة يواصلون تحريك عصيهم من أعلى إلى أسفل والعكس مع ترديد الأهازيج الشعبية المتلاحمة فكانت أصواتهم تخرج من أعماق الروح ليتسع صداها في جنبات قصر الحصن، وليتنوع أداء هذه الفرقة وتتغير الإيقاعات والشلات والأهازيج بحسب البيئة، التي تؤدى فيها تلك الرقصات المموسقة، إذ إن الاحتفال كان مخصصاً في تلك اللحظة للبيئة الصحراوية، التي نسجت خيوطها وأرخت سدولها على الحاضر أبهى حلة. مكانة الإبل وعلى بعد خطوات كان صالح سعيد المري يشرح لمجموعة من الأجانب الذين استقطبهم المهرجان بروحه الوثابة وعبقه الأصيل عن مكانة الإبل في حياة الإنسان العربي ومدى ارتباطه منذ أقدم العصور، نظراً للطبيعة الصحراوية القاسية وما يكتنفها من حرارة عالية وبرودة شديدة، وفي أثناء ذلك يسأله أحدهم عن إنتاجها، فيجيبهم برحابة صدر بأنها تنتج الحليب واللحوم وأن جلودها تستخدم في صناعة قرب الماء، وأن الإبل هي رؤوس أموال العرب، وهي سفن البر وجلودها قرب ولحومها نشب وبعرها حطب وأثمانها ذهب كما جاء في الأقوال المأثورة فإن حملت أثقلت، وإن مشت أبعدت وإن نحرت أشبعت وإن حلبت أروت، ويبين المري أن الإبل كانت مقياس الثروة للرجال قديماً، لذا كانت مدعاة تحرك مشاعر الشعراء الذين حاروا في طباعها وسجلوا أبياتاً في غاية الروعة عن خصائصها وسلوكها وصبرها وتحملها ومنافعها ورفقتها في الأسفار البعيدة، فكانت موضوعاً ثرياً لهذه الفئة ومضرب الأمثال في البادية. رحلات الشتاء والصيف ويشير المري إلى أن الإبل تنقسم بحسب أعمارها إلى ثلاثة أقسام الحوار، والحاشي، والبعير والناقة، وأن الإمارات تلقح النوق المخصصة للحلب ذات الثلاثة أو الأربعة أعوام، أما الإناث التي تشترك في السباق، فعادة لا تلقح إلا بعد أن تفشل في إحراز نتائج جيدة، ويؤكد المري أن البدو تنبهوا إلى حليب الإبل قبل الباحثين والدارسين، والعلماء بمئات السنين، فقد كانت هي مصدر العيش لديهم يهيئون لها المرعى الجيد، ويستعينون بها في رحلاتهم وأسفارهم البعيدة في الشتاء والصيف، فلبن الإبل لا يفسد ويحافظ على مذاقه مدة طويلة بعكس الأنعام الأخرى. حفاوة الجمهور وانتشر أعضاء الفرقة الموسيقية لشرطة أبوظبي في ساحة البيئة الصحراوية ليؤدوا معزوفاتهم المدهشة وسط حفاوة الجمهور الذي التف حولها، حيث شكلوا ثلاثة صفوف، وهي وتواصل العزف بالآلات المتنوعة، وفي أثناء ذلك، انضم مجموعة من أفراد الشرطة القديمة بأزيائهم المتعارف عيلها في جزيرة أبوظبي ليندمج الجميع في أداء رقصات خفيفة تستعرض خفة البدن ورشاقة الروح تعبيراً عن الفرح الغامر بمضي قطار مهرجان قصر الحصن إلى الأمام، وهو يعبر محطاته في ثبات وثقة وسط احتفاء العالم به متمثلاً في الكم الهائل من العديد من جنسيات الأرض، وهم يتوافدون أفراداً وجماعات صغاراً وكباراً عائلات كبيرة، وأسراً بسيطة مكونة من فردين أو ثلاثة، ويلفت رئيس قسم الموسيقى بشرطة أبوظبي بالإنابة إبراهيم الحوسني إلى أن الفرقة أسست في عام 1963 بـ50 فرداً ثم وصل عددها حالياً إلى 150 عضواً، وهي تشارك في جميع المناسبات الوطنية بأدائها الخاص ،وإيقاعاتها المختلفة. «براءة» في حضرة التراث حرص الأطفال على المشاركة في فعاليات مهرجان قصر الحصن، ومن بينهم زايد محمد، تسع سنوات، وسيف، عشر