الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المطبوع والمسلوق والمسروق

27 مارس 2010 22:09
يكاد المرء يجزم بأن ليس هناك مهنة تعّرضت للفلتان مثلما تعرضت مهنة الصحافة ونشر الصحف في العقود القليلة الماضية.. لقد شهد هذا القطاع وما يزال جحافل من أنصاف المعنيين وأنصاف المتعلمين وأنصاف وأنصاف.. وأنصاف.. وشهد أخيراً وليس آخرا أنصاف بل أرباع وأشباه محللين استراتيجيين وكتاب سياسيين. وكان مفهوماً ومازال أن السبب الأول وراء ذلك هو فقدان المعايير الفنية والعلمية التي على أساسها يمكن قياس مهنية الصحفي والكاتب والمحلل والمعلق والمحقق والناشر الخ.. أما المسؤول الرئيسي فهم أهل المهنة أنفسهم من أفراد ومؤسسات ممن تهاونوا مع الزمن في وضع وتطبيق حد أدنى من تلك المعايير، حتى أصبحت الصحافة في أكثر من مكان وزمان مهنة مزاج ورغبة جامحة بالظهور حتى لمن كانت طبيعة اهتماماته الحقيقية تبعد مسافة ضوئية عن الصحافة. ووسط هذه الظروف تحديداً ازدهر الإنتاج الصحفي “الرخيص” أو “المسلوق” الذي يجعل مقدماً أو مذيعاً على سبيل المثال يرتكب ـ وهو يقرأ ـ من أخطاء اللفظ أضعاف الأخطاء الساذجة والمعيبة التي تظهر في شريط أخبار التلفزيونات العربية والتي لا يعادلها سوى أخطاء المطبوعات الصحفية، الأسبوعية والشهرية، وليس اليومية فقط. وتبرز كارثة أخطر في الصحافة وتتمثل في السرقات الأدبية والعلمية (سرقة المعلومات) التي انتشرت بالطول والعرض حتى يمكن الحديث عن ظاهرة أرست وللأسف عادات “مهنية” معيبة باتت جزءا من طقوس الكتابة الصحافية وتعتبر شكلاً فظيعاً من أشكال هدر الحقوق الفكرية.. والمادية.. لقد مهدت “شرعنة” هذه الأنواع من السرقة الأدبية لشرعنة أوسع ليس أقلها أن أصبح الصحفيون أنفسهم والصحف والمطبوعات ـ على الأخص ـ ضحية سائغة لكل من هب ودب من مواقع على الانترنت في شكل من أشكال السلب (المرتجع) دون أي إشارة للحق الأدبي أو المعنوي.. ويبدو أن شرعنة هذا السلب قد بلغت مبلغاً تأخر تصحيحه أو أصبح إشكالية صعبة للغاية تخلط فعل عادات التاريخ مع تعسف التكنولوجيا.. ولهذا مثلاً كان الجدل حاداً بين كبار رجال الإعلام والمشاركين في قمة “بلومبرغ بزنس ويك” للإعلام التي انعقدت في الأسبوع الثاني من مارس في نيويورك عندما أثير موضوع الصحف وتقاضي رسوم على الأخبار في مواقع الإنترنت، لدرجة وصف فيه أحد أبرز المتحدثين في القمة وهو أندرو كين مؤلف كتاب “عبادة الهواة” بأن صناعة الصحف “أطلقت الرصاص بنفسها على قدمها” وذلك بعدم فرضها رسوماً على مواقعها الإلكترونية في أول الأمر، وأن لديها كامل الحق بفرض ذلك الآن. ومحاربة “ثقافة المجان” ـ التي دعا إليها كين نفسه ـ يجب أن تبدأ من هنا وليس فقط من مسألة فرض أو عدم فرض رسوم مقابل الإطلاع على أخبار الصحف في الانترنت. وهذا يأتي في مقدمة واجبات الصحافة تجاه نفسها وإلا سيقال فيها غداً أكثر بكثير مما قاله كين وليس أقله أنها أطلقت الرصاص على رأسها وليس فقط على قدمها.. د. الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©