الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انقلاب النيجر ومصير الديمقراطية بغرب أفريقيا

27 مارس 2010 22:27
بعد أسابيع على الانقلاب الذي شهدته النيجر في الثامن عشر من فبراير الماضي، مازالت بوابات القصر الرئاسي تحمل آثار الثقوب التي أحدثتها نيران العناصر المتمردة. ولئن كان لا أحد يعلم متى سيكون ثمة زعيم جديد ليأمر بتنظيف الحطام المتناثر على عشب القصر، فإن مجلساً عسكرياً حاكماً، هو الذي يمسك بزمام الأمور في الوقت الراهن. ظاهرياً، تعد أحدث عملية إطاحة بزعيم أفريقي منتخَب انتكاسةً أخرى للديمقراطية في منطقة غرب أفريقيا. فقد عرفت القارة السمراء انقلابات أخرى، وكثيراً ما يكون التبرير هو أن الزعيم الحالي فاسد أو لا يحترم الدستور؛ غير أن خلع الرجل القوي "مامادو تاندجا"، الذي ظل متمسكاً بالسلطة حتى بعد انقضاء ولايته، يثير مرة أخرى السؤال: هل ثمة شيء اسمه "انقلاب جيد"؟ علي إدريسي، رئيس ائتلاف منظمات غير حكومية نيجيرية تناضل من أجل الشفافية في قطاع النفط والمناجم المربح في البلاد، يقول:"كشعب ديمقراطي، لا يمكننا أن نشيد بانقلاب عسكري. ولكننا في الواقع، وفي قرارة أنفسنا، نشيد به لأنه يمثل بالنسبة لنا انقلاباً جيداً". والواقع أن الكثيرين يحمِّلون مسؤولية تنامي انعدام الأمن وتفشي الفقر في هذا البلد الواقع غرب القارة الأفريقية لإخفاقات حكم تاندجا الذي دام عشر سنوات؛ ذلك أنه على الرغم من احتياطات النفط واليورانيوم الكبيرة التي تزخر بها البلاد، فإن الأمم المتحدة تعتبر النيجر أقل بلد في العالم من حيث التنمية إذ يحتل مرتبة وراء أفغانستان مباشرة. وفي هذه الأثناء، يسعى المجلس العسكري الحاكم، الذي يسمي نفسه "المجلس الأعلى لإعادة الديمقراطية"، إلى تبديد المخاوف منذ الانقلاب، حيث تعهد بتنظيم الانتخابات وتوفير الأمن وإيلاء الأولوية لإصلاح قطاع استخراج الثروات الطبيعية الذي ينخره الفساد. كما قام زعماء المجلس العسكري الحاكم في الأول من مارس بتعيين حكومة تتألف من عشرين عضواً من أجل إدارة شؤون البلاد إلى حين تنظيم انتخابات جديدة، ولكنهم لم يحددوا بعد تاريخا لذلك. وحتى الآن، يبدو أن المقاربة ناجحة حيث تُعبر فصائل مختلفة عانت تحت حكم تاندجا عن تفاؤل حذر بشأن تحسن الأوضاع. وفي هذا الإطار، يقول "أغالي آغ ألامبو"، زعيم تمرد الطوارق في 2007، والذي طال الملايين من الطوارق في الشمال المضطرب: "ثمة بعض الأمل الآن". وقد سافر ألامبو، الذي كان أحد أكثر المبحوث عنهم في النيجر، إلى العاصمة نيامي في الرابع عشر من مارس لأول مرة منذ أربع سنوات من أجل إجراء مفاوضات مع "المجلس الأعلى لإعادة الديمقراطية". وقال ألامبو الملتحف بثياب بيضاء فضفاضة في غرفته بأحد فنادق نيامي: "إننا سنحاول صنع السلام؛ إلا أن إشعال الحرب هو في كثير من الأحيان أسهل بكثير من صنع السلام". والجدير بالذكر أن مناجم اليورانيوم وآبار النفط المربحة الواقعة على أراض رعوية تقليدية لم تجلب فوائد للطوارق وغيرهم من السكان الرحل المحليين، الذين يقولون إن الاستيلاء على الأراضي تحت حكم تاندجا يضر بالبيئة ويعرض حيواتهم للخطر. والواقع أن كثيرين في النيجر يشعرون بأن خلع الرئيس أتى في ظرف مفصلي؛ ذلك أنه بعد انقضاء ولاية "تاندجا" في الثاني والعشرين من ديسمبر 2009 (علما بأنه غيَّر الدستور)، أضعف التنديد الدولي ووقفُ المساعدات غير الإنسانية قبضةَ تاندجا على الحكم؛ ولكنه سعى إلى تشكيل تحالفات الفرصة الأخيرة قبيل أيام معدودة على الانقلاب، حيث أعلن عن اعتزامه منح عقود لاستخراج اليورانيوم -وهو العنصر الأساسي في الطاقة النووية- لإيران وكوريا الشمالية. ويصف بعض المراقبين خلع "تاندجا" بأنه "انقلاب مضاد"، على اعتبار أن الانقلاب الأول حدث عندما قام "تاندجا"بتمديد ولايته الانتخابية بشكل أحادي؛ غير أنه إذا كان الانقلاب المضاد يمكن أن يشكل في نهاية المطاف خطوة نحو الديمقراطية، فإنه يمثل في أحيان كثيرة منحدراً زلقا؛ حيث تُظهر أمثلة مجالس عسكرية حاكمة في دول أخرى في أفريقيا الغربية أن خلع نظامٍ فاسدٍ أسهل بكثير من إعادة حكم الدستور، ذلك أنه كثيراً ما يبرر زعماءُ الانقلابات والحكام المستبدون ما يقومون به بحرصهم على استقرار بلدانهم وبأنهم يعرفون أكثر من غيرهم مصلحة شعوبهم. وعلى سبيل المثال، أشاد كثير من المراقبين الدوليين بالمجلس العسكري الحاكم في موريتانيا عندما أتبع خلع رئيسٍ حكم البلاد لفترة تصل إلى21 عاماً بانتخاباتٍ اعتُبرت حرة ونزيهة. غير أنه بعد عام واحد على تلك الانتخابات، قام زعيم المجلس العسكري الحاكم محمد ولد عبدالعزيز مرة أخرى بالانقلاب على الرئيس الموريتاني الجديد. ويذكر هنا أن عبدالعزيز هو الرئيس المنتخَب حالياً لموريتانيا. وفي ديسمبر 2008، استولى ضباط من الجيش في غينيا يسمون أنفسهم "المجلس الوطني من أجل الديمقراطية والتنمية" على السلطة بعد ساعات معدودة على وفاة الرئيس؛ وتلت ذلك حملة قمع للمدنيين، انتهت بمذبحة سقط فيها 150 محتجا في سبتمبر الماضي. هانا آرمسترونج النيجر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©