السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمين معلوف: أفخر بجائزة تحمل اسم الشيخ زايد

أمين معلوف: أفخر بجائزة تحمل اسم الشيخ زايد
27 ابريل 2016 20:30
شمس الدّين شيتور ترجمة - أحمد حميدة أمام الفوضى المستشرية في عالمنا المعاصر، يكون من حقّنا التّساؤل عمّا إذا كانت العلاقة بين الغرب والشّرق دوماً على الدّرجة نفسها من «التّعقيد» الذي يميّزها اليوم؟ أراني بحاجة في هذا الصّدد إلى التمعّن في مؤلّفات هذا الكاتب الجامع الذي هو أمين معلوف، خاصّة في خطابه بالأكاديميّة الفرنسيّة الذي كان انتصاراً بالغ الوجاهة لقيمة التّسامح، وتجسيداً لها. «ذاك الذي يعيش في سلام مع خالقه.. ينعم وحده بالسّكينة في رحاب بيت اللّه (...)، أنا لست من أولئك الذين يقتصر الإيمان لديهم على فزّاعة القضاء، والتضرّع في وجدانهم لا يُختزل في حركة السّجود. ما هي طريقتي في الصّلاة؟ إنّي لأتأمّل الوردة وأعُدّ النّجوم، أندهش أمام جلال الخلق وكمال التّدبير الإلهي السّاري في كلّ الأشياء، أتلمّس السرّ الكامن في الإنسان.. أبدع مخلوقات اللّه، فأتدبّره في عقله الظّمآن إلى المعرفة، في قلبه اللّهفان إلى المحبّة، وفي حواسّه.. كلّ حواسّه.. المستنفرة». الخيّام في «سمرقند» «(...) حين يحظى المرء بامتياز القبول في أسرة مثل أسرتكم، فهو لن يقبل عليها بأيدٍ خاوية، وإذا كان صاحب الامتياز هذا مشرقيّاً مثلي أنا، فهو سيأتي لا محالة.. وراحتاه مثقلتان بمشاعر الودّ والامتنان، الامتنان لفرنسا كما للبنان. سوف أقبل ومعي أجمل ما وهبني إيّاه هذان الوطنان: جذوري، لغاتي، نبراتي، قناعاتي، ارتياباتي، بل أكثر من ذلك، حلمي بانسجام منشود، وبنماء في كنف تعايش مشتهى ومرغوب. والحال أنّ هذا الحلم غدا اليوم محلّ استخفاف، بل بات مغتالاً..ممتهناً ومدحوراً. ففي المتوسّط، يرتفع اليوم جدار أصمّ بين عالمين ثقافيين أنتمي أنا.. لكليهما، غير أنّني لن أتخطّى أبداً هذا الجدار كيما أتنقّل من ضفّة إلى أخرى، لأنّ ذاك الجدار هو الحاجز البغيض للكراهيّة بين الأوروبيّين والأفارقة، بين الغرب والإسلام، بين اليهود والعرب، وإنّي لأتطلّع إلى ذلك اليوم الذي قد نرى فيه جميعاً ذلك الجدار وهو يتصدّع ويتهاوى. تلك كانت غاية وجودي، وتلك هي غاية كتابتي التي، بمعيّتكم، سأمعن في متابعتها بالثّبات نفسه..». أمين معلوف هو مبدع تلك الروايات التي غدت بعد صدورها، واسعة الانتشار وذائعة الصّيت: «ليون الأفريقي»، «رحلة بلداسار»، «سلالم الشّرق»... وفيها يعيد إلى ذاكرتنا أجواء الحروب الصّليبيّة، يوميّات «حرب الاسترجاع المسيحيّة» بالأندلس في بداية القرن 16، وإلى ليون الأفريقي وحكاياته عن المغرب المنتهب بمحاربة الحشود المقاتلة التي أنهت اجتياحها عند وادي حرّاش سنة 1541. وكذلك هو الأمر في رواية «سمرقند» التي يسرد فيها معلوف المسكوت عنه بشأن مخطوط رباعيّات الخيّام، ذلك المخطوط الذي تتمفصل حوله قصّة عمر الخيّام ونظام الملك، وحكايات الصّديع وطائفة «الحشّاشين» (القتلة) الذين كانوا شديدي الشّبه بانتحاريي العصر الحديث، أي أولئك الذين يحملون، لصيقة بجلدتهم، نزعة العدم