سنوات، وسما في عمر السابعة، وقد بدت عليهم السعادة لكونهم في حضرة الماضي الجميل بكل مكوناته وعناصره وحتى رجاله، وأثناء سيرهم مع والدهم اقتربوا من ورشة حول صناعة الحبال، كان يقدمها المدربان التراثيان راشد سعيد، ومحمد عبدالله وبدأ زايد في إلقاء أسئلته البسيطة عن كيفية صناعة مثل هذه الحبال، ليجيبه في الحال راشد سعيد بقوله: تصنع الحبال من ألياف شجر النخيل التي تغسل وتجفف ثم تنفش وتفكك لتقسم بعد ذلك إلى أجزاء طويلة يتم فتلها بين راحة الكف والفخذ، حتى تتماسك وتشكل قطعاً في النهاية من الحبال المستقلة. وتوصل القطع ببعضها بعضاً باستخدام «القلد»، حيث تلف نهاية كل قطعتين مع بعضها بعضاً بين راحتي الكفين للوصول إلى الطول المطلوب، والغرض من استخدامها. وبعفوية لا حظ سيف أن هذه الحبال مختلفة عن الأنواع الأخرى التي اعتاد رؤيتها والتي تتشكل من البلاستيك، وهنا أوضح له المدرب التراثي أن هذه الحبال المصنوعة من ألياف الشجر هي الأفضل، لكونها ليست قاسية على الجسم، خاصة حين يلف بها طالع النخلة خصره ليجني التمر، فضلاً عن أنها لا تتأثر بحرارة الشمس ولا يتغير لونها. وأثناء ذلك اتخذت سما مكانها إلى جوار المدرب التراثي محمد عبدالله، وهو يستعرض مهارته في تفكيك أجزاء الحبال، وهي صامتة تراقب عن كثب تلك الحركات السريعة والمهارة العالية وتنظر من نافذة سنوات عمرها إذ إنها لم تتعد السابعة، لكن شغفها بالتراث كان له طابع حلو جذاب، لفت إلى أن المهرجان استطاع أن يجذب الفئات العمرية الصغيرة التي من الطبيعي أن تكبر في أحضان الموروث الشعبي بنكهته الوطنية المعبرة. فقرات من الماضي تأخذ الجيل الجديد إلى زمن الأجداد فعاليات المهرجان تعزز الانتماء الوطني لدى الأطفال نسرين درزي (أبوظبي) - الزيارات العائلية والجولات المدرسية لمهرجان قصر الحصن تضيء في زوايا كثيرة منها على توارث الثقافة المحلية بالتجربة الحسية والمشاهدة الحية، ففي أرجاء القصر الموغل في صفحات 251 عاماً، يخرج تاريخ أبوظبي من الكتب في تجسيد لم يسبق له مثيل من قبل، وهنا يشعر الأطفال بارتباط وثيق مع الموروث المتداول أمام أعينهم وبفضول، للتعرف أكثر على معاني الأصالة الحقيقية لمجتمع الإمارات المتمثل في الحدث الوطني الأكثر أهمية في الإمارة. عبق الصحراء وظلال النخيل وجلسات البدو وحكايات الأولين تأخذ الأطفال في رحلة عبر الزمن من داخل الباحة الفسيحة لمهرجان قصر الحصن. يطلعون من خلالها على أدوات قديمة أحبوها بالفطرة وتفاعلوا معها بشغف تقليد الكبار والتماس القدوة. وصغار السن من ضيوف المهرجان الأكثر انبهاراً بكل ما يشاهدونه، ينصتون باهتمام لشرح أهاليهم أثناء مرورهم بالقرب من أكشاك العرض وكذلك أثناء الجولات المنظمة من المدارس برفقة المعلمين. وهم لا يملون من طرح الأسئلة التي يجدون دائماً من يجيبهم عليها، ولاسيما مع انتشار المرشدين عند كل نقطة من نقاط الجذب التراثي. بينما كان يتمرن على تسلق النخلة ممسكاً بها بفرح كان الطفل سالم المزروعي يضحك معرباً عن سعادته للتمكن من القيام بواحدة من المهام الصعبة المتداولة قديماً. ويذكر أنه يسمع دائما من والده ضرورة احترام هذه الشجرة التي أغدقت بخيراتها على البلاد. وهو اليوم يكتشف عن قرب