الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خريف العمر

خريف العمر
18 مايو 2009 01:05
لم أكن أتوقع أن أمر بمثل هذا الموقف الصعب، فهل يعقل بأنني فعلت مثل هذا الشيء العجيب؟ أنا أتزوج شاب بمثل عمر ابني؟ أين ذهب عقلي؟ أين حكمتي؟ كيف رضيت بمثل هذا الزواج؟ هل كنت عاقلة أم مجنونة؟ يا الهي!! ماذا أقول؟ بعد أن انتهت حكايتي بالفشل الذريع، وبعد أن عاد إلي عقلي، الآن أعترف بأن ما قمت به لم يكن من الصواب في شيء، أنا بالذات كنت أستنكر مثل هذه التصرفات، كنت أتهم كل من تتزوج بشاب أصغر منها بسنين عديدة بشتى الاتهامات، قلة العقل.. عدم تقدير الأمور بشكلها الصحيح، فكيف للمرأة التي تجاوزت الأربعين عاماً، وهي أرملة وأم لشباب، ولديها أحفاد، كيف لمثل هذه المرأة أن تفكر بالزواج مرة أخرى؟ وكيف تتصرف بلا حكمة وترتبط بشاب بعمر أولادها؟ هل هذا يعقل؟ هذا هو شعوري قبل أن أقع ضحية لهذا الاختبار الصعب، هذا ما كنت أستنكره وما كنت ارفض تخيله ولو مجرد خيال، فكيف بي وأنا أكون صاحبته.. ولكنه أمر الله الذي لا مفر منه، فعندما يأتي القدر نقف أمامه بذهول صامتين لا نستطيع الاعتراض وبسرعة تتبدل قناعاتنا ومواقفنا فنقبل ونرضى بسهولة ويسر بما كنا لا نقتنع به سابقاً. ماض عزيز توفي زوجي وأنا في العشرين من عمري، وترك لي أربعة أولاد، فكرست شبابي وحياتي لرعايتهم، واحترام ذكرى أبيهم الغالية على قلبي، فرفضت التفكير في الزواج مرة أخرى، وأغلقت أبوابي خوفاً على أطفالي، وكأنني قطة متوحشة تحتضن صغارها وتكشر عن أنيابها أمام من يريد بهم السوء، وأي سوء أكثر من أن يدخل رجل جديد ليحل محل أبيهم، ذلك الرجل العطوف الحنون الرائع، قطعت صلتي بالناس، الجيران.. الأصدقاء.. الأقارب، وعشت سنين طويلة من الكفاح والتضحية من أجل الأولاد. مرت السنين وأنا لا أشعر بها وكبر الأولاد وتركوا المنزل بعد أن تزوجوا ورفضوا العيش معي في بيتنا العربي القديم، خصوصاً أن عملهم في العاصمة يضطرهم للبقاء هناك طوال أيام الأسبوع فلا يأتون إلا في أيام الإجازات، وهكذا.. وجدت نفسي وحيدة تماماً، سنين طويلة مرت وأنا لا أكلف نفسي جهد النظر في المرآة، فقد تنازلت بإرادتي عن أي اهتمام ولو بسيط يمكن أن تظهر فيه أنوثتي، كان قلبي ميتاً دفنته مع العزيز الراحل ولم أفكر في إخراجه إلى الحياة مرة أخرى، تركته مدفونا وسط المقابر مع باقي الميتين، وهكذا فبعد أن رحل الأولاد ومضى كل منهم إلى شؤونه بدأت الوحشة تملأ أركان المنزل وبدأت أحس بأنني أعيش على هامش الحياة، وأن الغاية من وجودي قد انتهت مع انتهاء مهمتي في رعاية الأولاد وتوفير احتياجاتهم. عيوش تطرق بابي منذ مدة طويلة لم يطرق بابي أحد، بعد أن انقطعت عن زيارة الأهل والأقارب والجيران، فكان عجباً أن أسمع صوت طرق الباب فأسرعت قبل الخادمة نحوه وكأنني أبحث عن أمل يعيد البهجة لحياتي البائسة، إنها «عيوش» تلك المرأة التي تعودت أن تزور جميع البيوت في الفريج وتزودهم بالأخبار، فهي الخيط الذي يربط بين الجيران فيعلم الجميع بأخبار بعضهم البعض، وهي أيضاً تقوم ببيع بعض الحاجيات مثل العطور والبخور والملابس المخورة لنساء الفريج، كانت زيارتها غريبة، فقد انقطعت عن زيارتي منذ زمن بعيد