الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غاية الظاهري: أجدادنا أبدعوا في العمارة الطينية

غاية الظاهري: أجدادنا أبدعوا في العمارة الطينية
19 فبراير 2011 21:34
غاية خلفان الظاهري من أسرة راكان بن سرور، وهي من الأسر العريقة التي تنقلت بين أشهر مناطق واحة العين، واستقرت الأسرة في الهرموزي (قرية قديمة جدا في منطقة الصاروج بالعين) نظرا لتوفر المياه، وقد كانت تلك المنطقة غنية بزراعة القمح والرمان والمانجو أو الهمبا، إلى جانب أفضل النخيل، وعندما نقص الماء في تلك المنطقة نزح عنها الأهالي، شأن كل الأهالي الذين يسعون دائما خلف الأرض التي توفر الماء لهم ولزراعتهم ودوابهم. خلال بحثها ودراساتها للعمل على إنجاز بعض الكتب، وجدت أن أهل العين صنعوا حضارتها عبر أقدم الأزمنة وحتى اليوم، ولذلك هنالك مدافن في بدع بنت سّعود ومدافن وادي حفيت وفي القطارة، وأواني وقنوات مائية تعود لعهد الإسكندر المقدوني، وأكثر ما تنفرد به العين هو بدع النخل أي إنشاء أو زرع النخل، وقد سعت غاية منذ الطفولة لحفظ المعلومات، ومنها البحث عن كل ماله علاقة بالعمارة الطينية في مدينة العين، وتشكل الدور والحصون والقلاع وتعد الحصون أصغر حجما من القلاع، وكان أهلها قد ساهموا في بناء الحصون والقلاع، وكان العمل آنذاك ينجز بالفزعة، وتعد أكثر الأخلاق رقيا وعزة ونخوة، لأن الإنسان يفزع أي يهب لمساعدة من طلب منه الفزعة. تؤكد غاية أن العمارة الطينية تختلف عن العمارة بالمدر، لأن المدر أقل قوة وصلابة في مواجهة التأثيرات والعوامل المناخية، وهو درجة ثانية من حيث القوة، ولذلك بنيت الحصون والقلاع من الطين الأكثر صلابة، وكان المدر يستخدم لبناء أسوار مزارع النخيل، وللطين مناجم معروفة في العين في منطقة الهملة عند وادي العين، وكان يصنع منه الفخاريات من خروس وجرار وكل الأواني التي استخدمت قديما. الطين أنواع ومنه الرمادي والبني والأخضر، وذلك بسبب بعض المعادن الأصلية التي يتكون منها، وعند عملية البناء يتم اختيار أجود الأنواع من الطين الذي يستخرج من باطن الأرض، لأن العلوي منه يسمى «طفّال»، وهو التربة الممتازة والأجود للزراعة، وكان الرجال الذين يهبون للبناء يتوزعون إلى مجموعات ولكل مجموعة مهمة، ومنهم من يذهب على ظهور الحمير إلى المنجم وليأتي بالطين في خرج يسمى «توي» يصنع من السعف. بعد ذلك يبدأ عمل مجموعة أخرى تعمل على دق الطين بعصي غليظة جدا وهي «القب» وجمعها «القبان»، حتى يتفتت الطين، ثم يصنع على هيئة كومة وبها حفرة في الوسط لأجل وضع كميات مدروسة من المياه، وعندما يصب الماء يصبح «غليلة» ويقال يغيلونها بطريقة الدهس بالأقدام أي العجن، ثم تترك حتى اليوم الثاني، وفي اليوم الثاني يصب عليها الماء مرة أخرى ثم يوضع قش القمح الذي كان يتوفر بكثرة في ذلك الزمان، لكونه من الغلات الرئيسية. صناعة القوالب تكرر عملية العجن بالأقدام حتى يتجانس ويصبح جاهزا للتحويل إلى قوالب، وتلك القوالب هي اللبنات التي يتكون منها الجدار والحائط وكل ماله علاقة بالمبنى، ويؤتى بقوالب من الخشب ويسكب بها المعجون الطيني لتتحول إلى طوب وكل قالب يعطي ما بين ثلاثة إلى أربع