الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تايلاند: رهان المستقبل بين الملَكية والديمقراطية

26 مارس 2010 21:32
ستانلي إيه. ويس الرئيس المؤسس لمنظمة "مديرون من أجل الأمن القومي" الأميركية قبل ستين عاماً، عاد الملك بوميبول أدوليادج إلى تايلاند بعد أن قضى معظم حياته في الخارج. وقد عاد بوميبول، الذي سمي ملكاً قبل ذلك الملك عقب وفاة والدته، من أجل تتويجه. وبتلك المناسبة نظمت البحرية الملكية استعراضاً كبيراً، وحلَّق سرب طائرات في أجواء بانكوك، واصطف قرابة نصف مليون شخص في الشوارع احتفالا بذلك الحدث التاريخي. ومثلما سطَّر أحد كتاب سيرة الملك: "فقد أثبتت السماء عظمة هذا الحدث حيث سقط البرَد على بانكوك لأول مرة منذ 1933، قبل ثلاثة أيام على قدوم بوميبول". يذكر أن العاهل التايلاندي، الذي وُلد في ماساشوسيتس وتلقى تعليمه في سويسرا، ربما كان سيبدو في نظر البعض خلفاً غير محتمل للعرش التايلاندي؛ ولكنه فاز على مدى العقود باحترام التايلانديين -وربما حتى تقديسهم- نظراً لكرمه وتواضعه وتفانيه في خدمة شعبه، مثلما يقال على نطاق واسع في تايلاند. غير أن المثير للمفارقة هو أن أقدم ملك في العالم قد يكون ضحية لنجاحه -أو لنقل على نحو أدق، إن خلافته قد لن تكون سلسة- ذلك أن بوميبول، الذي يبلغ 82 عاماً الآن، بات عليلًا، ولا أحد يعلم ماذا سيحدث بعد ذلك، الأمر الذي يثير التوترات ويُقلق المستثمرين في بانكوك وما وراءها، وخاصة أن البلاد غارقة في اضطرابات سياسية قوية. والواقع أن الملك لطالما مثل رمز الوحدة في المشهد السياسي والاجتماعي المتصدع على نحو متزايد في تايلاند؛ فهو حَكم يحظى بثقة كل الأطراف متى هدد أحد النزاعات بالتفاقم والخروج عن السيطرة. ولذلك، فإن السؤال الحاضر في أذهان العديد من الناس اليوم هو: هل تستطيع ديمقراطية تايلاند غير المستقرة الاستمرار بعد أن ينقضي أجل ملكها المحبوب؟ فمنذ أن أسقط الجيشُ رئيسَ الوزراء تاكسين شيناواترا المنتخَب شعبياً في 2006، يُقسم صراع مرير على السلطة الطبقة السياسية التايلاندية، حيث ما زال آلاف المحتجين، أصحاب "القمصان الحمراء" -ومعظمهم من سكان الأرياف الفقراء الذين تعتقد النخبةُ الحاكمة أن ملياردير قطاع الاتصالات المخلوع يقوم بتمويلهم وتحريضهم من الخارج- مستمرين في الضغط على حكومة رئيس الوزراء أبهيسيت فيجاجيفا من أجل إجراء انتخابات جديدة. والواقع أن أصحاب "القمصان الصفراء" -أنصار الملكية والجيش والطبقة الوسطى التي تسكن في المدن- ينتقدون عن حق تجاوزات إدارة تاكسين حين كان في السلطة، غير أن بديلهم المفضل هو استمرار سيطرة الأغنياء والميسورين في بانكوك، في بلد يعد فيه خُمس السكان الغني أفضل حالا بـ 13 مرة تقريباً من الفقراء. وكان قرار المحكمة العليا التايلاندية في فبراير القاضي بمصادرة 1.4 مليار دولار من ودائع تاكسين، على خلفية اتهامات بالفساد، قد ولد مخاوف من مواجهات عنيفة بين المعسكرين، ولاسيما أن أصحاب "القمصان الحمراء" نظموا مظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف هذا الشهر. وفي ديسمبر الماضي، خرج بوميبول المريض من المستشفى، ودعا التايلانديين إلى تغليب "المصلحة العامة على مصالحهم الخاصة"، ولكن البعض يخشى أن تفجر وفاتُه، متى ما حدثت، الفوضى والاضطرابات في ذلك البلد الذي يبلغ عدد سكانه 65 مليون نسمة. إن "قانون خلافة القصر" لعام 1924 ينص على أن يتولى أول أبناء الملك الذكور العرشَ، ما يعني أن ولي العهد ماها فاجيرالونجكورن سيحاول خلافة والده، والحال أن ولي العهد يفتقر إلى انضباط ومكانة والده للأسف؛ وقد قال لي أحد رجال الأعمال في بانكوك إن الشكوك حول ملاءمة فاجيرالونجكورن لهذا المنصب "لا يمكن أن تتبدد". والجدير بالذكر هنا أن الدستور التايلاندي لعام 1974 نص على أنه في حال غياب أمير، فإن البرلمان يمكن أن يختار إحدى بنات الملك لتولي العرش. والواقع أن العديد من التايلانديين يعتقدون أن بنت الملك، الأميرة ماها شاكري سيريندورن، ستكون مرشحة ممتازة، غير أن المختصين في الشؤون التايلاندية يقولون إنه طالما أن ولي العهد حي، فإن "أحلام خلافة سيريندورن لوالدها ستظل مجرد أوهام"، مرجحين أن يمر التاج إلى فاجيرالونجكورن، وأن الملكية "ستضعف وتتغير إلى الأبد". غير أن هذا يعني تغير المشهد السياسي أيضاً؛ ذلك أنه على رغم أن تضييق الخناق على الديمقراطية والزعم في الوقت نفسه بالدفاع عن ملك مبجل ممكن -مثلما فعل أصحاب "القمصان الصفراء" في 2008 - إلا أنه سيكون من الصعب على أنصار الملكية الحفاظ على قبضتهم على السلطة في حال كان الملك مفتقراً إلى حب الشعب وإخلاصه. ولكن، ماذا عن الجيش، المسؤول عن 18 انقلابا ًمنذ 1935؟ أحد المقاولين التايلانديين المعروفين قال لي إن أسوأ سيناريو يمكن أن يتخيله هو صعود زعيم شاب وكاريزمي يسيطر عليه حركة "قمصان حمراء" صاعدة، ويدعو إلى إنهاء "ازدواجية المعايير في المجتمع التايلاندي" . فذلك أمر قد يستفز الجيش ويجعله يشعر بأن لديه تفويضاً لاستعمال القوة من أجل الحفاظ على الوضع الراهن. أما السيناريو الأكثر تفاؤلا، فهو ذاك الذي تثير فيه وفاة الملك نضجاً ديمقراطياً -عبر المؤسسات والمجتمع المدني والطبقات السياسية- غير أن الخطوة الأولى يجب أن تكون حواراً وطنياً حول المستقبل، وذاك أمر لا يمكن أن يحدث طالما أن قوانين "المساس بشخص جلالته" الصارمة تجعل موضوع الخلافة من التابوهات. إن معنى اسم بوميبول أدوليادج هو "قوة الأرض، التي لا تضاهى"؛ ولعل أعظم هدية يمكن أن يقدمها العاهل التايلاندي لشعبه هي السماح له بالشروع في التخطيط للمستقبل، ما بعد عهده. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©