كيفية الوصول إليها والتعرف على الطريقة المثلى لقطف التمور مع التنبه إلى شكل الخوص والعمل على حياكته كمصدر أساسي لحياة البدو قديماً. ويقول سالم إنه معجب جداً بالأنشطة المجودة داخل المهرجان والتي تساعد أبناء جيله على التقرب من أمور لم تكن يوماً بهذا الوضوح من قبل. ومنها على سبيل المثال كل ما يتعلق بالنخلة، حيث يتعرف للمرة الأولى على شكل السعف واستعمالاته وكيفية الحفاظ عليه بأفضل حلة. وتتحدث الطفلة علياء إبراهيم العلي التي كانت تتباهى بالبرقع على وجهها الناعم، عن جولتها داخل السوق العتيق المصمم بأسلوب مشابه لشكل المحال زمن الأجداد. وتذكر أنها بينما كانت برفقة أمها وأختها الكبرى اشترت بعض البضائع التراثية واستمعت من البائعة لغرض استعمالها. ومنها أدوات خاصة بصناعة السدو والتلي الذي تعجبها ألوانه لكنها لم تكن تدرك كيف تتم حياكته. وهي تنوي القيام مع أمها بتعلم التطريز بحسب الطريقة الأولى لأنها تعشق ارتداء الملابس الشعبية وخصوصاً أثناء الاحتفالات المدرسية. وتقول علياء إنها ستزور مهرجان الحصن مرة أخرى، برفقة بنات عمها ومشاهدة العروض الفنية والمشاركة بها من خلال الرقصات التقليدية. الصيد بالسلوقي حظيت كلاب السلوقي باهتمام ملحوظ من قبل زوار المهرجان وبخاصة لأطفال الذين أصروا على أن يلتقط لهم الأهل صوراً تذكارية معها ويشير مدربها سليمان مسعود إلى أن هذه النوع من الكلاب يتميز بالذكاء والسرعة واليقظة القدرة على العدو سريعاً فيلغب فريسته ويوقعها في شباكه ويبين أن الهدف من وجود كلاب السلوقي في المهرجان هو تعريف الضيوف بالسلالات الإماراتية منها و التي لم تزل تحافظ على ويؤكد أنها تقطع من 60 إلى 65 كيلو متراً في الساعة وتصيد الأرنب والغزال والثعلب ويتم تدريبها بعناية ومن الحفاظ عليها من التهجين، وهي تتمتع بحاسة شم قوية وتأكل من طعام الإنسان في كل شيء، وهذا ما يميزها عن غيرها. على رمال قصر الحصن نسرين درزي (أبوظبي) - ذكر خليفة عبدالله الذي كان يجول على رمال «قصر الحصن» باتجاه «القهوة»، وهي الفقرة الشعبية الأكثر استقطاباً داخل المهرجان، أنه يصر على اصطحاب أبنائه إلى مثل هذه الفعاليات ليغرس فيهم روح الانتماء الوطني. ويشير إلى أنه خلال الجلسات العربية الموزعة داخل «القهوة» حيث يتبادل الرجال الروايات العامة، يتمكن الأطفال من استراق السمع وتعلم الكثير عن الأصالة العربية. وهو كأب يعتبر أنه مطالب بالحديث أمام أبنائه عن العادات والتقاليد المحلية لمجتمع الإمارات، مع منحهم حق التجربة تماما، كالكبار لأن الجيل الحالي أصبح أكثر تطلباً من ذي قبل. وبالنظر إلى فعاليات مهرجان قصر الحصن، وورش العمل الموزعة على الصحراء والواحة والجزيرة والبحر يتمكن صغار السن من التعمق أكثر بمعاني العراقة والتاريخ، الذي لطالما قرؤوا عنه في المدرسة وآن الأوان لتلمسه عن قرب. وتقول شيراز بومسعود، وهي معلمة وأم لولدين إن الزيارات الميدانية للمهرجانات التراثية والفعاليات الوطنية التي تستضيفها الدولة، من شأنها أن تعزز الانتماء الوطني لدى الجيل الجديد. وتلفت إلى أنه وبحسب التجربة يتضح نجاح الشرح العملي أكثر من الشرح النظري، إذ إنه كلما اقترب الطفل من الحقيقة موضوع الدرس تمكن من استيعابها