الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلام «دائماً» في قفص الاتهام!

الإعلام «دائماً» في قفص الاتهام!
18 مايو 2009 00:41
ما من مؤتمر للأسرة أو المرأة أو الطفل يعقد لمناقشة القضايا الاجتماعية المتعلقة بهذه الفئات المجتمعية إلا وكان الإعلام حاضراً، وحضور الإعلام لا يأتي مصادفة، فهو يُطرح الأدوار المؤثرة التي يقوم بها من خلال كل منافذه وآلياته والتي بات واضحاً عمق تأثيره في العلاقات والثقافات والسلوكيات والقناعات والفكرية. وحين يطرح دور الإعلام على مائدة النقاش، نجد أن سلبياته تصبح محور النقاش والجدل لدى المتحاورين. وهذا التفضيل له أسبابه ودواعيه لما يقع تحت الأعين من مشاهد اجتماعية سلوكية أبطالها فئات مجتمعية تأثرت بشكل واضح بما يُبث.. وبما يُسمع.. وبما يُقر.. وبكل ما تبثه وسائل الإعلام. ولعل التغير في السلوكيات هو أكثر التحديات صعوبة، ونحن نحاول البحث عن حلول لمشكلاتنا الأســـــــرية والاجتماعية، وهذه السلوكيات لا نبرئ الإعلام من تأثيره على أفرادها الذين يمارسونها ليصبح الســؤال عن دور الأسرة وملاحظــة الوالدين والمربين أي تغير في ســـلوك الطفل أو الناشئ ملزماً لنا بإيجاد الإجابة الصحيحة والواقعية، فلعل الإجـــابة تكـــون منطلقاً لإيجـــاد الحل المناسب. كانت هذه الإشكالية محط اهتمام، ومحوراً للبحث، تناولته رؤى نخبة من المتخصصين والمعنيين، في ورقات عمل مؤتمر «العالم في أسرة» الذي نظمته مؤسسة التنمية الأسرية، في أبوظبي مؤخراً، وشهد عدداً من الجهود والاجتهادات الفكرية البناءة من خلال ورقات العمل المقدمة من مختلف الأقطار العربية. وهو ما نتناوله في «الجزء الثاني» من هذه الرؤى. الوعي الأسري .. تتناول صالحة غابش، المستشار الثقافي في المجلس الأعلى للأسرة في الشارقة «الإعلام ودوره في نشر الوعي الأسري». وتقول في ورقتها: «جميعنا يؤمن بأهمية الإعلام في نشر الوعي الأسري والمجتمعي بالقضايا العامة المتعلقة بالإنسان الذي يؤثر في مجتمعه، فهناك من التوجهات الإعلامية ما يجعلنا نحترم إيجابياتها، وهي تتمثل في العديد من الأوجه، كبرامج التوعية الخاصة بالعلاقة بين الزوجين من ناحية، والعلاقة بينهما وبين الأبناء من ناحية أخرى، وكالتعبير عن القضايا الوطنية والاجتماعية، ومواكبة الأحداث والمتغيرات المؤثرة في حياتنا داخل مجتمعات لها خصوصياتها وتقاليدها. لكن انعطاف الإعلام عن هذا الاتجاه في كثير من الأحيان إلى اتجاهات سلبية انعكس على سلوكيات الأجيال الشابة من حيث المظهر والقناعات الداخلية بأفكار لا تمت إلى قيم التنشئة بصلة، فنستغرب إصرار بعض الفضائيات (الغنائية والسينمائية خاصة)، كما نستغرب من إصرار المتعاملين في (الفيديو كليب) على الابتذال الإعلامي بالرغم مما يكتب، ومما يقال من الآراء المضادة من قبل المستهدفين كباراً وصغاراً. كما أننا نفتقد كثيراً المتابعة اليومية للإنسان في التلفزيون، ويوميات الأسرة بهمومها ومشاكلها. إلى جانب تنميط الطفل، وتنميط المذيع والمذيعة ووضعهما في قالب أضحى مملاً نظراً لاستنساخ الشكل والأسلوب المحكي والحركة». المفاهيم المشتركة تشير الدكتورة عائشة عبدالله النعيمي، الأستاذ المساعد بقسم الاتصال الجماهيري بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الإمــــارات في ورقتهـــــــا: «وســــــــائل الإعــــــــلام والمفاهيم المشتركة للأسرة الإماراتية»، إلى تحليل الدور الذي تلعبه تقنية المعلومات وتطور تكنولوجيا الاتصال في التأسيس لهامش العلاقة الاجتماعية المشتركة داخل محيط الأسرة الإماراتية ومدى تأثير التفاعل بين الفرد ووسائل الاتصال المتعددة