الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوسمة بترايوس

15 ابريل 2008 00:06
ربما يكون الجنرال ''ديفيد بترايوس ''واحداً من أفضل من أنجبتهم العسكرية الأميركية في السنوات الأخيرة، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أنه بحاجة إلى نصيحة استراتيجية، بشأن الكيفية التي يرتدي بها ملابسه العسكرية في المناسبات المختلفة، فلو تذكرناه وهو يدلي بشهادته مؤخرا أمام الكونجرس عن حالة الحرب في العراق، فسوف نرى أمامنا جنرالاً يجلس أمام اللجنة المختصة، وقد ارتدى لباسه العسكري الكامل الأنيق، الذي تلمع فوق موضع الكتف منه أربع نجوم دلالة على رتبته كجنرال ويتوزع على صدر سترته الأيسر صفان من الشرائط الملونة، بالإضافة إلى عدد من الميداليات، والأوسمة، والنياشين المتدلية من أجزاء مختلفة من تلك السترة، ليس هذا فحسب بل كان الرجل يرتدي قطعة بلاستيكية مدونا عليها اسمه بحروف مذهبة· في الحقيقة، إن ما كان يرتديه ''بترايوس'' ليس إلا نوعا من المظهرية المبالغ فيها، خصوصا بالنسبة لرجل لم يكن قد خاض معارك إلا منذ خمس سنوات فقط، وفي الحقيقة أيضا أن هذا التباهي بالأوسمة والنياشين بين الشريحة العليا من كبار الضباط العسكريين الأميركيين في الوقت الراهن، قد طغيا على قيم وفضائل العسكرية الحقة مثل التواضع، والإخلاص في الواجب، والتحفظ الشخصي· فلو تذكرنا أي جنرال من جنرالاتنا المعروفين خلال السنوات الأخيرة، فإن الصورة التي ستقفز إلى أذهاننا هي صدور هؤلاء الجنرالات المكتظة بالأوسمة والنياشين اللامعة، وفي حالة ''بترايوس'' فإن تلك الأوسمة والنياشين، لم تمنح له تقديرا لأي عمل عسكري قام به، وإنما منحت له نظير ولائه المطلق للمؤسسة العسكرية الأميركية، وطبقا للتعليق الذي ورد تحت صورة كانت صحيفة ''تايمز أوف لندن'' قد نشرتها لـ''بترايوس'' العام الماضي، فإن الغالبية العظمى من الشرائط والأوسمة والنياشين الرائعة التي على صدر الجنرال أو التي يحتفظ بها في دولابه قد منحت له كمكافأة على انتظامه وعلى سجل خدمته الحسنة الخالي من المخالفات، ربما يكون الرجل شجاعا حقا، وربما يكون مستحقا للثناء والتقدير بالفعل، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: هل كل تلك الأبهة والمظهرية هي الطريقة المثلى للتعبير عن حقيقة الوضع في العراق، أمام جمهور يزداد شكا باستمرار بشأن نتائج هذه الحرب· من باب الإنصاف يجب علينا هنا أن نوضح أن تلك المظهرية لا ترجع إلى رغبة أو هوى شخصي من قبل الجنرال، بقدر ما ترجع إلى القوانين واللوائح العسكرية التي تنص على ضرورة قيام أي قائد أو ضابط كبير الرتبة بارتداء ملابسه العسكرية الكاملة مع كافة الأوسمة والنياشين الحاصل عليها، في المناسبات الرسمية، وتعليقنا على ذلك أقول: ألا يكفي أن يكون مثل هذا الضابط الكبير مرتديا لبزة عسكرية تلمع على موضع الكتف فيها أربع نجوم، كي يبرز وضعيته ومنصبه العسكري، ولكي يكون الجالسون أمامه على معرفة بمن هو· لو عدنا إلى صفحات التاريخ الأميركي فسوف نجد أن القادة العسكريين الأفذاذ كانوا يعدلون في الطريقة التي يرتدون بها لباسهم العسكري وفقا للظرف السائد، فهناك قائد مثل ''أوليسيس جرانت'' وقف ليستلم سيفا تذكاريا كتقدير من قائده ''روبرت ئي لي'' بينما كان يرتدي لباسا اتحاديا رثا أزرق اللون وحذاء عسكريا مغطى بالطين، والجنرال ''دوجلاس ماك أرثر'' نفسه وهو من حضر مراسم توقيع وثيقة الاستسلام الياباني للولايات المتحدة على ظهر السفينة الحربية ''ميسوري'' دون أن يكون مرتديا لربطة عنق مع لباسه العسكري الكاكي، والجنرال ''باتون'' كان يتباهى دوما بارتداء ملابس ركوب الخيل متمثلة في البنطلون الضيق والحذاء المرتفع الرقبة، ولكنه كان يستحق ذلك لأنه جنرال لم يكن يخرج من معركة إلا ليدخل معركة أخرى، ولأنه جنرال استمد شهرته من التكتيكات الرائعة في ميادين القتال، وليس من الملابس العسكرية الأنيقة فقط· أما عندما يأتي قائد ليجلس في مقعده أمام الكونجرس، كي يقول لنا في النهاية إن الإنجاز الذي حققته قواته في العراق، هو إنجاز هش، وأن القتال الذي تخوضه تلك القوات في ذلك البلد النائي، الحار، المترب، قد لا يتم كسبه أبدا، فإن كثيرين سيتفقون معي على أن مثل هذا الجنرال ليس في حاجة لارتداء كل ذلك الكم من الأوسمة والنياشين والنجوم التي كانت تلمع على كتفه وصدره· ماثيو بيفورد كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©