أكثر. وهذا ما ينطبق على الارتقاء بالهوية الوطنية للنشء الذي يحتاج دائماً إلى التعرف عن كثب إلى مفردات التراث، وحقائق فعلية عن أمجاد الأجداد وإنجازاتهم وصعوبة الوصول في زمن المشقات. وترى شيراز أن الجهد المضاعف الذي تبذله إدارة مهرجان قصر الحصن لجهة استقدام عينات من الماضي، أكثر ما تخدم روح الانتماء لدى صغار السن لأنهم سيحملون راية المستقبل خلال السنوات المقبلة. ومن حقهم الانخراط ضمن مجتمعهم العريق، ولو كانوا يعيشون في الإمارات التي تعتبر من أكثر الدول تطوراً، بفعل النهج العام الآخذ في العصرية عاماً بعد عام. جلسات القهوة لم تزل تتبوأ الحظيرة مكانتها التاريخية وحضورها الطاغي في أجواء السمر الإماراتية التي أضفت جمالاً على مهرجان قصر الحصن إذ تجمع العديد من الرجال حول دلة القهوة الكبيرة التي حفر لها دائرة صغيرة في الرمال لتملأها قوالب الفحم الصغيرة المشتعلة والقهوة تسوى على نار هادئة فتترك في الأفواه طعماً سائغاً حلواً رغم أنها خالية من السكر لكن هذه الجلسة الحميمة كان لابد لها من مؤنس يحرك شجونها ويصبغ عليها طابع الشجن فاتخذ الشاعر مكانه بربابته المصنوعة بطريقة تقليدية خالصة وراح يدندن أشعاره والحضور يستمع، ويهز رأسه تعبيراً عن الاستمتاع والتفاعل مع أداء الشاعر حسن مساعد المنصوري الذي يرى أن الربابة كانت في البيئة الصحراوية تعبر عن الراوي للحكايات الشعبية التي يلتف حولها الأصحاب في جلسات السمر الليلية ولم تزل هذه الربابة تحتفظ بمكانتها وهي في كل الأحوال تضفي بهجة على المكان. الحاج يتنفس هواء أبوظبي ويرفض العيش بعيداً عن قصر الحصن «دفتر وقلم» عبدالله المحيربي دونا خطط البدايات وسجلا الذكريات لكبيرة التونسي (أبوظبي) - شيدت أركانه بحجر المرجان وسقيت بالماء العذب، فروى محيطه حباً، لم يغلق أبوابه يوما في وجه الجيران، ألف بين القلوب، وكان الصغير قبل الكبير ضيفاً عزيزاً على أهل قصر الحصن الذي أسهم بدور اجتماعي كبير في نشر المحبة والخير بين السكان، وغرسها في النفوس ليمتد إلى الأجيال المتعاقبة، عايش البعض هذه الحقبة ويفخر بمرور حياته كلها في هذا الجزء، الذي يحمل ذكرياته، من هؤلاءالحاج عبدالله المحيربي الرئيس الأسبق للمجلس الوطني، الذي يربطه مع قصر الحصن علاقة تمتد إلى ذكرىات تأسيس دولة الإمارات التي دون عنها كثيراً عبر أدواته البسيطة وقتها، التي تمثلت في ورقة وقلم. المحيربي يقول إن قصر الحصن لم تكن له أبواب حقيقية، فقد كان مفتوحاً للأطفال وللنساء والرجال، وكان الأطفال يبتهجون بإلقاء أنواع من الحلويات عليهم من الطابق العلوي للقصر عند دخولهم أيام الأعياد والمناسبات السعيدة، وقت أن تمتزج بهجة الصغار بالتهام الحلويات والتجول في أحضان قصر الحصن، الذي كان يشكل لهم عالماً جميلاً، ويشير إلى أن مطبخ القصر كانت تشرف عليه إحدى الشخصيات النسائية، وكانت ترسل الطعام إلى الجيران كلما علمت أن لديهم زواراً أو ضيوفاً، أما خلال الأعياد والمناسبات، لافتاً ألى أن حياته ارتبطت ارتباطا وثيقا بقصر الحصن منذ طفولته إلى اليوم. وبعد صمت المحيربي وهو يثبت نظره في اتجاه القصر، يخرج تنهيدة عميقة، يقول عقبها: لا أقوى على مغادرة هذه الزاوية، التي تشكلت بها طفولتي، وشبابي، فهنا