الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شما بنت محمد: لا بد للإبداع من نار المعرفة

شما بنت محمد: لا بد للإبداع من نار المعرفة
27 ابريل 2016 03:38
إيمان محمد يعرف المشهد الثقافي الإماراتي الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان من خلال مجلسها للفكر والمعرفة الذي أنشأته عام 1997 في مدينة العين، ليكون متنفساً لسيدات المجتمع لمناقشة مختلف القضايا الفكرية والأدبية، بمشاركة الأدباء والكتاب وأساتذة الجامعات، كما يعرفها من خلال مؤلفاتها الفكرية ومقالاتها الراصدة للتحولات الفكرية والثقافية للمشهد العام في البلاد. وتعتقد الشيخة الدكتورة شما أن «الارتقاء إلى مراتب الإبداع يحتاج منا أن نتحمل الاكتواء بنار البحث عن المعرفة، فهذه النار هي التي تمنحنا نور العقل الذي يضيء لنا زيت القنديل القادر على تبديد ظلمات الجهل»، وفي هذا الحوار مع «الاتحاد الثقافي» تطرح رؤى جوهرية فيما يخص الواقع المعرفي بشكل عام، وما يمكن أن تفضي إليه الاستراتيجيات الداعمة لعام القراءة وإشكاليات التنمية الثقافية وتحديات الهوية الثقافية، وتجربة الإمارات مع التنوع الثقافي، وغير ذلك مما يتعلق بالمشهد الثقافي في الإمارات. عن التحديات التي تواجهها الثقافات المحلية في مواجهة ثورة المعرفة والمعلومات تقول الشيخة الدكتورة شما:«مما لا شك فيه أننا نعيش الآن حالة انفتاح ثقافي على العالم الذي يدور داخل حلقة واحدة من التواصل المعرفي، وأصبحت الثقافات المختلفة متداخلة في بناء عالمي وتحولت شبكة الإنترنت إلى عنصر حاكم لعقول البشر وطاقة نور تفتح على بحور المعرفة والعلم والثقافة، فزادت مساحة التأثر والتأثير بين الثقافات الإنسانية المختلفة، وهذا يضعنا أمام تحدٍ كبير وعظيم، وهو كيف يمكن الحفاظ على مفردات هويتنا الثقافية وموروثنا الأخلاقي وتدعيم رسوخها في ضمير الأجيال الناشئة؟. في دولة الإمارات قطعنا شوطا كبيرا في ترسيخ القيم الوطنية والحفاظ على الهوية وتوثيق الرباط الروحي بين الطفل وموروثه المجتمعي الأخلاقي والقيمي، من خلال التعليم ومناهجه التي تحرص على إبراز الهوية الوطنية بكل مفرداتها، فيبقى منفتحاً على العالم، ومحصناً بهويته الوطنية. كما أن للمجتمع دوره المهم في ذلك من خلال حرص الأسرة على الحفاظ على مفردات هويتنا الثقافية والأخلاقية والدينية، ومن خلال التناغم بين أداء الدولة وأداء الأسرة نستطيع أن ننشئ أجيالاً مواكبة للعصر وتطوره المعرفي المطرد ومنفتحة على الثقافات الأخرى مع المحافظة على هويتها». وترى الشيخة شما أن ترسيخ القيم الموروثة في وجدان الأجيال الناشئة وتقوية انتماء الإنسان لهويته التاريخية يحيِّد المواجهة ويحولها إلى طاقة تبادل وتأثير وتأثر بين الثقافات المختلفة، وتوضح: «تتميز الإمارات باحتوائها لكثير من ثقافات العالم، ويعيش على أرضها الطيبة ملايين البشر من مختلف أرجاء الكرة الأرضية بثقافاتهم المختلفة والمتباينة أحيانا، واستطاعت الإمارات أن تحتويهم في منظومة من التعايش السلمي والاحترام المتبادل، وهذا له مردود إيجابي فهي تصدر للعالم نموذجا يحتذى به في مجال التعايش ما بين الثقافات، كما أن حضور كل هذه الثقافات على أرض الإمارات يسهم في توسيع مدارك الإنسان الإماراتي ويعرفه على الثقافات المختلفة». الاندماج الفعال في كتابها «تحديات الهوية الثقافية» تطرح الشيخة الدكتورة شما مبدأ الاندماج الفعال لتحقيق مجتمع المعرفة في المجتمعات ذات التعددية الثقافية مثل المجتمع الإماراتي، وعن ذلك تقول: «نحن نعيش في واقع عالمي يستوجب معه تفعيل مبدأ التشاركية بين المجتمعات والثقافات المختلفة، من أجل تفعيل المجتمع المعرفي بصورته الكونية، هذه التشاركية قد تواجه أزمة الحفاظ على ملامح الهوية الفردية لكل ثقافة، لكن الإيمان بقيمة تلك التشاركية وتفعيل الإنتاج المشترك للمعرفة قد يوجدان آليات تؤدي إلى تحقيق مبدأ الإندماج الفعال، ويجب أن يتخلص الجميع من بعض الجوانب السلبية