لأنني لا أشتري منها شيئاً، ولا تهمني أخبار الآخرين، وليست لدي أخبار جديدة تفيدها، يبدو أنها أحست بوحدتي وحاجتي لها فجاءت في وقتها حتى أنها لاحظت لهفتي في مقابلتها والترحيب الزائد بقدومها، وبذكائها وخبرتها عرفت بسرعة ما أعانية، فبدأت بالضرب على الوتر الحساس وأخذت تلومني على إهمالي لنفسي وانقطاعي عن الناس، ثم لمحت لي بأن هناك في الوقت متسع لأعيد النظر في طريقة حياتي، ظننتها تواسيني فقلت لها: حرام عليك من ينظر لامرأة تجاوزت الأربعين؟ قالت وهي تغمز بعينها: أنت مازلت جميلة وكأنك في العشرين، فقط فكري وسيكون العريس على بابك. عدت إلى مرآتي المهجورة لأول مرة بعد كل السنين نظرت إلى وجهي في المرآة وكأنني أراني لأول مرة، فاجأتني تلك الملامح البائسة المرتسمة على وجهي وتلك الخطوط الغامقة المتوزعة في جميع الأنحاء، وخصلات الشعر الأبيض التي انطلقت بقوة وسط الشعر، لوحة بائسة لامرأة قديمة مهجورة، لا أدري لماذا أطلت النظر إلى وجهي وكأنني أرغمت على التفكير بكلام عيوش، هل أنا حقاً أبدو صغيرة؟ وهل لي أن أفكر في حياة جديدة أبدأها مع رجل آخر؟ أبعدت هذه الأفكار الشريرة من رأسي ورددت القول المعروف: «عقب ما شاب ودوه الكتاب».. ترددت عيوش على بيتي كثيراً في المدة الأخيرة وصارت تزيد من جرعات الحديث حول موضوع الزواج، وكأنها تلمح لشيء معين، في البداية كنت استنكر ولا أسمح لها بإطالة الموضوع ولكنني شيئاً فشيئاً وبعد حديثها المتواصل عن الوحدة والفراغ التي أعيشها ولأنها تدق على الوتر الحساس في حياتي أصبحت أنصت إليها وأتجاوب مع أفكارها. العريس الجديد جاءتني فرحة وهي تزف لي البشرى بوجود عريس لا يمكن تفويته، فهو شاب ممتاز يريد الارتباط بامرأة في سن الأربعين لأنه يعتبر أن هذه السن هي اكتمال النضج للمرأة، وأنها في هذه السن تكون بعيدة عن الدلع والإسراف والتصرف بغباء كما تفعل الشابات الصغيرات اللواتي يكثرن من الطلبات ومهورهن عالية جداً ويعجبهن اللف والدوران في الأسواق، وهو شاب متواضع دخله بسيط يحتاج لامرأة ناضجة تملأ عليه حياته بالحنان والمودة والدفء العائلي الذي حرم منه، فهو يتيم الأم وقد تربى عند زوجة أبيه، وعندما أخبرته عنك تحمس للارتباط بامرأة مثلك مخلصة وحكيمة وحريصة على إسعاد أسرتها، وهو لا يهتم بموضوع الإنجاب لأنه لا يحب الصدعة والحشرة وتربية الأطفال. مفاجأة لم يتوقعوها جاء الأولاد كعادتهم لزيارتي في نهاية الأسبوع، بدأت أشكو لهم وحدتي وأحاول التلميح لهم بما أفكر به، فسهل علي كبيرهم الأمر قائلاً: حسناً يا أمي سأبحث لك عن عريس يخفف وحدتك ويشغل وقتك فلا تكوني وحيدة، فرددت عليه غير مكترثة باستهزائه كي لا تفوت الفرصة.. العريس موجود فعلاً، بهت الجميع غير مصدقين!! ومرت فترة صمت طويلة قاتلة، استجمعت قوتي بعدها واستكملت حديثي عن ذلك الذي يريد التقدم للارتباط بي بعدما سمعه عني وعن وحدتي، قال ابني: لقد طلبنا منك المجيء للعيش مع أحدنا وأنت رفضت ذلك، قلت: طبعاً أرفض ذلك، فكيف أترك بيتي الذي زرعت في أركانه كل ذكريات عمري؟ دخلته وأنا في الثانية عشرة من عمري ولم أنم ليلة واحدة خارجه طوال تلك السنين، فكيف تريدني أن أتركه؟ سأموت لو تركته، إنه حياتي الماضية كلها، تعود أولادي على عدم مجادلتي واحترام رأيي، لذلك فقد سكت الجميع وانصرفوا في وجوم، لا أدري لماذا تسرعت وقلت ما قلت وهل أنا فعلاً قررت الموافقة على الزواج أم لا!! تم الزواج ورأيت «المعرس» لأول مرة، عندما نظرت إلى وجهه وشبابه فزعت، ارتجف جسدي كله، وكدت أقع مغمياً علي، إنه صغير جداً.. إنه بعمر أولادي، كيف طاوعت تلك المرأة؟ وكيف سمحت لنفسي بأن أقف هذا الموقف؟ أحس زوجي بارتباكي وخوفي فجلس يحدثني ويطمئنني بأنني مازلت شابة واستحق أن أعيش حياتي من جديد. مرت الأيام وأنا أحاول أن أظهر بأحسن حال، حيث ذهبت إلى الصالون وصبغت شعري ووضعت المساحيق واشتريت ملابس جديد، علي أغير من الواقع المر شيئاً ولكني ما أن أقف أمامه وأنظر إليه حتى يملؤني القهر، فكيف لهذا الشاب أن يحب امرأة بسني! الحقيقة المرة أخيراً عرفت الخيبة الثقيلة التي أعيشها والحلم الزائف الذي صدقته، ووضحت الصورة الحقيقية التي دفعت هذا الشاب للارتباط بامرأة في خريف العمر، الحكاية إنه أحب فتاة من البحرين وأراد الزواج منها، وبما أن وضعه المادي لا يساعده كثيراً فهو يشغل وظيفة بسيطة لأنه لم يكمل دراسته، لذلك فقد قرر البحث عن واحدة مثلي يتزوجها، فيأخذ عقد الزواج فيقدمه إلى صندوق الزواج ليتم له الحصول على منحة الصندوق والتي تتيح له الارتباط بالفتاة التي أحبها، بعدها يطلقني ويتفرغ لعروسه التي اختارها قلبه وهي بمثل عمره وشبابه. هذه هي كل الحكاية وقد عرفتها من خطيبته التي ما أن عرفت الحقيقة حتى اتصلت بي لتخبرني بأنني مجرد كرت للحصول على المال، لذلك يجب علي أن لا أضع آمالاً كبيرة على هذا الزواج، فقد ثارت ثائرتها بعدما علمت منه بأنني حامل وهذا ما لم يكن ثابتاً في حساباتهما، لأنهما ظنا بأني لا يمكن أن أحمل وأنا في هذه السن، دارت بي الدنيا بعدما عرفت الحقيقة، وواجهته بها فلم ينكر، فذهبت إلى صندوق الزواج وأخبرتهم بتلك الخدعة الدنيئة التي استخدمها هذا الشاب للحصول على المنحة، فطلبوه للتحقيق، فغضب وطلقني بعد انكشاف أمره، عدت إلى خيبتي ولا أحد إلى جانبي سوى عيوش التي أقسمت بأنها لم تكن تعلم بنواياه، وإنه لم يخبرها أبداً بأي شيء سوى رغبته بالزواج من امرأة كبيرة في السن للأسباب التي قالتها لي وأقنعتني بها، ووعدتني بأنها ستحاول استرضاء أولادي ليسامحوني على غلطتي ويتصالحوا معي بعد أن هجروني، كل تلك المدة ولم يسألوا عني. وبعد تلك الرحلة المؤلمة جاء إلى أحضاني طفلي الصغير الذي ليس له ذنب في هذا كله، احتضنته لأنه هدية أعطاها لي ربي ليكون فرحتي وبهجتي في سنين حياتي القادمة. نهاية عاشق مراهق أحمد محمد القاهرة - قبل ثلاث سنوات كان «أحمد» يقضي إجازة المصيف في الساحل الشمالي، وهناك التقى بها ووقع في حبها من النظرة الأولى ووجد فيها فتاة أحلامه وسحره جمالها. إنها تستحق التضحية بالعمر كله. فرغم أنه طالب بالجامعة ويعيش في العاصمة ويتنقل كثيرا بين المدن الكبرى، فإنه لم يصادف فتاة في جاذبيتها. كل ما فيها مميز. غرق في بحرها. التفت حوله شباكها دون أن يكون لها دور في ذلك. في كل الأحوال لم يستطع الخلاص. فكيف يخرج من الشبكة وهو داخلها وفي البحر. انقلبت حاله رأسا على عقب. فقد التركيز والسيطرة على أفكاره. بل