تزوجت، وهنا أعيش حياتي اليوم، أدير أعمالي الخاصة وأتابع أحداث قصر الحصن، وتطور المناطق المحيطة به، وإذا خرجت من أبوظبي أشعر بالاختناق، حيث أظن أن نسبة أكسجينها أعلى، وراحتي بين أحضانها. نافذة المكتب ويشد المحيربي الحنين إلى هذه الفترة التي طواها الزمان، فينساب حديثه عن المكان الذي غاص وسط الأنوار، فاكتفي بالإطلالة من نافذة مكتبه الذي أبى إلا أن يكون في المساحة نفسها التي عاش فيها، ربما ليظل قريبا من الذكريات الجميلة، وبما أحاطها من ألفة اجتماعية وحكايات إنسانية شهدت الفرح والحزن والكفاح والجد، مساحات زمنية شكلت الصور المعلقة في مكتبه ملخصاً لرحلته الزمنية وشاهداً على عصر التطور في أبوظبي، ويقول إن الأرض التي عاش بها وهو صغير، وكانت على شكل بيت شعبي، هي نفسها التي شيد فيها برج بلاتينيوم الذي يدير من خلاله أعماله الخاصة. ويرجع بذاكرته إلى مرحلة الطفولة التي قضاها في قصر الحصن، ويسرد الكثير من التفاصيل، التي لا يزال يحتفظ بها عن هذا المكان، بعضها يرويه شفويا وبعضها يوثقه عبر سلسلة من ألبومات الصور التي تشكل مخزوناً كبيراً من حياته الشخصية والعملية، إضافة إلى الصور التاريخية، التي تزين جدران مكتبه المطل على القصر، وتعكس تطور مراحل مختلفة من حياته. ويقول: عندما تم تأسيس قصر الحصن، لم يتم رسم حدود معنوية بين سكانه وسكان الفريج، لهذا ونحن صغار كنا نتجول بحرية كبيرة داخله، خاصة في المناسبات والأعياد، عندما كانت الحياة بسيطة وجميلة، نرتدي ما نملكه من ملابس ونتوجه فتيات وأولادا إلى الداخل، لم يكن هناك من يسألنا أو يمنعنا، لأن السكان آنذاك لم يتعدوا العشرات، والأسر كلها كانت معروفة بالاسم وبعدد أفرادها، عندما نلج القصر كان من عادتنا التطلع للطابق العلوي، حيث ننتظر سقوط الحلوى والسكاكر الكثيرة علينا التي تعودنا على التقاطها، وكنا نتسابق على جمعها وحملها أيضا لأهالينا، حيث كنا نتشارك الحياة، أما الكبار فكانوا يحضرون المجالس ويلقون التحية على المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، بينما كانت النساء يجتمعن في مجلس آخر. بساطة وحب ويتدفق حديثه ليؤرخ لمرحلة وصفها بالجميلة، بل الرائعة بقوله: رغم بساطة العيش، فإننا كنا سعداء جدا، كان الرجال يغيبون للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، بينما المرأة تتكفل بالبيت وتربية الأطفال، حيث كان الاعتماد عليها كليا، وهي التي تجلب الحطب من جانب البحر، حيث كانت تنتظر النساء خروج الصيادين من البحر، الذي يقذف وراءهم الطحالب ليتم تجفيفها واستعمالها كوقود في طهي الطعام، أما الأطفال فكانوا يستمتعون باللعب وسقي الماء من الطوي الوحيد بقصر الحصن. وعن علاقة أطفال الفريج بأطفال القصر يضيف: جربنا كل الألعاب على كورنيش أبوظبي، لعبنا «هول»، وهي لعبة شعبية، وصنعنا كورا من الخيوط، كما كنا نتنافس على الغوص الذي يتم بدون استعمال أي أدوات مساعدة أو آلة أوكسجين. كما أذكر أننا كنا نركب خيلهم، بحيث كانوا يعرفون بتربية الجياد، ويذكر المحيربي أن البيوت القديمة في تلك الفترة كانت تتوافر على كل ما تحتاجه الأسرة من مواشٍ وزراعات بسيطة، ونخيل. ويعقب المحيربي على الحياة حاليا، بإشارته إلى أن