التي قد تؤدي إلى تشوه حالة الإندماج الفعال، مثل النظرة الفوقية للثقافات الأخرى وإيمان بعض الثقافات أنها الثقافة الأفضل، وهذه الإشكالية مُنشئة لحالة الصراع، ولكي نصل إلى حالة التناغم التام لابد أن نمر بمراحل كثيرة من حالة التجريب والاندماج غير الفعال، إلى أن يتحقق التراكم الكمي ثم تحدث حالة التحول النوعي، ذلك أن خبرات الفشل على هذا الصعيد دائماً ما تكون طاقة دافعة نحو النجاح والوصول إلى حالة الإندماج الثقافي الفعال المنتج لمجتمع المعرفة بصورته المثالية». نموّ وتطوّر وتوصِّف الشيخة الدكتورة شما المشهد الثقافي الإماراتي بأنه فتي ومتنامٍ، فمنذ تأسيس الدولة والمكون الثقافي يعد أحد ركائز تدعيم استقرار الاتحاد، ومع كل إشراقة عام جديد يزداد قوة ووضوحا في ملامحه المستقاة من الهوية الوطنية الراسخة ليكون له خصوصيته المتفردة، وتقول: «تحرص الدولة على تقديم كل الرعاية والدعم للمبدعين والمثقفين والمفكرين، والاهتمام المتزايد بالمناسبات والفعاليات الثقافية، وإنشاء المراكز والهيئات المتخصصة في التنمية الثقافية، وزيادة المكتبات العامة وتزويدها بكل جديد في شتى مجالات الثقافة والمعرفة، والاهتمام بإقامة معارض الكتب التي تحولت من المحلية إلى العالمية، وأصبح لها صدى كبير في المحافل الثقافية العالمية كمعرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي بات حاضنة للكثير من العقول المبدعة على مستوى العالم، ويقدم قيمة ثقافية ذات مردود إيجابي على الحياة الثقافية بالإمارات. نحن أمام مشهد ثقافي إماراتي لا يتوقف عن النمو والتطور يخرج من حدود المحلية ليحلق في سماء العالم ويقدم شخصيته المتمايزة وسط المجتمعات الثقافية في العالم. الأدباء والمفكرون هم نتاج المجتمع، لذلك هم ملتصقون باهتماماته ويعبرون عن همومهم، ولا أجد انفصالاً بين المشهد الثقافي والإبداعي في الإمارات وبين واقع المجتمع باهتماماته وهمومه وتطلعاته». عام القراءة أما مبادرة عام القراءة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، فتراها الشيخة الدكتورة شما نقطة ارتكاز لانطلاق مرحلة جديدة من علاقة الإنسان على أرض الإمارات بالقراءة، وتقول «ستكون مرجعا للكثير من المبادرات والفعاليات والبرامج التي تشكل الظهير الإجرائي لتنمية قيمة القراءة في المجتمع، والعمل على تحويل العلاقة مع الكتاب لعادة يومية مجتمعية وليست نخبوية فقط، وكنت قد أشرت في مقالي الأخير بجريدة الاتحاد إلى ضرورة تحويل عام القراءة ليكون نقطة البداية لاستراتيجية تشاركية ممتدة لا تتوقف عند حدود عام ?2016? فنحن نحتاج إلى الاستمرار في دعم المبادرة بجهود الدولة والمجتمع حتى يكون للاستراتيجية مردود حقيقي في دعم المستقبل الثقافي والمعرفي في الدولة». وبالنسبة لها، فإن القراءة بأشكالها المختلفة هي المكون للرصيد المعرفي للفرد المندمج داخل المنظومة المعرفية للمجتمع، بالتالي القراءة هي الفعل الأهم في تفعيل مجتمع المعرفة، وتقول: «تفعيل القراءة يحتاج إلى منظومة متكاملة تشاركية بين الدولة كمؤسسات معنية والمجتمع بكل مفرداته من مؤسسات مجتمعية والأسرة، ليكون المردود هو تحويل القراءة من سلوك رفاهي إلى سلوك يومي يخضع لآلية الضرورة اليومية في حياة الفرد مثله مثل كل الطقوس اليومية التي يمارسها». وتضيف: «الحياة الثقافية في الإمارات في حالة حراك مستمر بلا توقف، ومن نتاج هذا الحراك الدائم ظهور العديد من المجالس والصالونات الأدبية التي تثري المشهد الثقافي، وتقدم حالة زخم شديدة من الحوارات التي حتماً تفضي إلى المزيد من المعرفة والتطور في آليات الإبداع الأدبي والفكري، ونحن أمام ظاهرة إيجابية بكل المقاييس، ومع زيادة الزخم الذي قدمته مبادرة عام القراءة للحياة الثقافية كان لها ظل إيجابي على زيادة رقعة المجالس والصالونات الأدبية زيادة كمية ونوعية». التنمية الثقافية في كتابها «التنمية الثقافية وتعزيز الهوية الوطنية» الصادر عام 2013 تخلص الشيخة شما إلى«أن