الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكرب.. في السلم والحرب!

21 مارس 2017 21:51
لكل شيء في الإسلام أدب وقواعد وقيم حتى الخصومة والطلاق والنقد والرفض والمعارضة، حتى الحرب والقتال، حتى الحسد والظن. ويُقال: إذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق أو فلا تتحقق.. وعندما تستعرض المشاهد العربية كلها، ترى أن وباءنا الوبيل هو غياب هذه الآداب الإسلامية، أو قل غياب شرف الخصومة وشرف الحرب والقتال وشرف المعارضة وشرف النقد وشرف المهنة. وغياب الشرف والآداب يعني سقوط السقف؛ إذ صار كل شيء بلا سقف. أي صار الشر بلا سقف وبلا حدود. وهذا يعني أن التطرف أصاب العرب في مقتل. والتطرف يعني الكراهية، والكارهون في الله أصبحوا في أمتنا كثرة كغثاء السيل، وهؤلاء هم الذين يلبسون الشرور والآثام ثياباً وعباءة دينية، فهم يكرهون ويقتلون ويفسدون في الأرض باسم الله وفي الله. وأخطر الناس من يرتكبون الجرائم باسم الله ويفسدون في الأرض ويقولون: إنما نحن مصلحون. وإذا أردت أن تعرف امرأ حق المعرفة فارقبه في الغضب ولا ترقبه في رضائه. وتابعه في فقره ولا تتابعه في غناه، وفي رفضه لا في قبوله، وفي حربه لا في سلمه، وفي خصومته لا في مصالحاته وصداقاته وفي معارضته لا في موالاته، فإذا كان يغضب هوناً ويرفض ويعارض هوناً، ويقاتل ويخاصم هوناً، فهو بخير. وإذا أردت أن تعرف الآداب والقواعد والقيم والمُثل العليا، فأرصد وصايا أمراء الجيوش والقادة عند التوجه إلى ميادين القتال. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً قال: اغزوا باسم الله وفي سبيل الله تقاتلون من كفر بالله، لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا امرأة ولا وليداً. ما أعظم هذا. الجيوش والسرايا كانت تخرج لقتال كفار بالله واضحين وضوح الشمس. كان هناك معسكران واضحان بلا لبس ولا غموض. معسكر الكفر ومعسكر الإيمان. ومع ذلك ورغم أنه قتال ضد الكفار، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الغدر والإيغال في القتل. ونهى عن قتل النساء والولدان وعن التمثيل بالجثث. أين هذا الآن من هؤلاء الإرهابيين المنافقين الذين يقاتلون مسلمين؟ إنهم يغدرون ويمثلون ويحرقون ويدمرون ويقتلون النساء والأطفال. وهب أن هؤلاء مؤمنون وأننا منافقون. فإن قتالنا وقتلنا لا يحل لهم. وقد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال وقتل المنافقين، رغم أنه كان يعرفهم بالاسم، حتى لا يُقال إن محمداً يقتل أصحابه. وتكفل الله عز وجل بفضح المنافقين وعقابهم في الآخرة.. أو تعذيب من يشاء منهم والمغفرة لمن يشاء. والآن ليس في العالم كله مؤمنون وكفرة. ليس فيه معسكران واضحان هما معسكر الكفر ومعسكر الإيمان، لكنها حرب بين منافقين ومنافقين. وإذا لم يكن هناك معسكران واضحان للإيمان والكفر، فإن القتال يسقط تماماً. لأن أمر الله عز وجل بالقتال كان لمؤمنين ضد كفار، والآن لا يوجد مؤمنون أو لا يوجد فسطاط مؤمنين في مواجهة فسطاط كفار. وإنما هما فسطاطان لمنافقين. وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يقول عند عقد الألوية: امضوا بتأييد الله والنصر ولزوم الحق والصبر فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله. ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. ولا تجبُنوا عند اللقاء ولاتمثلوا عند القدرة، ولا تسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان وفي شن الغارات. وقال الخليفة أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، ليزيد بن أبي سفيان حين وجهه إلى الشام: إنك ستجد قوماً حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حبسوا أنفسهم له «يعني الرهبان». وإني موصيك بعشر: لا تغدر ولا تمثل ولا تقتل هرماً ولا امرأة ولا وليداً ولا تعقرن شاة ولا بعيراً إلا ما أكلتم ولا تحرقن نخلاً ولا تخربن عامراً ولا تغل. وقال أبوبكر الصديق، رضي الله عنه، لخالد بن الوليد حين وجهه لقتال أهل الردة. إذا دخلت أرض العدو فاحترس من البيات فإن في العرب غرة. واقبل من الناس علانيتهم.. وكلهم إلى الله في سرائرهم واستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه. تأملوا.. تدبروا قول الصديق لخالد بن الوليد: إذا دخلت أرض العدو.. لم يقل أرض الكفار.. لان المرتدين لم يحكم عليهم المسلمون بالكفر. لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للصديق: كيف نقاتل قوماً يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فقال الصديق: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه. منعوا الزكاة. ولكن الصحابة لم يرموهم بالكفر كما يفعل معنا أهل النفاق الذين يمارسون القتل والإرهاب باسم الله. كل الخلفاء والصحابة نهوا في قتال الكفار والمرتدين عن الغدر والتمثيل بجثث الأعداء وعن قتل كبار السن والنساء والأطفال والرهبان. بل نهوا عن عقر الحيوانات وحرق الأشجار وتخريب العامر. فماذا يفعل الإرهابيون المنافقون الآن غير قتل النساء والأطفال والعواجيز والرهبان والعلماء وعقر الحيوانات وحرق الحجر والشجر وتخريب العامر؟ وتأملوا أيضاً قول الصدّيق لخالد: احترس من البيات فإن في العرب غرة، وهذا تحذير من الليل والقتال فيه أو الاسترخاء عن القتال في البيات، لأن في العرب صفة أو سمة ملازمة لهم. وهي الغرة.. والغرة هي الغفلة. العرب قوم فيهم غفلة، هذا وصف الصديق لهم وهو أصدق وصف. والغفلة في العرب باب واسع يستحق حديثاً آخر.. لأنني أزعم أن الغرة أو الغفلة العربية أساس وأس كل سوء وكل بلاء وكل كرب في السلم والحرب! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©