العلاقات الاجتماعية الحالية لم يعد لها ذلك الدور التي لعبته زمان، موضحا أن الجيران والناس والأهل كانت علاقتهم بها الكثير من الود والاحترام والحب، ونحن في سن الطفولة كنا نلعب في جماعات وندرس مع بعض، ولم يكن هناك فصل بين الذكور والإناث، وعمق ذلك العلاقات بين الأسر. جرأة وإصرار ودرس المحيربي وأقرانه ذلك الوقت في مدرسة درويش بن كرم التي كان يشرف عليها المطوع، وبدأ حياته المهنية في العام 1959 بالعمل في شركة تنقيب عن النفط في جزيرة «داس»، حيث كان يصر على الالتحاق بالعمل، ورغم صده من طرف المشرف على العمل لصغر سنه لا يسمح له بالحصول على الوظيفة، لكن المحيربي أصر على الرجوع مرة أخرى بعد أسبوع، فما كان أمام المسؤول إلا تمكينه من الوظيفة، وتعلم الإنجليزية، كما تعلم قيادة السفينة خلال هذه الفترة، وكان يتولى القيادة كلما شعر القبطان بالإعياء والتعب مما جعله يتولى مهام قبطان لإحدى السفن القاطرة داخل الميناء. داخل قصر الحصن انتقل في فترة حياته إلى الاستثمار في مجال المقاولات بمدينة أبوظبي، وانتبه المغفور له بإذن الله، تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، إلى مهاراته، حيث كان عمره لا يتجاوز الـ 18سنة، عندما تولى مهمة السكرتارية لدى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مما أسهم في صقل شخصيته وتشرب الكثير من القيم والمبادئ، خلال رحلة دامت 7 سنوات لخصها في قوله إن عمله كان بالطريقة التقليدية لتدوين كل ما كان يخططه ويرغب فيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بأدوات بسيطة منها دفتر وقلم، وكان ذلك في أواخر الستينيات، وأصبح عمله يسمح له بالتواجد في قصر الحصن بالصباح والمساء، فشهد العديد من المعاملات والتحولات قبل وبعد النفط. وعن تدرجه في مهامه خلال هذه الفترة يقول: كان الشيخ زايد، رحمه الله ،يبحث عن كوادر وطنية مؤهلة تتحمل المسؤولية، حيث تم تعييني بالمجلس البلدي في إمارة أبوظبي كرئيس للجنة الخدمات وبناء البنية التحتية، وانتخبت رئيساً لغرفة التجارة والصناعة، وكان المغفور له بإذن الله تعالى، تصور للمستقبل منظورا ذكيا جدا، حيث كان يرسم لنا خريطة طريق لتوثيق العلاقات التجارية ومن خلالها السياسية، فكان يوجهنا بالذهاب إلى كل بلدان العالم وربط علاقات والتعريف بالإمارات، فذهبنا إلى الصين وروسيا، وأميركا وغيرها من الدول البعيدة، مما مد جسور التعارف مع كل بلدان العالم، وبعد ترؤسي لغرفة التجارة حظيت بدعم المغفور له الشيخ زايد، ليكون اسمي ضمن مرسوم بقائمة أعضاء المجلس الوطني. معاني الإنسانية عن الفترة التي عايشها بالقرب من الشيخ زايد كسكرتير أوضح الحاج عبدالله المحيربي أنه تعلم معاني الإنسانية والقيم الجميلة، حيث كان يفتح قصر الحصن للناس في العديد من المناسبات، من خلال عمله مع المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، اقتربت من إنسانيته ومن ذكائه الكبير، وعمق نظرته إلى المستقبل، مما ترجم كل ذلك في حبه الكبير لشعبه، وذكائه في مد جسور التعارف مع كل بلدان العالم، وشغفه في إسعاد كل الناس، وكانت أبواب قصره مفتوحة للجميع، ولم يرد أبدا سائلا ولا محروما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©