الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإمارات.. صورة ثقافية

الإمارات.. صورة ثقافية
27 ابريل 2016 03:42
إبراهيم الملا يمكن وصف الحراك النوعي، وعلى المستويين الأفقي والعمودي في المشهد الثقافي الإماراتي، بأنه حراك ينافس ذاته، ويسعى لتطوير أدواته وبرامجه لتحويل الأفكار الخلاقة والمحلقة، إلى مشاريع حية وفاعلة وملموسة على الأرض، فالثقافة الحاضنة للعلوم والفنون وآليات الابتكار والتنمية العمرانية والبشرية، باتت في ذهن قادة البلد اليوم هي الخيار الاستراتيجي الأمثل لتأسيس أجيال جديدة قادرة على خلق مستقبل أكثر أمناً واستقراراً وإبداعاً في أفق يجمع ويوازن بين متطلبات الحداثة ومكتسبات التراث، ولا يرتهن في ذات الوقت لمفاهيم تقليدية متكلّسة وغير منتجة. يخضع مفهوم الثقافة التفاعلية في الإمارات لعمليات مراجعة مستمرة، لتجاوز النمط الكلاسيكي في عرض الأنشطة الثقافية، وكانت ملامح هذه المراجعة الساعية بالتأكيد إلى تطوير الشكل والمحتوى الثقافي، قد ظهرت بقوة خلال السنوات القليلة الماضية في معارض الكتب الدولية والفعاليات الثقافية والفنية الكبرى التي تحتضنها مدن الدولة، ابتداء من العاصمة أبوظبي بثقلها وحضورها وتأثيرها اللافت في الجانب الثقافي والتنموي، مرورا بإمارة الشارقة الحاصدة لقبي العاصمة الثقافية والعاصمة الإسلامية، نظراً لإسهاماتها المبكرة والقوية في تفعيل النشاط الثقافي منذ قيام دولة الاتحاد، وكذلك إمارة دبي التي صنعت نهضة فنية وسينمائية وتشكيلية موازية لنهضتها العمرانية، بالإضافة إلى الإمارات الأخرى التي انبثقت نشاطاتها الثقافية من خصوصيتها البيئية والجغرافية. معارض وجوائز وفي هذا السياق، يمكن وصف معرض أبوظبي للكتاب بأنه أحد أهم الوجهات الثقافية التي تختبر الإسهامات المتجددة لنخبة من الأدباء والمفكرين والباحثين، دون أن يقطع المعرض علاقته بالجمهور العام، باعتباره مؤشراً مهماً لقياس المتطلبات المعرفية وسط عالم متغير ومتنوع في خياراته وأذواقه وتوجهاته، وأسهم عدد من المشاريع والجهات الثقافية في أبوظبي في الحفاظ على رونق وبهاء الحضور الثقافي في الإمارات ودعم وتشجيع الكتاب والمؤرخين والشعراء والأدباء، ونذكر من هذه الجهات: دار الكتب الوطنية، ومشروع قلم، ومشروع كلمة، وأكاديمية الشعر، وذلك ضمن رؤية هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة لصون التراث الثقافي الغني والتاريخي في إمارة أبوظبي ودولة الإمارات، ووضع هذا الإرث العريق ضمن سياق عالمي من خلال برنامج مكثف من الأنشطة الثقافية، والمعارض والمتاحف، بهدف تعزيز التفاهم بين مختلف ثقافات العالم، وترسيخ مكانة أبوظبي كوجهة ثقافية مستدامة على المستوى العالمي. ويعتبر معرض الشارقة الدولي للكتاب بمثابة القلب الثقافي النابض للإمارة، والبوصلة الموجهة نحو حب الكلمة المقروءة، وإعادة الاعتبار للكتاب ولقيمته الجليلة، وظل طموح الإمارة متواصلاً من خلال هذا المعرض العتيد، لتأسيس مكتبة في كل بيت، وتحويل القراءة إلى عادة يومية وطقس حياتي لكل الفئات العمرية ولكل الأسر والعائلات، من أجل الارتقاء بالإنسان في دولة الإمارات، ومنافسة الدول الأخرى في الرصيد المعرفي المتراكم، والمتوازن بين الإنتاج والتلقّي. ولتأكيد وتأصيل هذا الشغف في إنتاج المعرفة، قامت معظم المؤسسات والهيئات الثقافية في الدولة باستحداث الجوائز الثقافية لتكريم القامات الإبداعية المحلية والعربية والعالمية، وتشجيع المواهب الواعدة، وخلق قواعد وروافد إبداعية مستدامة ومتواصلة. وتحتل جائزة الشيخ زايد للكتاب مكان الصدارة في لائحة الجوائز الثقافية في الإمارات، نظراً لقيمتها المعنوية العالية والمعبرة عن الرؤية الحكيمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه)، في اعتبار الإنسان المثقف والمستنير لبنة أساسية في نهوض الأمم والشعوب، ومن هنا جاء إطلاق هذه الجائزة بدعم ورعاية هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، تكريماً لذكرى حاكم استثنائي عمل لأكثر من 30 عاماً، على توحيد الدولة وتطوير مسيرتها التنموية، حيث تمنح الجائزة سنوياً للمؤلفين والمفكرين والناشرين العرب المتميزين وللمواهب الشابة من الذين كان لكتاباتهم وترجماتهم في مجال العلوم الإنسانية دور مهم في إغناء الثقافة والآداب والحياة الاجتماعية العربية علمياً وموضوعياً. أما جائزة «اتصالات» لكتاب الطفل، التي يشرف عليها المجلس الإماراتي لكتب اليافعين وتوزع جوائزها المختلفة في معرض الشارقة الدولي للكتاب، فهي جائزة تهدف إلى تشجيع وتطوير الكتابة للطفل شكلاً ومضموناً، كما أنها لم تعد مجرد جائزة تقدم مكافآت مالية، بل غدت مشروعاً تطويرياً للارتقاء بصناعة الكتاب للطفل العربي. كما أن جائزة البوكر التي ترعاها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، ساهمت وبقوة في نماء الشريحة المتذوقة للرواية، وقدمت أسماء إبداعية مبشرة في الساحة الروائية العربية، كما سلطت هذه الجائزة الضوء على تنوع أساليب وتقنيات السرد لدى الروائيين العرب الجدد، ومنحتهم مجالاً خصباً للاستمرارية ومواصلة الإنتاج في هذا الحقل الأدبي. وتسعى جائزة العويس الثقافية لتكريم أبرز الشخصيات الأدبية والثقافية العربية، تقديراً لتاريخهم الإبداعي وإنجازاتهم العملية، ومنذ أن أسسها سلطان بن علي العويس في العام 1987، لا تزال تؤدي دوراً بارزاً في دعم مسيرة المبدعين العرب، وهناك أيضاً الجوائز العديدة التي ترعاها دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، مثل جائزة الشارقة للإبداع العربي، والتي أوصلت صوت وتوجهات الشباب العرب إلى القراء في مختلف المجالات الأدبية، كالنقد والرواية والقصة والشعر. واستحدثت مؤخراً جائزة الإمارات للرواية برعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، وبدعم وتنظيم من « توفور 54 »، وتهدف الجائزة في بعدها الاستراتيجي إلى تقدير ودعم المواهب الأدبية الإماراتية وتسليط الضوء على الثقافة المحلية وأهمية القراءة والكتابة بالنسبة للأجيال الجديدة، وتطوير وتعزيز فن الرواية في الإمارات، وتشجيع الكتابة وروح الإبداع، وتتضمن جائزة الإمارات للرواية ثلاث فئات مختلفة هي جائزة «أفضل رواية» وجائزة «أفضل رواية قصيرة» وجائزة «الكاتب الإماراتي المميز»، وكانت جائزة الإمارات للرواية قد أطلقت مؤخراً مشروعها الجديد، وهو نادي الرواية الإماراتي، الذي يعد أول نادٍ ثقافي محلي لمناقشة الروايات الإماراتية الصادرة منذ قيام دولة الاتحاد، ويجمع بين القراء والكتاب والنقاد، بما يسهم في دعم الأدب الإماراتي والارتقاء به، كي يكون قادراً على المنافسة في أكبر المحافل الأدبية، إقليمياً وعالمياً. وعلينا أن نذكر أن الجوائز الأدبية لها تأثير ملموس في رفد الساحة الثقافية بأسماء محلية متميزة في حقول الأدب المختلفة، ولكن هذا التأثير لن يشتغل بمعزل عن المناخ الثقافي العام والخطط المستقبلية القادرة على خلق بيئة مشجعة على الإنتاج الأدبي والفكري، ومن أهمها الالتفات للجانب النقدي والفلسفي والتحليلي الذي يبدو شاغراً، أو ناقصاً، وبحاجة لردم الهوة الفاصلة بين الإبداع كفعل، وبين تفكيك بنية هذا الإبداع نقدياً وجمالياً، فعدم وجود نقاد إماراتيين متخصصين سيظل حاجزاً ماثلاً دون شك دون متابعة وتطوير التجربة الثقافية المحلية بشكل عام، كما أن تطبيق حلم التفرغ الوظيفي للمبدعين ما زال معلقاً في فضاء السؤال الكبير والانتظار الطويل، والذي لم يجد حلاً أو مخرجاً حتى الآن، رغم أن هذا التفرغ الوظيفي مطبق في كثير من البلدان العربية والأجنبية التي يمكن الاستفادة من تجربتها المتراكمة في هذا السياق. فنون بصرية وأدائية يزخر المشهد الثقافي في الإمارات بالعديد من المهرجانات المعنية بالترويج للفنون البصرية والسمعية والأدائية، مثل مهرجانات السينما والمسرح والتشكيل والموسيقا التي تكتمل