الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورة اليمنية... وصراع العائلات القوية

الثورة اليمنية... وصراع العائلات القوية
17 فبراير 2013 23:52
سودرسان راجفان صنعاء في المناطق الواقعة إلى شمال غرب العاصمة صنعاء، تسيطر قوات جنرال منشق على الشوارع. وفي الأجزاء الجنوبية، يمارس الرئيس اليمني السابق النفوذ من منزله. وفي حي يقع في الوسط، تمارس عائلة قبلية قوية السلطة على الأرض وفي الدوائر السياسية. وبعد عام على تنحي صالح عن السلطة في إطار اتفاق رعته دول الخليج، ودعمته الولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي، ما زالت العائلات الثلاث الأكثر نفوذاً في اليمن تلقي بظلال كبيرة على عملية الانتقال السياسي. إذ خلافاً لزعماء دول أخرى غيرتها ثورات الحراك العربي، لم يكن مصير النخب اليمنية السجن أو المنفى، وإنما بقيت داخل البلاد حرة لتنشط وتشتغل مثلما تشاء. وهذه الاستمرارية ساعدت على الحيلولة دون انزلاق اليمن إلى حرب أهلية على النموذج السوري، أو الانفجار والتحول إلى الاضطرابات السياسية العنيفة التي تشهدهما مصر وتونس. غير أن نفوذ بعض النخب المستمر يعيق تقدم اليمن في المقابل، كما يقول نشطاء ومحللون ودبلوماسيون غربيون. وتقول توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام: «إننا لا نرغب في أن يتم جرنا إلى الماضي وصراعاته». والواقع أن الاستقرار السياسي لليمن مهم وأساسي بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في وقت ما زال يطرح فيه «تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية»، الذي يعد أخطر جناح للشبكة الإرهابية، تهديداً للغرب وللحكومة اليمنية. فالتنظيم، الذي ينشط بالقرب من الخطوط الحساسة لشحن النفط في واحدة من أكثر المناطق استراتيجية في العالم، تبنى المسؤولية عن عدد من المحاولات الهجومية على الولايات المتحدة؛ وهو ما ردت عليه إدارة أوباما بحرب مثيرة للجدل باستعمال طائرات من دون طيار وتتميز بـ»لوائح قتل» للمشتبه في علاقتهم بالإرهاب. واليوم، يحاول كل من صالح وعائلته، واللواء علي محسن الأحمر، وعائلة الأحمر النافذة -التي لا تجمعها قرابة عائلية باللواء المذكور- إملاء الطريق الذي ينبغي على ذلك البلد الشرق أوسطي الفقير سلوكه، بينما يتجه نحو إجراء انتخابات العام المقبل. وفي هذا السياق، يقول علي البخيتي، 36 عاماً، وهو ناشط شاب شارك في انتفاضة عام 2011 في اليمن: «إن السبب الذي يفسر لماذا ما زال علي عبدالله صالح وعائلته حاضرين في الحياة السياسية، هو أن الطرفين الآخرين، اللواء محسن، وآل الأحمر، ما زالا حاضرين أيضاً». والواقع أن لهذا خلفية تاريخية تستحق الذكر، فلأكثر من ثلاثة عقود، سيطر صالح ومحسن على اليمن، الأول كحاكم مطلق، والثاني باعتباره زعيمها العسكري الأقوى. وكان الرجلان يحرصان على سلامة أحدهما الآخر، حتى عندما أصبحا خصمين. وكان يُنظر إلى محسن على نطاق واسع باعتباره الشخصية التي ستخلف صالح إلى أن حاول هذا الأخير تعيين أحد أبنائه في المنصب. وفي دولة تشكل فيها القبيلة الوحدة الاجتماعية المركزية، كان صالح يعتمد بشكل كبير أيضاً على عائلة الأحمر من أجل الحفاظ على سلطته. وكان الأب الراحل للعائلة يترأس الاتحاد القبلي الذي تنتمي إليه قبيلة صالح. وفي مقابل دعمهم، كان صالح يسمح لمحسن وآل الأحمر بـ«إدارة شؤونهم بجيوش غير رسمية ومحاكم وإمبراطوريات اقتصادية»، وكان يقوم بـ«الدفع مباشرة من الخزينة للأنصار القبليين والعسكريين»، كما كتب السفير الأميركي حينئذ توماس كراجيسكي في برقية دبلوماسية أفرج عنها موقع ويكيليكس. غير أن هذه العلاقة الوثيقة تغيرت على نحو دراماتيكي في الثامن عشر من مارس عام 2011، بعد أن قام قناصة مدعومون من الحكومة بقتل عشرات المحتجين. فانضم محسن إلى الانتفاضة الشعبية مدشناً موجة من الانشقاقات في الجيش والحكومة والعشائر. وبحلول ذلك الوقت، كان معظم آل الأحمر