السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... وتجاوز العقبة الروسية

20 فبراير 2012
كان يُردد من هنا وهناك، من قبل بعض المراقبين وأصحاب الرأي، أن موقف موسكو سيكون إيجابيّاً أي لصالح الثورة السوريّة، حيث تفاءل كثير من السوريين وغيرهم ظناً منهم أن الموقف الروسي لن يكون معيقاً لتمرير المبادرة العربية في مجلس الأمن، ولعل مرد هذا التفاؤل يعود إلى بعض التصريحات العاطفيّة، فارغة المحتوى، من قبل بعض وجوه الدبلوماسيّة الروسية، سواء أكانت في كواليس الاجتماعات أو بعض التسريبات الصادرة من بعض المسؤولين الروس في موسكو. وحينما راقبنا تطورات الموقف الروسي في مجلس الأمن في جلسته التصويتيّة الأخيرة، بدت روسيا كما لو أنها حريصة أكثر من المجتمع الدولي على أهميّة الاستقرار في سوريا، متجاهلة موقفها الذي يمكن أن ينعكس سلباً على الوضع الأمني والسياسي السوري في ظل العنف المفرط، حيث لا يمر يوم وإلا يسقط العشرات، هذا عدا عن المخاوف من أن تصبح الحرب الأهلية عنواناً للمرحلة السورية المقبلة. ولا أظن أن اليساريين والحداثويين السوريين واللبنانيين والمصريين وهم أصحاب تجربة حيّة مع روسيا التي ترى أنها الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي السابق، قد نسوا خذلانهم من قبله، ففي الوقت الذي كان هؤلاء اليساريون والحداثيون قد ناضلوا لترويج الأيديولوجيّة السوفييتيّة وكانوا يدفعون ثمناً لهذا النضال، كان قادة الاتحاد السوفييتي يعززون العلاقة مع أنظمتهم، ويرونها أنظمة تقدمية، في حين كانت هذه الأنظمة تزج باليساريين في السجون. ونعتقد أن السوريين واللبنانيين يتذكرون كيف تجاهل الاتحاد السوفييتي ظروف مقتل فرج الله حلو (القائد الشيوعي اللبناني) وكذلك ملاحقة الحزب الشيوعي السوري واللبناني من قبل نظام عبدالناصر الذي رأى السوفييت أنه "تقدمي"، ولهذا فلعل من السذاجة بمكان أن نعتقد أن الروس سيدعمون الشعوب وثوار المنطقة العربيّة، فالرهان على الموقف الروسي أنه ربما يتغير لصالح خيار قوى التغيير هو رهان خاسر حتى أنه ربما لا يحتاج إلى إضاعة الوقت والجهد لتفنيده. وعلى الأرجح أن الروس لن يغيّروا موقفهم المعيق تجاه التغييريين، ومثلما لم يفعلوا في الماضي فلن يكونوا مستعدين أيضاً على الأرجح لأن يفعلوا ذلك مع الثورات العربيّة. وفي هذه الحالة يكون الرهان على الذات، وعلى الثورة فقط، لأنه هو ما يفتح الآفاق نحو نجاحها، وذلك بعد قيام المعارضة، بكل أصنافها، بمراجعة ذاتيّة وكشف لنقاط الخلل، وكيف أن الثورة بدأت سلمية وانتهت إلى المراهنة على العامل الخارجي (الإقليمي)، وبعده على العامل الدولي، مع أنها بدأت وفي ذهن الثوار أن الرهان على العامل الخارجي ليس دائماً رهاناً رابحاً. ولعل الشريحة الكبيرة من مكونات الثورة حاولت المستحيل ألا يتحول العامل الخارجي إلى جزء من مقومات النجاح في الثورة السورية والسبب يكمن في حساسيّة هذه الشريحة من العامل الدولي الذي لا يُوثق به، والخوف من أن يؤثر في معنويات الثورة في القاع الشعبي، حيث هذا القاع له حساسيّة وعدم ثقة بكل الأطراف الدولية التي خذلت التغييريين والحداثويين في 2005 أي فترة "ربيع دمشق"، حيث قصر المجتمع الدولي بالضغط كما يجب على النظام السوري، عندما قام بحملة اعتقالات ضخمة على المناضلين السلميين من نشطاء المجتمع المدني وقيادة "إعلان دمشق" وزج بهم في السجن. والراهن أن الثورة السورية بدأت سلمية وكان من الأفضل لو بقيت كذلك، إلا أن الحلول الأمنيّة وقمع التظاهرات الشعبيّة والشبابيّة أفرزا معطيات ووقائع على الأرض، وما أن تبنى النظام الحلّ الأمني متوهماً أنه العصا السحرية التي ستنقذه وتخلصه من الشارع المنتفض، حتى ظهر على السطح معطى آخر يقف جنباً إلى جنب مع حراك الشارع ألا وهو: الجيش السوري الحر. وهذا الجيش الذي لا يستطيع الثوار إدارة ظهرهم له صار جزءاً من مكونات الثورة، كما أن تحويل هذا الجيش الحر إلى مكون مدني يبتعد عن السلاح يحتاج إلى مساعدة النظام على أن يقوم هو أولاً بإفراغ المدن من المظاهر العسكرية، والتخفيف على المجتمع من وطأة الأجهزة الأمنيّة. وعند ذاك يمكن الحديث عن مدنيّة الثورة وسلميتها. ولعل هذا إن حدث فسيكون خطوة مهمّة في الطريق إلى التغيير الحقيقي، وسيكون مدخلاً مهمّاً لتفعيل العمليّة السياسيّة والديمقراطيّة المرتكزة على حالة من المظاهرات، ومن حق جمهوره أن يتحول إلى عامل ضغط على أن يكون الضغط سلميّاً فقط بالناس والشعب. إلا أن ما نقوله يبدو صعب المنال، في الوقت الراهن. ولعل هذه الخطوة لو حدثت لكنا لا نحتاج إلى مبادرة لا روسيّة ولا عربيّة، مع أن في المبادرة العربية حلاً سياسيّاً حيث تطالب بتسليم الصلاحيات إلى نائب الرئيس، مع أننا نعرف أن نائب الرئيس من مكونات النظام ومن صانعيه. وكذلك مبادرة الروس التي تفتقر إلى الجديّة وهم اقترحوا حواراً غير رسمي تحت راية الروس دون مشاركة الأطراف الدوليّة، بمعنى أن الروس يريدون قياس الوضع بما يناسب أمزجتهم، وهم قالوا إنهم لم يصوتوا لصالح المبادرة العربية لأنّ هذه المبادرة تهدف إلى تغيير النظام. ولا نستغرب أن يكون الروس مثل نظامنا السوري الذي لم يصل، حتى الآن، إلى القناعة بأنّ تغير النظام هو مآل الثورة، وهو رغبة الشعب السوري، وكأنه من غير هذا النظام لن تتحقق حياة أفضل للسوريين، وكأن التغيير سيكون معيقاً للتواصل مع المصالح الدولية في الشرق الأوسط! فاروق حجي مصطفى - كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©