فشل في التعامل مع هذه المشاعر الطارئة التي اقتحمت هدوءه وعكرت صفوه. كان ينظر اليها وكأنه مسلوب الارادة. كالريشة في الهواء يحركها كيف يشاء. كان هدفه الأول أن يصل إليها. ويلفت انتباهها إليه. خاصة وأنه يعرف أنه لم يصل حتى إلى هامش شعورها. فهو مثل عشرات الشباب المتناثرين على الشاطئ وتحت المظلات وفي الماء كل يوم. لكن الظروف ساعدته وتهيأت لصالحه تماما عندما دفع بأخته الطالبة في كلية الصيدلة لتكون همزة الوصل بينهما وتأتيه بطرف الخيط ويمسك به ويتولى بعد ذلك إكمال المهمة بنفسه وهو قادر على ذلك. وبعد ما تلاعبت أخته بمشاعره. واستغلت هيامه وضعفه قبلت القيام بالوساطة رحمة بحاله. لأنه يكاد يصاب بالجنون. يخشى أن يستيقظ في الصباح فلا يجدها فقد ترحل في أي وقت ولن يستطيع الوصول اليها بعد ذلك. ولأن محبوبته في عمر أخته تقريبا. فكانت مهمتها سهلة. إذ بمجرد أن ألقت عليها التحية وتبادلتا المعلومات عن اسميهما ودراستهما ومسكنهما. كانت الخطوة الأولى إلى التعارف ثم قضاء بعض الوقت معا. بعدها ادعى أنه التقى بهما صدفة. وبدأ بدوره التعرف عليها وكان له ما أراد من الاقتراب منها أكثر ومعرفة المزيد من المعلومات عنها وعن أسرتها. وجد نفسه أمام عائلة محافظة وفتاة ملتزمة. لا تسمح لتصرفاتها بالخروج عن التقاليد والعادات التي تربت عليها. فزاد إعجابه بها وحبه لها ولم يكن أمامه من سبيل للاستمرار في هذه العلاقة، إلا أن يأتي البيوت من أبوابها ويطلب يدها من أبيها. واستطاع أن يقنع أباه وأمه باتخاذ هذه الخطوة والتقدم لخطبتها. ولحرصهما على مستقبله استجابا لرغبته وحدد موعدا لالتقاء الأسرتين وقراءة الفاتحة وإعلان الارتباط الرسمي بينهما. لكنه وجد ما لم يتوقعه ولم يحسب له حسابا. فقد رفضت أسرتها الارتباط والخطوبة في هذا الوقت لأنه مازال طالبا بالجامعة وغير مهيئ ولا مستعد الآن للزواج. وليس هناك داع لإعلان الخطوبة الى أن ينتهي من دراسته. فليكن كل شيء في وقته. اعتبروا أن ذلك مجرد حجز للفتاة الى ان يكون جاهزا. وليس هناك ما يضطرهم لذلك خاصة وأنه في سنته الثانية بالجامعة ومشواره مازال طويلا حتى وإن كانت ظروف أبيه المادية جيدة. فذلك لا يكفي. كان الرفض بمثابة طعنة له في القلب. وضربة بمطرقة فوق رأسه أفقدته التوازن. لكنه لم يفقد الأمل وقرر أن تكون شعرة الوصال بينه وبينها وبين أسرتيهما باقية. يبتدع المناسبات للزيارات واللقاءات. وحظيت شقيقة محبوبته بالنصيب الأكبر من هذه اللقاءات لأنها هي وزوجها المحاسب كانا حلقة الربط بينه وبين أسرة فتاته. ويرحبان به في أي وقت. وربطته بهما صداقة قوية. حتى تركزت العلاقة بينه وبينهما أكثر من محبوبته وأسرتها. يتردد عليهما يداعب أبناءهما الصغار. ورغم أن شقيقة محبوبته تكبره بحوالي اثني عشر عاما. وزوجها بأكثر من خمسة عشر عاما، فإنه حول العلاقة معهما الى صداقة تقوى وتزداد كل يوم. وتواصلت خلال السنوات الثلاث الماضية. لكن الزوج بدأ يتبرم في الشهور الأخيرة من زياراته التي زادت على الحد. وعاتب زوجته لأنها تسمح له بدخول بيته في غيابه. وكانت المفاجأة الكبرى لها عندما فاتحها بحبه لها. فما لم تعرفه الزوجة ولا الزوج أن «أحمد» تحول بعواطفه الى هذه الزوجة. كل