الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«صور» مدينة عاشقة تتحدى الزمن وتبقى سيدة المتوسط

«صور» مدينة عاشقة تتحدى الزمن وتبقى سيدة المتوسط
27 مارس 2010 21:45
صور.. أول مدينة تهادى الموج على جفنيها، ولم يترك أثر الملوحة.. إنها المدينة الأم، المدينة الضدّ التي لم تنكسر كي تنتصر.. صخـورها منتصبة مثل جيش قديم، لا يشــبهها شيء حتى صورتها المائية. أغنية أطلقها قروي ذات مساء.. ولم يقو على استرجاعها، مرة ثانية كبرت فأصبحت مدينة عاشقة البحر، وشهدت أبنية وأناساً يرتلون كل صباح، أناشيدهم في سوقها القديم يشتغلون ويبنون مجد المدينة. سكان القرى المجاورة يقصدونها كل صباح، لتقديم قرابينهم لسيدة المتوسط، التي تستيقظ على وشوشة الموج، ورفرفة أجنحة النوارس التي لم تزين سماءها.. صباح الخير أيتها المدينة، قال القروي الأول حين دخلها.. بعدما قدّم هداياه، تحسس جدرانها، وقفل بعدها راجعاً الى قريته، محدثاً عن لذّة ما أكل من طيب وطعام، فبدأت القرى تستسيغ أسماء المدينة التي طالما انتظرت الأصدقاء. سوق.. وخان.. ومقهى لم يبق في صور القديمة، غير سوق بجدران باهتة، تزيّنها الألعاب، وخان تسمع فيه، ثغاء ماعز ينتظر فك أسره ليقصد المقصلة، ووجوه قديمة قلقة أتلفها الزمن، تداعب نرجيلة في مقهى قديم، يعرّش فوق جداره ملح السنين.. هذا ما تبقى في صور، سيدة المتوسط، ومع ذلك ما زال القرويون يقصدونها، تتقدمهم أبواق السيارات، والقروي مازال يقصد المدينة، لا من أجل بيع المنتوجات، بل ليبتاع ما كان يبيع في الماضي، والمدينة تضج بأصوات البقالين، كل يغني على ليلاه، وأصوات متقطعة لشواكيش هرمة “الكندرجية”، أما سوق اللحامين فهو الأكثر زحمة في المدينة، فالقروي لم يعد يحبّذ أكل “الفلافل”، بل اللحم.. السوق مثل عانس ملطخة بالماكياج، عربات خضراوات وفواكه، محال ألبسة وعطورات مستوردة، أصوات ناعمة، نساء يمشين الهوينا، ورجال يتأبطن كتباً وصحفاً ومجلات. هكذا تغير السوق وبسرعة، لم تعد تبصر دابة تمشي في السوق.. وحتى الخان، الذي كان يعجّ بالدواب الموقظة وقع أسيراً لصمت المدينة، أصبح خاوياً يتحلل في غرفة ثور ينتظر مصرعه بعد حين.. مدينة حضارية صور، أصبحت مدينة حضارية ترهق البحر، بعيون لعوبة غير آبهة للصوت الذي انطلقت معه، ولكن صدر البحر أوسع مما تدعيه، ما زالت المراكب تأتي محملة بالأعطيات والخير الذي طغى عليه الحنين المثلج. المدينة لا بد لها من البحر الملتف حول خصرها كتعويذه، لكي تبقى سيدة المتوسط..!
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©