عدم إدراك الأبعاد الثقافية للتنمية، وعدم أخذ الثقافة مأخذ الجد في عملية التنمية، سيجعل من التنمية مسخاً شائهاً لهوية المجتمع وطابعه الوطني»، وعن سبل علاج ذلك تقول: «تنمية من دون تضمينها المكونات الثقافية هي كالنقش على الماء، فالثقافة لها مضامينها التي يجب أن تتداخل مع الخطط التنموية للمجتمعات، وبدونها يتم تفريغ التنمية من الاستدامة، فالتنمية تقوم على الخطط المستقبلية التي سوف تتولى إدارتها عقول تتشكل، وبدون مراعاة تشكيل المنظومة المعرفية لتلك العقول وتضمين الثقافة في بنائها ستفقد بوصلتها نحو الاستمرار في إدراك التنمية والتطور، فتنهار الخطط التنموية أمام العقول الفارغة من المعرفة ويفقد المجتمع هويته أمام الثقافات الأخرى، لذلك لابد لأي خطط تنموية أن تتضمن إلى جانب فروعها الاقتصادية والمجتمعية جانبها الثقافي لكي نصل بالخطط التنموية إلى الإيجابية القصوى في مستقبل المجتمع». كتب وجوائز الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان حاصلة على الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي، في موضوع «الأمن السياسي والاجتماعي في دولة الإمارات العربية المتحدة (1971- 1998)»، وماجستير في دراسات المرأة في موضوع «الرضا الوظيفي في دولة الإمارات» وبكالوريوس في الدراسات الإسلامية والتاريخ من جامعة الإمارات. صدر لها عام 2013 ثلاثة كتب عن دار عين في القاهرة هي: كتاب «التنمية الثقافية وتعزيز الهوية الوطنية.. دراسة ميدانية على مواطني دولة الإمارات»، «المجتمع المدني ودولة الإمارات.. تجربة مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الديني الثقافي» و«تحديات الهوية الثقافية.. تأملات في عالم القراءة وإنتاج المعرفة». كما صدر لها «الأمن السياسي والاجتماعي لدولة الإمارات 1971-1998» و«تداعيات حرب الخليج الثانية على قضايا الأمن السياسي والاجتماعي داخل دول مجلس التعاون» من منشورات مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان 2000، و«نحو استراتيجية مقترحة لتحقيق الأمن السياسي والاجتماعي لدولة الإمارات» عام 1990، وكتاب «المرأة العاملة والرضا الوظيفي في دولة الإمارات» عام 1998. وحصلت على عدة جوائز أبرزها، جائزة «سيدتي» للتميز والإبداع فئة السيدات الرائدات والمتميزات في مجال التعليم والثقافة 2016، وجائزة خليفة التربوية الدورة الثامنة 2014- 2015 فئة المؤسسات الداعمة للتعليم عن برنامج أجيال تقرأ من خلال جمعية الشيخ محمد بن خالد آل نهيان لأجيال المستقبل، وجائزة شخصية مهرجان طيران الإمارات للآداب من مؤسسة الإمارات للآداب 2015، بالإضافة إلى وسام إنسان فوق العادة من الأمم المتحدة 2013، وغيرها من الجوائز. وتشغل موقع رئيس مجلس إدارة مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الديني، ورئيس مجلس إدارة مركز الشيخ محمد بن خالد آل نهيان الثقافي، ورئيس مجلس إدارة جمعية محمد بن خالد آل نهيان للأجيال، ورئيس مجلس إدارة مدرسة محمد بن خالد آل نهيان للأجيال، ورئيس مجلس شما بنت محمد بن خالد آل نهيان للفكر والمعرفة، وكلها تقع في مدينة العين. سمات الثقافة الوطنية «إن أول شروط الحفاظ على الهوية الثقافية يستلزم ضرورة الحفاظ على القدر الثابت والجوهري من السمات التي تميز الثقافة الوطنية، والتمسك بالثوابت المتينة للهوية، التي تتجسد في القيم والعادات والتقاليد، وترتوي من منابع الدين(الذي هو روح الدين) واللغة (التي هي قلب الهوية) والأصول المشتركة (التي تجسد الهوية). فهذه المقومات هي الكفيلة بتقوية أواصر النسيج الاجتماعي والثقافي، وتعزيز قسم الولاء والانتماء وحب الوطن، وخلق ثقافة تنهل من منابعنا المحلية وتتفاعل، في الوقت نفسه، مع هذه الثقافة الكونية، تفاعلا يعكس علاقة بين ندين، ويتجاوز منطق الخضوع، أو الإحساس بالدونية، تجاه هذه الثقافة الكونية». كتاب: «تحديات الهوية الثقافية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©