والموت. وتُستهلّ الرّواية بمشهد إهانة: تعنيف بعض المتعلّمين لجابر الطّويل، أحد مريدي ابن سينا.. بتهمة التّفلسف. ولأنّه انتصب مدافعاً عنه، وجد عمر الخيّّام نفسه ماثلاً كمتّهم أمام القاضي أبي طاهر. وسمرقند هي أيضاً سرد لأطوار التدخّل الغربي في شؤون بلاد فارس على أيدي الشّركاء المتواطئين نفسهم، إنجلترا وفرنسا، ولكن أيضاً روسيا القيصريّة. إنّها لحظة احتضار الإمبراطوريّة العثمانيّة التي ستجهز عليها اتّفاقيّة سايكس &ndash بيكو. تمزّق بين عالمين أمين معلوف هو أيضاً حالة تمزّق بين عالمين. ففي مؤلّفه «الهويّات القاتلة» الذي سبقه كتاب «بدايات»، يتناول معلوف بالتّوضيح الأبعاد العاطفيّة للازدواجيّة التي تنتهب ذوي الانتماء العالمي، أولئك المنتسبون إلى عالمين، عالم جديد، وآخر تتجذّر فيه الهويّة الأصليّة، والذي متى تمّ تجاهله أسلم صاحبة إلى حالة إرباك نفسيّ، مع ما يعنيه ذلك الإرباك من تصدّع على المستوى العاطفيّ والوجدانيّ. وقد كتب معلوف بهذا الخصوص قائلاً: «مذ غادرت لبنان للإقامة بفرنسا، وأنا أواجه سؤالاً ملحاحاً لا ينفكّ يطرحه عليّ الكثيرون.. وبكلّ عفويّة: أيّهما أرسخ لديك، هل هو الانتماء إلى الهويّة اللّبنانيّة، أم أنّه الانتساب إلى الهويّة الفرنسيّة؟ وكنت أجيب دائماً دونما تردّد.. إنّه هذا وذاك، لا التماساً لقدر ما من الانسجام أو الإنصاف، وإنّما لأنّني لو قلت عكس ذلك.. لكنت كاذباً. إنّ ما يجعل منّي أنا.. أنا.. ولا أحد سواي، هو أنّني أوجد وأعيش عند تخوم وطنين، على حدود لغتين، وعند حوافّ تقاليد ثقافيّة في منتهى التنوّع. وتلك هي هويّتي». لذا.. نرى معلوف يتساءل عن ماهية الهويّة، عن الانفعالات التي تثيرها وعن انحرافاتها القاتلة: «هل ثمّة قانون طبيعيّ أو قانون تاريخيّ يزعج البشر قسراً إلى التّقاتل باسم الهويّة؟»، وفي رواية «التّائهون» يقول في هذا الصّدد: «إنّي لأستلهم الكثير من سنوات شبابي التي أمضيتها مع أصدقاء كان جميعهم يتشوّف إلى عالم أفضل». الفوضى العالميّة كشاهد على فوضى العصر الذي نعيش، والذي تكاد تتلاشى فيه كلّ الآمال، يشخّص معلوف علامات المرض: «ونحن على أعتاب الألفيّة الثالثة، يبدو الاختلال المريع الذي يتردّى فيه العالم صادماً بشكل صارخ، اختلال فكريّ وتشنّج في إثبات الهويّات، يجعل من التّعايش المتكافئ أمراً عسيراً، ومن التّخاطب بين الهويّات حوار طرشان. اختلال اقتصاديّ وماليّ يجرف العالم برمّته نحو بؤر عاصفة لا يمكن التكهّن بما قد تأتي به من كوارث ماحقة، والذي يكشف بالنّهاية عن مدى إفلاس نظام القيم الذي بات يحكمنا. اختلال مناخيّ يومئ إلى إرث ثقيل من الإفساد اللاّمبالي واللاّمسؤول للطبيعة التي تحضننا، والتي من ثرواتها نقتات». ولا يعود هذا الاختلال في نظر معلوف إلى ما يسمّيه البعض بصراع الحضارات، بقدر ما يعود إلى «حالة الاستنزاف المتزامن للحضارات الذي باتت ترسف فيه الإنسانيّة، حتّى أنّها لتتبدّى اليوم وكأنّها على قيد قصور أخلاقيّ». (...) علاقات الشّرق بالغرب يرى معلوف أن العداء الحضاري بلغ ذروته، خاصّة مع الحملات الصّليبيّة الثّماني. ففي رواية «الحروب