مشاعره وأحاسيسه التي كانت لأختها انتقلت إليها. بل ويزيد عليها أنها امرأة ناضجة. وليست مجرد فتاة طائشة. هو نفسه لا يعرف كيف ولماذا حدث ذلك بالضبط، وليس هناك ما يبرر هذا التحول. فالمرأة لم تخرج في تعاملها معه عن حدود الأدب ولم تخضع له بالقول. إنها تنظر اليه باعتباره خطيب أختها الصغرى. وإن لم تتم الخطبة فيمكن استئناف ذلك مستقبلا. وعندما عبر لها عن حبه نهرته بشدة ولم تسمح له بالاسترسال في الحديث عن ذلك. قاطعته وهي ترفض كلماته وتعبيراته. لكنها منذ تلك اللحظة تنبهت لنظراته وكانت تقرأ فيها حبه. وترى في عينيه ما يريد أن يقوله بلسانه. ورغم جديتها بعد ذلك وصرامتها في التعامل معه وأنها اعتبرت ما قاله لها كأن لم يكن. فإنه لم يتوقف عن زياراته ولم يتعلم الدرس. لم يعرف أن حبه في كلتا الحالتين صبياني وحب مراهقة من شاب لم ينضج فكره بعد ولم يصل الى مرحلة الرشد والقدرة على التقدير الصحيح والتقييم السليم. أوهم نفسه أن هذه المرأة هي الحياة فإنه لا يستطيع أن يعيش بدونها. ويجب أن تكون له وحده. وشأن قراراته المتسرعة كلها. وتصرفاته الطائشة قرر أن يفوز بها، كأنها حق له وألا يفرط فيها وفقد عقله وانساق وراء نزوته وتخبطت الأفكار في رأسه وتداخلت حتى لم يعد يعرف طريقة للاستحواذ عليها. ففي كل فكرة يجد نفسه أمام طريق مسدود. وزوجها يقف عائقا أمام أي حل يصل إليه. لذا لابد من إزاحته من طريق سعادته التي بناها في خياله كأنها قصر من رمال على شاطئ بحر هائج في الشتاء. إنه متأكد مسبقا أن الرجل لن يتنازل عن زوجته أم أولاده تحت أي طرف. وإذا تسربت إليه بعض أفكار ومشاعر ذلك المراهق فإنه سيقطع صلته به تماما وينتهي كل شيء. وأخيرا تحالف مع شيطانه ووضع خطة الخلاص وبدأها بسرقة مفتاح شقة الرجل. وهو يعرف أن الزوجة والأطفال يقضون يوم الجمعة من كل أسبوع عند أسرتها. وأن الزوج يكون وحده في هذا اليوم، خاصة في المساء بعد ما يعود الى بيته. اشترى سكينا دسها بين ملابسه. وتوجه الى الشقة بعد المغرب عندما حل الظلام. وفصل التيار الكهربائي حتى لا يرى الرجل شيئا عندما يدخل. وحتى لا يتعرف عليه قام بوضع قناع على وجهه ورأسه. وكي لا يترك بصمة في المكان لبس قفازين. وجلس ينتظر متأهبا حتى عاد الرجل ودخل وأغلق الباب وقبل أن يمد يده الى مفتاح الكهرباء ليضيء الأنوار جاءته الطعنات في هذا الظلام الدامس متتالية، وهو لا يرى قاتله. ولا يعرف من أين تأتي الطعنات ليتجنبها. وقد تلقى اثنتي عشرة طعنة كانت كافية تماما لأن تقضي على حياته. ويلفظ انفاسه ويفارق الدنيا دون أن يعرف من هو قاتله؟ ولماذا قتله؟ لا يعلم أن صديقه أحب زوجته وأن هذه الصداقة مجرد وهم. وقام القاتل ببعثرة محتويات الشقة وسرقة بعض الأشياء ليضلل رجال المباحث بأن الجريمة كانت بهدف السرقة. عادت الزوجة وأبناؤها الذين تسمرت أقدامهم أمام مشهد الدماء والجثة الملقاة في مدخل الشقة. وبدأ رجال المباحث جمع معلوماتهم لكشف غموض الجريمة والبداية هي فحص أصدقاء الأسرة. ولم تمض أربع وعشرون ساعة حتى تم القبض على العاشق القاتل وضبط أدوات الجريمة. وراح خلال التحقيقات يعترف بكل التفاصيل الدامية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©