لبنات، وتترك مدة لا تقل عن عشرة أيام حتى تجف تحت الشمس، وتأتي بعد ذلك عملية حفر الأساس ويقال حفر الساس. تسمى العملية «تسييس» المبنى، حيث يحفر تحت سطح الأرض بعمق نصف قامة الرجل، وتختلف هندسة القلعة من الحصن، وكانت لديهم معايير ومقاييس هندسية لم يحصلوا عليها من أكاديمية أو جامعة، ولذلك تفخر غاية وأهل العين ببقاء تلك المباني صامدة وقوية حتى اليوم. الفرش البناء تعود غاية للحديث عن البناء، فتقول إن الخطوة التالية تكون بوضع الفرشة، وهي رص كميات من الخليط الطيني في الأساس، وتكون بعمق لا يقل عن «فتر»، (هو قياس المساحة ما بين السبابة والإبهام عند فتحهما عن بعضها بوضع السبابة على الأرض) تكمل غاية: إن الرجال يقومون بعد ذلك بوضع اللبنات وترك فراغات بينها، من أجل وضع المادة الطينية التي سوف تعمل على تكوين مادة ربط اللبنات ببعضها بقوة بعد ذلك، وبعد اكتمال بناء الجدران يشتغلون على بناء السطوح، وتتكون الأساسيات من جذوع النخل التي تشكل عوارض وتوضع أيضا بقياسات مدروسة ثم يفرش عليها الدعون، وهي شبكة من سعف النخيل تشكل قطعة واحدة محبوكة بحبال الليف المستخرج من النخيل. الطين الأخضر المرحلة الأخرى هي وضع كميات من ليف النخل لتقوية السطح، ثم يؤتى بطبقة من الطين الأخضر الذي يعد من أسرار العمارة القديمة، وهو بعد الانتهاء منه يصبح مثل قطعة من الشحم المتماسك، الذي لا يدع أي مجال للماء المتساقط نتيجة الأمطار من النفاذ بين فتحات الدعون والليف. تصف غاية الظاهري تلك الطينة الخضراء بأنها حين يتم الانتهاء منها تصبح ما يسمى «ملاط»، وهو الطبقة التي تصبح العازل والحامي لكل المبنى، وخلال بحثها وجدت أن أحد ملوك ألمانيا استخدمها لبناء أحد الجسور، وهي عبارة عن طين يدق حتى ينعم، ثم يغربل أو ينخل حتى لا يتبقى أي حجر، وبعد ذلك تجمع كميات كبيرة من أوراق شجرة السدر وستحق ثم توضع في الماء، وتخلط وعندما تطفو طبقة من السدر على السطح تزال، حتى لا يتبقى إلا سائل رغوي لزج. في الوقت ذاته، يتم جمع معظم كميات البيض التي في المنطقة من البيوت بطريقة ودية، عن طريق الطلب من الأهالي بأن من لديه كمية من البيض يتبرع بها، ويوضع البيض على السدر حتى يتم الحصول على مكون غليظ ولزج ويسكب ذلك على الطين الأخضر، ليتحول إلى طبقة عازلة تصب على السقوف، ولا يمكن أن يتسرب من خلالها المطر إلى الداخل، وذلك ما كان يجعل المباني صامدة في وجه العوامل الجوية لأكثر من ثلاثمائة أو أربعمائة سنة. سر النجاح تؤكد غاية الظاهري أن سر النجاح كان لأن الأهالي أدركوا طبيعة ببيئتهم وأحسنوا استغلال المواد الطبيعية الممكنة، لتتناسب وطريقة عيشهم وبالأحوال الجوية السائدة في المنطقة، وخلال فترة المعيشة في تلك الدور والحصون والقلاع يشعر الإنسان براحة نفسية، لأن تلك المباني كانت تمنح البرودة صيفا والدف في الشتاء، ولذلك هي أفضل من الكثير من القصور بسبب المكونات الطبيعية، وقد كانت غاية تعيش تلك المشاعر، لأنها حظيت بالعيش في إحدى تلك القلاع خلال طفولتها الأولى، وقد كان جدها راكان أحد من شاركوا في بناء الجاهلي.
المصدر: العين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©