الصّليبيّة كما رآها العرب» يطالعنا بموقف العرب من الصّليبيّين، مبيّناً ما أسفرت عنه تلك الحروب، وعلى امتداد قرنين، من نهب وسلب وتقتيل جماعيّ من قبل الإفرنج، محدّداً علامات التّعارض يومها.. بين الغرب والشّرق، ومتأمّلاً في معاني انقلاب علاقات الهيمنة بين هذين العالمين. ويعيد معلوف أسباب ذلك الانقلاب إلى قدرة الغربيّين على الالتفاف حول مفهوم الحقّ لإرساء قواعد فعّالة تسمح بانتقال السّلطة، وكان في ذلك.. مستلهماً لكتابات المؤرّخين العرب الذين دوّنوا ووثّقوا تلك الأحداث. إنّه لمؤلّف مخلّص، إذ أفصح هذا الكتاب عن رؤية أخرى غير تلك التي طالما رمت المسلمين بأوصاف ازدرائيّة قوامها الحقد والكراهيّة، أوصاف ما انفكّت تروّج لها الكنيسة منذ ألف سنة، من تاريخ تجديد الفاتيكان زمن البابا بولس السّادس وحتّى فترة البابا بنوا السّادس عشر وبروز معنى جديد أسبغ على مفهوم العالم اليهودي - المسيحيّ، فوفقا لهذا المفهوم.. لم يعد يُنظر لليهود على أنّهم «قتلة الربّ «(قتلة المسيح)، فيما أضحى المسلمون تبعاً لهذا المفهوم ذاته، الطّرف المقصيّ من الوحي الإبراهيميّ. ويمعن معلوف في التّوضيح: «لا تنفكّ الهوّة بين الغرب والعالم العربي الإسلامي تتعمّق يوماً بعد آخر، والعلاقات بينهما باتت ومنذ أمد بعيد شقاقيّة، بل صداميّة، وتظلّ الحروب الصّليبيّة التّجسيد الأبلغ لهذه المجابهة الصّداميّة، وإنْ بقيت مجرّد رمز. إنّ شعوب زمننا الرّاهن، سواء تلك التي تعيش على الضفّة الجنوبيّة من المتوسّط، أو تلك الّتي تتوطّن ضفّته الشّماليّة، يجهلون حقيقة الأحداث التي جدّت في ذلك الزّمن الغابر، فهم بالكاد يستذكرون شخصيّات مثل صلاح الدّين الأيّوبي أو ريتشارد قلب الأسد. وبالمقابل.. كلّما اندلع صراع بدت الأطراف المنخرطة فيه هي الأطراف ذاتها، ومسرح الأحداث هو ذاته، مال الكثيرون إلى نعته بحرب صليبيّة جديدة (...).. ومع ذلك يدرك المؤرّخون المحقّقون أنّه زمن الحروب الصّليبيّة.. لم تكن علاقة العرب باليهود البتّة.. علاقات مجابهة وصدام، وأنّهم كانوا على العكس من ذلك متحالفين في مواجهتهم للصّليبيين. أضف إلى ذلك أنّ هؤلاء الصّليبيّين كانوا، وقبل اجتياحهم للشّرق، قد أقاموا مذابح رهيبة استهدفت محو الوجود اليهوديّ بألمانيا. ولكنّ قلّة هم أولئك الذين يتشبّثون بالحقائق التّاريخيّة، فتظلّ أبصارهم منشدّة إلى النّزاعات الرّاهنة، ولا يتلمّسون الماضي إلاّ بغاية جعله في خدمة مساعيهم وأطماعهم الرّاهنة». الروائي عن رواياته ليون الإفريقي قصة إنسان ترك بلاده وهي الأندلس، بسبب الحروب التي فرضت المغادرة والهجرة على عائلته، وبعد سنوات وجد نفسه في بلاد مختلفة ويكتب بلغة غير لغته الأم، وهي قصة مشابهة لقصتي حين غادرت لبنان بعد الحرب، وبدأت أكتب بلغة غير لغتي الأم. صخرة طانيوس هو كتاب يتحدث مباشرة عن لبنان وتاريخه، ولبنان في الحقيقة حاضر في كل كتاباتي فهو مصدر إلهامي، في الوقت نفسه لم أكتب كثيراً عن لبنان، لأني ككاتب لست من الذين يستطيعون الكتابة عن ما يتحكم ويستحكم في مشاعرهم ووجدانهم.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©