الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القرصنة الإلكترونية .. أكبر تهديد للديمقراطية

21 مارس 2017 21:55
لا داعي لشن حرب تقليدية أو حتى اللجوء إلى هجمات رقمية مدمرة على البنية التحتية الحيوية، ما دام بمقدور المرء أن يغير نتيجة انتخابات معينة لصالح مرشح أو حزب متعاطف مع مصالحه أو إذا كان بمقدوره إلحاق الهزيمة بمن لا يروقه. فقد ذكرت أجهزة الاستخبارات الأميركية أن موسكو ضالعة في عملية انتهاك البريد الإلكتروني للجنة القومية للحزب «الديمقراطي»، وبريد «جون بوديستا» المدير السابق للحملة الانتخابية الرئاسية للمرشحة «الديمقراطية» هيلاري كلينتون. وذكرت وكالات الاستخبارات الألمانية بصراحة أن جماعة القرصنة المعروفة باسم «شقة 28» التي تديرها الاستخبارات العسكرية الروسية قامت بالقرصنة على البرلمان الألماني وعلى خوادم بعض الأحزاب السياسية. وذكر مسؤولون بريطانيون أنهم يعتقدون أن روسيا لها يد في استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وأشار آخرون إلى شيء مماثل بشأن الاستفتاء الذي دعا إليه رئيس الوزراء الإيطالي «ماتيو رينزي» بشأن إصلاح حكومي في ديسمبر الماضي. وفي الآونة الأخيرة، ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن المديرية العامة للأمن الخارجي في فرنسا تعتقد أن هناك حملة تضليل إعلامي ينسقها الكرملين تهدد بتقويض الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكل هذا هدف واحد هو إضعاف حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإضعاف الاتحاد الأوروبي والتماسك الأوروبي. وروسيا أمام «الناتو» أو الاتحاد الأوروبي تصبح قزماً. لكن حين تقف روسيا أمام أوروبا مقسمة إلى دول منفردة، أو بعد حل «الناتو» تصبح عملاقاً من حيث السكان والقوة العسكرية. إننا نواجه سياسة الاتحاد الروسي في استخدام وحدات الاستخبارات العسكرية في إدارة جماعات قرصنة مثل «شقة 28» و«شقة 29»، تابعة للاستخبارات العسكرية الروسية التي يوجد آثارها في كل أنحاء العالم. والجدير بالذكر أن الجنرال والمؤرخ العسكري الألماني «كارل فون كلاوسفيتز» عرف الحرب بأنها استمرار للسياسة لكن بطرق مختلفة. وبالتالي يتعين علينا أن نعتبر الهجمات على الانتخابات الديمقراطية حرباً وليس فقط الهجمات على مؤسسات البنية التحتية الحيوية. ويتعين علينا التوصل إلى صيغة جديدة لتنظيم الدفاع ليس استناداً إلى الجغرافيا، بل على أساس إخلاص مشترك وحقيقي للديمقراطية. والأحجية التي ستواجهها أوروبا في العام المقبل تتعلق بما إذا كان يتعين عليها استخدام وسائل غير ليبرالية لحماية الدول الديمقراطية الليبرالية المعرضة لهجوم خارجي. ومواقع التواصل الاجتماعي تستجيب لهذا التحدي لكن ببطء. فقد أعلنت «فيسبوك» عن نظام يكتشف الأنباء الكاذبة، و«تويتر» و«جوجل» يبحثان القضية. وفي ألمانيا- وهي أكثر الدول حساسية تجاه مخاطر الشعبوية والتطرف القومي لعدة أسباب تاريخية معروفة- تقدم مشرعون بمشروعات قوانين بالفعل للتصدي للأنباء الكاذبة. والأسبوع الماضي قدم وزير العدل الألماني مشروع قانون يوقع غرامة بقيمة 50 مليون يوور (53 مليون دولار أميركي) على مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك إذا لم تتخلص سريعاً من المحتوى غير القانوني الذي يتضمن خطب الكراهية والأنباء الكاذبة المغرضة، وأيضاً المواد المعادية للسامية. وقد تحذو الدول الأوروبية الأخرى حذو ألمانيا. ومن الثابت أن الديمقراطيات تستقر على أعمدة رئيسية تتمثل في الانتخابات الحرة النزيهة وحقوق الإنسان وحكم القانون والإعلام الحر غير المقيد. لكن بعد عمليات القرصنة، ونشر تفاصيل محرجة وأنباء زائفة يمكننا أن نتخيل بالفعل مشكلة كل المجتمعات الديمقراطية التي ستواجهها في الانتخابات المستقبلية وهي: كيف نقيد الأكاذيب حين تهدد الديمقراطية؟ كيف نحمي البرلمانات والأحزاب من القرصنة؟ كيف نتصرف حين تتم القرصنة على الأحزاب الرئيسية أو السياسيين أو حين تنشر ويكيليكس رسائل بريد إلكتروني محرجة في مسعى للتأثير على الانتخابات، بينما لا تتعرض الأحزاب ولا السياسيون المقربون من روسيا للقرصنة ولا تنشر تفاصيل محرجة عنهم؟ لكننا في الغرب لدينا مزايا لا مثيل لها أيضاً. فالخصوم يريدون إيداع أموالهم في بلد آمن يحكمه القانون ويشترون عقارات لا يمكن لزعيم سلطوي أن يصادرها. وبالتالي يمكننا إجراء تحقيقات في غسل الأموال واتخاذ إجراءات ملائمة خاصة في الدول التي يفضلها الخصوم. ويمكننا أن نضع عراقيل أمام رغبة أبناء هذه النظم في الدراسة أو العيش في الغرب بثروات مسروقة. ويتعين أن يتطور التعاون الأمني ليواجه التهديدات المشتركة. لقد اقترحت قبل خمسة أعوام على هامش مؤتمر ميونيخ الأمني بحث اتفاق للدفاع والأمن الرقميين للدول الديمقراطية فعلياً في العالم أياً كان موقعها جغرافياً. والتوصل إلى مثل هذا الاتفاق يحتاج لعمل جاد، ولا بأس في هذا، لأن الذين يقوضون ديمقراطيتنا يعملون بجد فعلاً أيضاً. *رئيس إستونيا السابق عن مجلة «ديفينس وان»-ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©