على تشكيل مفاهيمه ووعيه وتأسيس علاقته ببقية الأسرة التي ينتمي إليها. كما تهدف الورقة إلى البحث في تأثير ذلك التفاعل على خلق إما الترابط الأسري أو خلق التفكك الأسري أو ما يمكن أن يطلق عليه العزلة الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة. إن التعددية التي فرضها تطور الاتصال أنتجت تعددية في الخيارات المتاحة للفرد، وبالذات تلك التعددية التي أفرزتها تكنولوجيا الوسائط المتعددة التي تنصهر فيها كل وسائل الإعلام وتذوب فيها الحدود الجغرافية لتخلق واقعاً افتراضياً يجعل الفرد يعيش عالماً غير واقعي، معزولاً عن الآخرين، وربما يكون عالماً مغايراً لواقعه وتنشئته الاجتماعية، مما قد يخلق لديه نموذجاً أكثر اتساقاً مع مفاهيم جديدة، وقد تكون مناقضة ومختلفة مع مفاهيم واقعه المعيش داخل أسرته. ونحن عندما نتحدث عن مجتمع يواجه متغيرات ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، مثل مجتمع الإمارات العربية المتحدة، يصبح التأثير أكثر فاعلية وربما أكثر خطورة، ويحتاج منا إلى البحث في آليات تعزيز دور المؤسسات الإعلامية بشكل أكثر تحديداً، والكشف عن مضامين الإعلام الموجه للأسرة، والمعوقات أساسية التي تحول دون قيامه بالدور المطلوب في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي للشباب الإماراتي، وهذه القضية تطرح علينا محورين أساسيين تسعى الورقة للبحث فيهما: أولاً: البحث في الاستراتيجية الإعلامية الموجهة للأسرة والفلسفة التي تحكم كيفية تفاعل المؤسسات الإعلامية مع هذا الفضاء الإعلامي المفتوح، والذي بات في دائرة التفاعل الأسري. ثانياً: البحث في الدور الذي تلعبه الأسرة لمواجهة المضامين التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة ودورها في تأسيس علاقة تفاعلية إيجابية بين الفرد داخل الأسرة وبين الإعلام. واقع الإعلام كما يتناول الدكتور أحمد الإمام، الأستاذ بمعهد التدريب والدراسات القضائية في الإمارات «واقع الإعلام الموجه للأسرة»، ويشير إلى سعي بعض الوسائل الإعلامية لاستقطاب المستمع أو المشاهد أو القارئ بالتفنن في الإثارة أو الإغراء إن لم نقل الإغواء، أو الاستدراج في مزالق وأوهام، أو عبر إثارة غريزة الجدل والنزاع تحت غطاء المحاورة الحرة. فبعدما كان الإعلام حكراً على الجهات الرسمية ووسيلة تأطير وتوجيه المجتمعات وفق سياسات السلطة، أصبح مجالاً مفتوحاً للتعبي الحر عن مختلف الاهتمامات والمصالح، فبدت الضوابط تتلاشى تدريجياً لتختزل في القدرة على التمويل بالأساس، وتتحول السلطة إلى مجرد مراقب محايد تاركاً صلاحياته السابقة بين يدي المستهلك، الذي يمكنه أن يدعم باختياره الفردي استمرارية أو تراجع الكثير من المشاريع الإعلامية، السمعية والبصرية وكذلك المقروءة، ناهيك عن تلك الوسائط المتعددة للتواصل عبر شبكة الإنترنت. ويشير الإمام إلى المفارقة العجيبة في أن يصبح الإعلام الرسمي في كثير من الدول المتقدمة عنواناً للجودة والانفتاح وضمان الصدقية وحرية التعبير الجاد، بعدما كان وسيلة دعائية للمذاهب الفكرية السائدة، بينما تعاني الفضائيات والقنوات الإذاعية في الصحف في دولنا من انعدام الرؤية أو حتى فقدان أي توجه هادف يصب في صالح البناء المجتمعي المتمثل في الأسرة». ويقول: «يتجه الإعلام حالياً إلى تجزئة الأهداف والخدمات، فتعددت قنوات الأخبار، وقنوات الغناء، والأفلام، وتلك المتخصصة في مجالات معينة مما يزيد الأمر تعقيداً على الأسرة التي تجد صعوبة في برمجة جلسات عائلية تجمع كل أفرادها، ولها كبير الأثر في زيادة فرص النمو التفاعلي والوجداني، وهكذا تعيش الأسرة في وضعية تفتقر