معها سلسلة الاهتمامات الثقافية الرامية لتعزيز جانب القراءة والكتابة وأدب الطفل، ومن هنا تنبع أيضاً أهمية الفنون التفاعلية في اتساع رقعة الإبداع والابتكار المحلي فيما يخص الاتجاهات المعاصرة والمتقاطعة مع فنون الثقافات البعيدة والمجاورة لنا. ويعد مهرجان دبي السينمائي الدولي من أبرز الأحداث السينمائية في المكان، حيث استطاع خلال دوراته المتلاحقة أن يضخ نفساً إبداعياً حاراً في المشهد الثقافي والفني المحلي من خلال استقطابه لأهم الأفلام العالمية ودعمه المتواصل للمواهب السينمائية الإماراتية والعربية، وتوفير سوق سينمائي يعتبر منصة حيوية وجاذبة للهيئات والمؤسسات الإنتاجية، كما أن الجوائز التي يمنحها للتجارب السينمائية الواعدة، تضيف لمخرجي الأفلام وصناع السينما في المنطقة وهجاً وحماساً لمواصلة المغامرة البصرية والإنسانية، وإيصال القصص والحكايات والقضايا المحلية والعربية إلى جمهور متنوع في المهرجانات الدولية. ويعتبر مهرجان أيام الشارقة المسرحية أحد أهم الروافد المغذية للفنون الأدائية بالإمارات، وهو مهرجان لا يحصر نفسه في إطار أحادي ومغلق بل يفتح منافذ ومسارات ومناطق التقاء عديدة مع المسرح الخليجي والعربي، ويمنح مساحة خصبة وثرية للنقاد والنخب المسرحية المختلفة للمشاركة في فعاليات المهرجان، وتقييم العروض المحلية، وإقامة ندوات حول قضايا ومواضيع مسرحية ملحّة ومهمة، وخلق مناخات تفاعلية للحوار والنقاش والجدل المعرفي الإيجابي بين هذه النخب الخليجية والعربية وبين الفنان المسرحي المحلي. ويكشف المعرض السنوي العام لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية عن رصيد مهم من المحتوى الحضاري والتاريخي الأبرز في سياق الحركة الفنية الإماراتية، لأنه يواكب المراحل الفنية التي يمر بها كل فنان، فيقدم التجارب المتنوعة، ويصرح بخصوصية كل تجربة، فيلامس جذورها وتحولاتها، كما أن هذه التظاهرة الفنية الثقافية تعكس السوية المتألقة للمحترف الإماراتي الذي تتصدره إبداعات حضرت بقوة في التشكيل العربي والدولي. أما مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية، فيقدم باقة متنوعة من الفعاليات التي تستضيف أفضل المواهب والفرق الموسيقية، كما يستعرض طيفاً واسعاً من العروض الموسيقية التي تسلط الضوء على أشهر المؤلفين العالميين وأجمل مؤلفات الموسيقى الكلاسيكية من الشرق والغرب. وقدمت هيئة دبي للثقافة والفنون العديد من المبادرات الرامية لدعم وترويج الفنون البصرية وفنون الأداء ومنها «موسم دبي الفني»، وتضم: أسبوع الفن، آرت دبي، وأيام التصميم، ومعرض سكة الفني، وتسعى المبادرة لتسليط الضوء على المشهد الإبداعي المتنامي للإمارة ضمن دائرة الحراك الثقافي العالمي، ويحتفي مهرجان دبي لمسرح الشباب بالطاقات المسرحية الواعدة التي تضيف زخماً ورصيداً إبداعياً لمسيرة المسرح المحلي ولتجلياته وإشراقاته في المواسم المسرحية المختلفة. حزام معرفي عندما نقول إن المشهد الثقافي في الإمارات أصبح متوهجاً بطموحاته واستشرافه للتحديات العالمية المقبلة، فإننا نستند إلى المدى الذي قطعه الوعي بأهمية الثقافة في المكان، وبما راكمته هذه الثقافة من مرجعية راكزة، ونزعة ديناميكية نشطة في حيزها الجغرافي، أو مجالها الطبوغرافي الواصل بين ساحلين مفتوحين على كل الرؤى والأفكار، ونقصد بهما ساحل الخليج العربي، وساحل بحر العرب المطل على المحيط الهندي. هذا المزج البيئي والتاريخي الذي أنتج نسيجاً بشرياً متناغماً ومحتوياً ثقافات البحر والجبل والصحراء، خلق دون شك مناخاً استثنائياً وفريداً في معنى التآلف والارتباط بين أهل الإمارات قديماً وحديثاً، إنه الحزام المعرفي الوثيق المحتفظ بهويته وتنوعه وثرائه، والمنفتح أيضاً على الإنصات للآخر، والتعايش معه في أفق إنساني متسامح ومتعطش للحوار والتبادل الفكري والحضاري والاقتصادي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©