يدعمون الثورة، ولاسيما حميد الأحمر، رجل الأعمال الثري. وهو اليوم زعيم كبير في «حزب الإصلاح» وهو الحزب الإسلامي الأقوى في البلاد وطرف في الحكومة الائتلافية. والحال أن حكم صالح الذي دام 33 عاماً انتهى رسمياً في فبراير عام 2012، عندما خلفه نائبه عبد ربه منصور هادي، لفترة انتقالية من عامين على الأقل. وفي المقابل، حصل صالح وعائلته على الحصانة من المتابعة القضائية عن جرائم مفترضة، بموجب اتفاق نقل السلطة. وكان العديد من اليمنيين يأملون أن يعيش صالح في المنفى خارج اليمن. ولكن بدلاً من ذلك، بقي في العاصمة وظل رئيساً لحزبه، المؤتمر الشعبي العام، الذي يعد الآن جزءاً أيضاً من الحكومة الائتلافية. وما زال هادي نائباً لصالح في الحزب. وفي هذا السياق، تقول ليتا تايلر، الباحثة المتخصصة في اليمن بمنظمة هيومان رايتس ووتش: «ما زال من غير المعروف ما إن كانت حكومة هادي ستأتي بتغيير حقيقي، أو ما إن كان حكمها سيكون مختلفاً عن حكم صالح». وبعض منتقدي صالح ودبلوماسيين غربيين يقولون إن هذا الأخير يستغل منصبه وعلاقاته وثروته الكبيرة للتأثير على وزراء وأعضاء في البرلمان ومسؤولين آخرين من حزبه. وقد أطلق صالح وأنصاره قناة تلفزيونية بهدف الترويج لآرائهم. كما يتهمه بعض منتقديه باستعمال «البلاطجة» لقطع خطوط الكهرباء وتخريب أنابيب النفط بهدف جعل حكومة هادي تبدو غير فعالة. وتقول كرمان في هذا الصدد: «إن الرئيس المخلوع ما زال يلعب دوراً سياسياً. إنه ما زال يمارس لعبة الانتقام ضد الشعب اليميني». ولكن مساعدي صالح ينفون هذه الادعاءات جملة وتفصيلاً ويتهمون، بدورهم، آل الأحمر، ومحسن، بالسعي إلى الاستيلاء على السلطة عبر الإيعاز إلى حلفاء سياسيين لهم بتعيين حكام ينتمون أو محسوبين على أجنحتهم، وتوظيف أنصارهم في قوات الأمن والجيش. ويقول ياسر العوضي، وهو مسؤول رفيع في المؤتمر الشعبي العام: «إن علي عبدالله صالح لا يتحكم في كل شيء»، مضيفاً «إنه لا يتدخل، بل إن آل الأحمر وعلي محسن وحزب الإصلاح هم الذين يخلقون العراقيل والعقبات». والراهن أن انعدام الثقة واضح في كل مكان. وفي الشهر القادم، من المقرر عقد مؤتمر وطني بهدف معالجة مواضيع مهمة لمستقبل اليمن، مثل الاستعدادات لمسودة دستور. والحال أن هناك اتهامات منذ الآن بأن معسكر صالح يعمل على تكديس أنصاره داخل المؤتمر. كما أن بعض المجموعات التي تعتبر أساسية من أجل التفاهم السياسي، مثل الانفصاليين الجنوبيين، الذين لديهم قائمة طويلة من التظلمات ضد حكام اليمن الشماليين، أخذت تبحث إمكانية عدم المشاركة. وإعادة توحيد الجيش يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها أمراً أساسياً؛ ولكنه ما زال منقسماً. صحيح أن هادي تمكن من إزالة ابن صالح، أحمد علي صالح، وأقارب آخرين من مناصب أمنية مهمة. غير أن العديد من المسؤولين الأمنيين ما زالوا موالين للعائلة، كما يقول محللون ودبلوماسيون. وفي هذه الأثناء، ما زالت قوات محسن في الشمال الغربي من العاصمة، وتسيطر على جامعة صنعاء بالقرب من «ساحة التغيير»، المخيم الذي أقامه المحتجون قبل عامين. وفي الأسبوع الماضي، قالت تقارير إخبارية محلية إن ابن صالح خاطب الحرس الجمهوري كما لو كان قائده، على رغم أنه يخضع رسمياً لقيادة هادي. هذا في حين نشر آل الأحمر مقاتليهم القبليين في مواقع محصنة. وتقول كرمان: «إن الرئيس لا يملك السلطة. إنه لا يسيطر على أمن البلاد»، مضيفة «في الواقع، ما زال أحمد علي يقود الحرس الجمهوري، وما زال علي محسن يسيطر على الفرقة الأولى مدرع». والواقع أن حتى بعض أعضاء «حزب الإصلاح»، الذي يهيمن عليه آل الأحمر ومحسن، يرون أن على النخب السابقة أن ترحل عن المشهد السياسي والعسكري حتى يستطيع اليمن التقدم إلى الأمام حيث يقول سعيد شمسان، رئيس القسم السياسي للحزب: «عليهم ألا يشاركوا لأنهم رُفضوا جميعاً من قبل الشعب اليمني». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©