لأبسط ضروريات التآلف والاجتماع والوجود معاً، بل قد يصل الأمر حد الإدمان والتعود على جرعات متزايدة من ساعات المشاهدة التي تزيد من الخمول والكسل والأمراض العضوية والنفسية. لا شك أن دور المؤسسات الرسمية هو ضمان حق المواطن في الحصول على ثقافة ارتقائية وتوعية حضارية، باحترام ضوابط الوحدة المجتمعية، ورفع مستوى المنافسة الإعلامية بإعطاء المثال الذي يحتذى به في جودة البرامج، والحفاظ على جماليات الذوق العام، وتطوير المفاهيم والتناغم الفكري والإبداعي بتسليط الأضواء على مختلف مواطن الثراء المعرفي لدى كل الشرائح. فعندما يتعود المستمع أو المشاهد أو القارئ على مستوى برامج تحترم عقله وتنمي فكره وتغذي كيانه، يغدو محباً لذوقه السليم، قادراً على الاختيار، منزهاً نفسه عن تضييع وقته وطاقاته فيما لا يرجع عليه إلا بالضرر، كإدمان القنوات الإباحية التي تعمد إلى التفريغ الرخيص للغرائز المكبوتة وتلك المواقع الابتزازية للمال والثروة. ونطمح أن تتحد الجهود وتتكاتف الكفاءات المبدعة لينعم المواطن العربي بإعلام هادف يدفع عجلة التنمية المستدامة، ويرفع مستوى الوعي الحضاري لدى الشعوب العربية». العنف الأسري وتتناول الدكتورة مي الخاجة، الأستاذ المشارك في مجال الاتصال الجماهيري بجامعة الإمارات «العنف الأسري ضد المرأة في الدراما العربية» من خلال دراسة ميدانية استطلاعية على عينة من طالبات جامعة الإمارات العربية وترى أن كثيراً ما توظف «الدراما» العربية لصالح التغيير الثقافي بعرض مشـــاكل العنف الأســــــري لإضفاء الشـــــــــعور بالمشـــــــاركة الجـماهيرية، والتي بدورها تنقل قضية العنف الأسرى إلى الرأي العام. لقد لاحظت الباحثة أن الدراسات السابقة التي اهتمت بالإعلام والعنف هي من خارج دولة الإمارات، وأن الدراما تبرز الخلافات الأسرية بالعنف والعنف المضاد، أما الدراما الخليجية فممتلئة بالعنف الأسري ومنشغلة بالكسب المادي. وتروج هذه الدراما التلفزيونية ثقافة العنف ضد المرأة وتقدم امتدادات للعنف الاجتماعي، ويكرس القائمون عليها النظرة الدونية للمرأة من دون محاولة لفهم أو إعادة النظر في مضامينها وتطويرها أو التخفيف من حدتها. ومما سبق، فإن مشكلة الدراسة تدور في المحورين الآتيين: كيف يقدم العنف الأسري ضد المرأة في الدراما العربية؟ وما اتجاهات طالبات جامعة الإمارات نحوها؟ وتقوم الباحثة باستخدام منهج مسح جمهور من طالبات الجامعة للإجابة عنهما للوقوف على اتجاهاتهن تجاه العنف الأسري ضد المرأة ودور الإعلام في الحد منها. عالم متغير تتناول باسمة محمد يونس، رئيس قسم البرامج والجوائز بوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في ورقتها «الأسرة في عالم متغير.. التأثير الإعلامي على الأسرة سلبياً وإيجابياً»، موضحة ما تواجه الأسر في الحاضر المتغير واقعاً ثقافياً مبهماً وغير واضح، ويزداد غموضه في ظل هيمنة الإعلام وطغيان تأثيره على الحياة الأسرية، وســــــيطرته على كل فرد من أفــــــرادها، إضـــــافة إلى المضــــامين غير المتوافقة مع نوعية واهتمامات الأسر، بتعزيز وحفظ الهوية الوطنية العربية والقيم الإسلامية الأصيلة. ولا شك في أن الحديث في هذا الأمر ذو شجون، ولربما يكون هذا الواقع العام، ولكونه واقعاً عالمياً لا ينحصر في بيئة أو في دولة معينة، يجعلنا أكثر تخوفاً من صعوبة حصار مشكلاته، أو محاولة درء ما يمكن أن يتسبب به من تأثيرات سلبية. مع ذلك، فلا بد من القول بأن لمس الجرح ومعاينته والكشف عن أسبابه أفضل من تركه يستشري إلى حالة يصعب علاجها فيما بعد.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©